دموع في الظلام

370 70 172
                                    

وضع ابريق الشاي أمامه على مكتبه وسكب فنجاناََ..
لون الشاي اسود قاتم وعكر..
اسفل الابريق اسود ، ورقة (اللبتون) المتدلية اكلت النار نصفها .. وضع حبتي سكر .. كان في الماضي حريصا يشرب الشاي بدون سكر او يستعمل السكرين.. اما الآن فلم يعد ذلك مهماََ!
شرب الفنجان الأول..
احس برهق وجوع...آه !
أين اذهب؟!
فمنذ الصباح الباكر وهو لم يبرح الغرفة العلوية في منزله!
هذه الغرفة التي اتخذها مكتباََ خاصاََ منذ أول يوم استقر في هذا المنزل.

فرز الأوراق وصنفها الى ثلاثة اصناف:
الأول, وهوما يراه مفيداََ ، و وضعه في حقيبة خاصة ..
الآخر وهو ما يتعلق بالإلتزامات التي كتبها على نفسه أو الديون أو أي نوع يشكل عبئاََ عليه ، وأصولها في يده! فجمعها و وضعها في تنكة وقام بحرقها!
وصنف لم يتخذ بشأنه قراراََ..

ورأى انه من الأفضل التريث في وضعه فتركه على الجانب الأيمن من المكتب بجانب التليفون ، ولكنه نظر الى الساعة ، أخته الكبرى نائمة مع أولادها الآن...
أما الاصدقاء - وضحك بمرارة- ولم يكمل التفكير فيهم..

ألقى نظره على حيطان المكتب .. تقابله صورة يعتز بها لمجموعة من رجال الاعمال في بلد عربي على شاطئ البحر يتوسطهم بجسده المتعتدل وشكله المتميز .. كان مدعوا الى العشاء لدى الشركة بعد توقيعه اول صفقة تجارية هامة كانت قفزته في مجال حياته التجارية.

نظر اليها واستعاد الزمان والظروف التي كانت تحيط به أيامها, وتنهد من اعماقه و وضع كفيه فوق عينيه ..ثم عاد يحتسي الشاي الذي وجده بارداً ومراً.

تأمل الصورة مرة أخرى .. قام من مكانه وسار اليها بخطوات هادئة حتى وقف أمامها و تفحص نفسه فيها جيداً ؛ ثم ابتسم وهو يهز رأسه .. نظر الى سكرتير مدير الشركة وشعر بإنقباض!
كم حقد عليه ذات مرة رغم لطفه وأخلاقه!
زم شفتيه وضحك ضحكة مكتومة.. هناك اشياء نحاول دائما ان نخفي اسبابها دائماً حتى عن انفسنا..
وهذا مافعل! قطع نصف التفكير في سبب حقده عليه .. راح يلقي نظرةً على ما هو حوله ...
الشهادة!! شهادته هو ، في برواز خشبي من النوع الفاخر المطلي بماء الذهب!  هم بأن يسحب الشهادة من البرواز ويلقيها في القمامة ويحرقها.. شعر بأن هذه الشهادة سخيفة جداً! لم تنفعه يوماً في حياته!
دائما كانت شهادة على شقاء و"بهدلةَ" طفولته وصباه ..وستة عشر عاماً من الدراسة امضاها ما بين عصيِ المُدرسين .. وضجة  المدارس ورعب الامتحانات ... وحينما نجح يوماً في حياته وصار تاجراً مرموقاً لم يكن لهذه الشهادة أي دور.

لكنه صرف النظر عنها وكأنه لم يعد يكترث بالتفكير في ما حوله في حالة من الاعياء والاحباط جعلته فاقداً شهية ممارسة كل شيء حتى التفكير!

عاد الى مكتبه وهو يخوض في الاوراق المبعثرة ... والسجاد الذي علاه الغبار .. كان الجوع يغتال معدته حرفياً!
تمنى ان تتحول قاعدة الأقلام والروزمانة الجلدية الى خبز ليأكله بالشاي المر!

دموع في الظلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن