بسم الله؛
•
الدرج لوهلةٍ بدا جِدَّ طويلٍ كما لو أنني لن أصل إلى السطح إطلاقًا، لكن الباب المعدني لاح لي أخيرًا مع انفتاحه الطفيف الذي بيّنَ كم أن الشمس ساطعة.
إنه الربيع، ربيع عمري وفصل الربيع، الأفضل طبعًا.
دفعت الباب مع ابتسامة واسعة كادت أطرافها تلامس أذناي حتمًا، وقبل أن أبدي انبهاري بأرضية السطح -العادية جدا- رأيت شابا يقف على حافة السور، يفرد ذراعيه، ويتنفس بعمقٍ.
جزئي محب المغامرة والمتفائل أخبرني أن فعلته جد رائعة للتخلص من رهاب المرتفعات ومن التوتر عامة، لكنني سرعان ما أفقت من تخيلاتي أشهق بصدمةٍ.
التفت وكان من السهل ملاحظة علامات الأرق والإرهاق على وجهه، لم يبالي بي وعاد يحدق أسفله.
«أنت تتهوّر جدا بالوقوف هناك.»
تحدثت بنبرة عالية قليلا حتى يسمعني، لم أقترب منه كثيرا، هذا قد يحفزه حتى يرمي نفسه.
«ليس كذلك، إنه أكثر شيء آمن ومضمون سأقوم به في حياتي.»
حقا؟ بِمَ يهذي هذا الطفل؟!
«أنت تمزح! أأنت من قرر هذا؟ انزل لنتحدث عما يزعجك بهدوء يا صاح!»
طرفني بازدراء مُتجاهلًا ما قلت، زفر وأغمض عينيه، يديه قرب جيبيه ترتجف كما الحال مع شفتيه.
«لقد أسهبت في المارين كثيرا، وتود لو يروك تسقط حتى يهتموا، ولو لمرة ليهتموا.»
تمتمت بعد أن اقتربت إليه أكثر.
أعاد قدمه محلها، وفتح عينيه المغرورقة سلفًا يحدق في الفراغ أمامه.
«أنا أتَألّمُ.»
همس تبعا للعبرات التي غطت وجنتيه وأفرغت ما في جعبته من حزنٍ، كيف لشخصٍ أن يكون بهذه الخيبة والإحباط؟
أنا لا أصدق هذا.
«وأنا أفعل، الجميع يفعل! هل ستنهي حياتك بهذه السهولة فقط لأنك تدعي أنك لم تعد تتحمل؟!
من ذا الذي ستقنعه أنك لم تستطع؟! لا يُكلّف الله نَفْسًا إلّا وسعها! فقط فكر في المرات التي تهاويتَ فيها وتعثرت لكن يَدًا خَفيّةً حملتك توازن مشيتك! تذكر كم مرة اعترضتكَ أسباب الفرح في كل مرة يئست بها من الجميع؟! بعد كل هذا وما زال، ما عذرك عند رب العالمين، هل ستقول يا الله، يا لطيف، يا رحيم أنا لم أجد سبلا حتى أعيش؟ هل ستقول أنه ورغم كل ما آتاك أنت لم تجد سببا لأن تحيا حامدًا مُحاولًا؟!»الكلام توافد يقتَطفُ معانٍ اكتنزت صدري وآلمتني، لِمَ قد يكون شخصًا ناكِرًا إلى هذا الحَدّ؟
تنفست بعمق وواصلت أحاول بشتى الطرق جعل قلبه يلين:
«مررت بِفترةٍ عسيرةٍ بعض الشيء، ربما شخصيتي التي تنظر دائِمًا إلى الجانب الجيّدِ ساعدتني حتى أتَخَطّى كل شيء بابتسامةٍ وهّاجةٍ، لكنني رغم هذا لم أعي أن تلك النسماتِ الباردةَ في عز الصيف، الأيدي المربتّةَ، والمساعدات الصادقة كلها من لطف الله، كل ما يجري، وفي كل مرة تظن أنك قوي وتجاوزت كل شيء بنفسك ضع في الحسبان أن لطفه ساورك، أحاط بك وحملك على أكف الراحة حتى وصلت، أنت فقط قمت بقفزة صغيرة جعلتك تبدو بطل القصة، هل تظن أنه سيتركك بعد كل هذه السنوات؟ هو الله ولن يفعل، حتى مع أنك تخطِئُ يوميا وتبتعد، لطفه ما يزال يحيطك.»
أنا أيضا بكيت حينها، في كل مرة أذكر كم الأشياء الرائعة التي يبعثها الله لي يوميا أبدو كأسوأ شخص في الوجود، ربما أحتاج أنا الآخر لتغيير الكثير فيَّ.
«لا تقلق حِيالَ شيء، الناس تقول دائمًا أن اعمل وادرس واجتهد حتى تنجح وتعمل وتشعر بالرضا ثم تسعد، لكن دعني أؤتيكَ طريقًا أيسر ومختصرًا أكثر، ضع في الحسبان دائما أن الله هو مسير كل شيء، لا تحتاج أكثر من هذا حتى تطمئن وتسعد، شيئا فشيئًا المشاكل تحل، والأزمات تُنسى، وطبعا مع اجتهادك، سترضى.»
هو استحضر لطفه أيضًا، ونزل بوآدةٍ تجذبه الأرض مُتكوّرًا حول نفسه.
•
لا أدري ما إن فهمتِ لِمَ ركزت على لطف الله، لكنني قصدت بذلك أن الكثيرين يظنون أن ما نتحمله هو سوء بكل النواحي، ولا أحد ينظر لتفاصيلٍ طالما أنقذنا الله منها، وبلطفٍ تجاوزناها.
دمتم في أمان الله ❤️
واستغفروا 🖤