المحتوى

30 5 0
                                    

رأيت موكبا صغير لجنازة يسير اقتربت من أحد المشيعين فسألته " من المرحوم ؟" ...
رد هامسا " أنها كلمة صاحبة المقالات "
تعجبت ! سألت وانا مستغربة " وكيف ماتت !"

رد بهمس ينظر حوله كأنه يخشى الكلام " لقد تعرضت لهجوم كلاب مدربة قطعتها حتى الموت ، الأمر في جميع الصحف والمجلات الم تشاهدي الاخبار ؟ يقال إن الأمر كان مدبرا ، نعم ، الجميع متفق أنها قتلت ، نعم ، لقد قتلت بطريقة وحشية المسكينة".
فقلت " لم اعرفها جيدا فلست ممن يقرأ المقالات لكن لطالما كنت اسمع ممن يقرأ لها انها مسالمة لم تؤذي ذبابة اذن لماذا قتلت ! من اجل المال ربما ؟ ".

ضاحكا أجابني " اي مال ! لقد كانت زاهدة ألم تعلمي ذلك ؟ ياصديقتي ! انا أحسد جهلك فعلا يبدو انك لم تسمعي لها خطابا أو تقرأي لها مقالا لذا انت عاجزة عن فهم الأمر ، صدق من قال إن الجهل نعمة".

ابتعد عني بعد جملته هذه وانا توقفت في منتصف الطريق افكر بكلمة ، أن كانت مسالمة لا تؤذي وزاهدة لا تملك اذن ما سبب القتل الوحشي كما وصفه المشيع ؟

عدت لمنزلي شغلت التلفاز كانت وقتها ساعة الأخبار ... ببالغ الأسى ننعى الفقيدة كلمة التي ماتت اثر حادث وحشي لن ننسى ابدا فقيدتنا ثم صور من موكب التشييع وبعض اللقطات لكلمة قبل موتها .

استغرقت هذي الحال اسبوعا كاملا وكلمة في كل مكان بين القتل العامد والحادث العرضي ، في التلفاز  والصحف وأحاديث الناس .

مالم أفهمه ، في الخفاء كانت كلمة بطلة إذ اعتبرها الجميع شهيدة الخطابات والمقالات الناقدة حتى أن الجميع أحبها فجأة حتى من لم يقرأ لها .
لم اكن وقتها اعرف كلمة فكما أسلفت لم أكن ممن يقرأ المقالات ، وعندما اشتهرت ( الشهيدة ) فجأة منعني كسلي من أن اتابع موضوعها .

انقضى اسبوعهم المحزن رغم طوله ، استيقظت في يومي الثامن وكالعادة تناولت افطاري ورتبت مظهري ليناسب متطلبات العمل ثم خرجت لعملي  ، كان الأسبوع الماضي يدور حول الحادث ، في العمل والشوارع وفي المواصلات .

سرت في الشارع لكنه كان هادىء كما كان قبل اسبوع وأخذت المواصلات العامة حتى عملي وقد كانت هادئة أيضا وأحاديث العمل عادت كما كانت قبل اسبوع تتحدث عن بطش المدير وتعسف المفتش و عن حاجة الموظف لعلاوة أو ترقية .

كان الأمر مثل عاصفة خفيفة ضربت المنطقة لاسبوع ثم مرت وانتهى ، لن اكذب فقد كنت سعيدة أن كل ذلك الحديث الصاخب وكل تلك الضوضاء قد اختفت أخيرا .
انتهى يومي وعدت لمنزلي بحثت عن كتاب كنت أقرأه قبل يومين او ثلاث لاكمله ، واحدا من بين عدة في الواقع فما احب فعله رغم غرابته هو قراءة عدة كتب بآن واحد .

كان ذلك الكتاب يتحدث عن مناضل كوبي ارجينتيني يدعى أرنستو جيفارا أو كما يعرف ب ال ( تشي ) جيفارا .

مناضل ثوري وبطل قومي كما أسماه الكاتب شهيد قضية كما يطلق عليه من قبل معجبيه وكيف حارب الظلم وسعى لتحرير شعبه كما أنه حاول أن يحرر عقول الشعوب الاخرى فسافر خارج بلاده في فترة ما ليحثهم على المقاومة والمطالبة بحريتهم و كيف أنه لم يتوقف وأخيرا كحال جميع الأشياء يجب أن تكون لها خاتمة وخاتمة هذا الثوري لاتزال غامضة مع تعدد الروايات إلا أنها ( الروايات ) اتفقت جميعها على شيء واحد وهو أنه تعرض للخيانة وقد تم الكشف عن موقعه بالوشاية .
ثم تحدث الكاتب عن طريقة إعدامه في موقع إلقاء القبض عليه ( ولم يكن يقصد ) على يد من أطلق الرصاص وهو الجيش البوليفي بل على يد أشخاص أو بالأحرى منظمة تابعة لشيء ما سيكون بعد ذلك ( الراعي الرسمي ) للحرية و الديمقراطية ، المدافع العالمي ، الفارس ذو الدرع اللامع ، الحامي لحقوق الإنسان .
بعد أن ختمت كتابي هذا وبحكم العادة اكافىء نفسي على انجازي بتصفح الانترنيت قليلا ، لم أكن فعلا من محبي الشبكة العنكبوتية والتواصل الاجتماعي عليها لكنه أمر ضروري في زمن التكنولوجيا الحديثة لذا كنت اعتبر دخول ذلك العالم الشاسع مكافأة .

كأي شخص مهووس بالكتب والمطالعة قررت زيارة بعض المواقع التي تتحدث عن الكتب والكتابة فوجدت مقالا جذبني عنوانه بسبب استحالة تحققه كان المقال بعنوان ( من كلاب شوارع الى اسود غابات ) وقد كان محتواها كالتالي : بالأمس كانوا يملئون بقاع الأرض ، اذنابهم بين افخاذهم و آذانهم تتدلى كثدي عجوز نال الدهر منها واسنانهم بين فقيد و ساقط وآخر يتأرجح يحاول التعلق بقشة لينجو وأرجلهم العرجاء الجرباء النحيفة لم تعد تصلح إلا للحبو تذللا حتى  اقرب مخبز أو قصابة بحثاً عن رغيف مشوه أو عظم مرمي بلا لحم .

تقطعت بهم السبل وقطعوا الرجاء وازالوا الامل من قواميسهم فبعد هذي الحال أيمكن بلوغ ذلك المحال ؟! كيف لمن يزحف على الأرض دون هدى أن يطال النجمة !.

لا اعلم أن كان الأمر ابتلاء إلهي أو مجرد إثبات أن سطوة الشيطان على الأرض قد ازدادت ، وإذا بكلاب الشوارع تحصل على راعيها المناسب وكم كانا يليقان ببعض ذلك الراعي وتلك الكلاب .

وياله من راع لا ينقصه خبث ولا دهاء ماذا فعل !!
ليس حبا بكلابه فهو لايحب سوى نفسه راع نرجسي متطرف لابعد الحدود .

أجرى لكلابه المطيعة عملية تحويل ، نعم ، أخرج اذنابهم من بين افخاذهم و رفع آذانهم وشحذ ماتبقى من أسنان لديهم ثم نتف شعرهم وقال لهم أنتم اسود لا كلاب و أطلقهم لينالوا ما يشتهون .

بعدها جلس مستمتعا بفعلته متلذذا بنشر حريته فهو بعد كل شيء الراعي الرسمي للحرية ، وما فعلت الكلاب بعد ذلك لم يكن اطلاقا خطؤها و لايمكن لومها عليه ابدا ، عفوا اي كلاب ؟! اسود الغابات اقصد .

وفي نهاية المقال التوقيع بقلم : ( كلمة ) .

أسندت رأسي على كرسيي وانفجرت ضاحكة كما لم اضحك من قبل ثم بكيت كما بكيت يوم تعرضت للخيانة من حيث لم اتوقع وأخيراً تذكرت مقولة ( اقتباس ) لمن كنت أقرأ عن حياته ومماته في أحد كتبي توا ...

( لا يهمني متى و أين اموت ، لكن يهمني أن يبقى الثوار منتصبين ، يملؤن الأرض ضجيجا كي لا ينام العالم بكل  ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمظلومين ).

_ ربما كلمة قتلها من يظن نفسه أسدا لكن الكلمات غيرها كثيرة .
                                           

🎉 لقد انتهيت من قراءة مقال ل ( كلمة ) 🎉
مقال ل ( كلمة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن