المُذَكِّرَة الأُولَى

30 8 22
                                    

"كُنْتُ جَالِسَةٌ عَلَىَ أَرِيكَتِي الَّتِي تُجَاوِرُ نَافِذَةَ غُرفَتِي مُرتَدِيَةً ثِيابِي الشَتَويَّة.. أُمْسِكُ كُوبَ الشُوكُولَا السَاخِنَةِ خَاصَّتِي.. إِنَّهُ يُشعِرُنِي بالدِّفءِ حَقَّاً.. رَائِحَةُ الشُوكُولَا تُدَاعِبُ أَنْفِي بِلُطْف.. أُرَاقِبُ أَلْسِنَةَ اللَّهَبِ البُرتُقَالِيَّة المُنْبَعِثَةُ مِنَ المِدْفَأَة.. مَعَ مُوسِيقَاي الهَادِئَة الَّتِي تُرِيحُ أَعْصَابِي..
أَغمَضْتُ عَينَايَ لِلَحَظَات.. ثُمَّ بَدَأْتُ أَفتَحهُمَا بِبُطْء..
وَقَعَتْ عَينَايَ عَلَىَ مَكْتَبِي.. لِأُبْصِرَ بِرْوَازَاً بُنِّيَ اللَّون.. شَعَرْتُ حِينَهَا بِأَنَّ قَلْبِي وَ عَقْلِي يُلقِيَانِ بِي فِي بُحَيرَةِ مِنَ الذِكْرَيَاتِ.. تِلْكَ الذِكْرَيَاتُ المُشَوَّشَة الَّتِي رَسَمَتْ اِبْتِسَامَةً عَلَىَ ثَغْرِي بِدُونِ وَعيٍ مِنِّي..
تَرَكْتُ كُوبِي وَ تَوَجَّهتُ إِلَى مَكْتَبِي لِأُمْسِكَ بِالبِروَاز..
تَذَكَّرْت.. لَقَدْ تَذَكَّرْت.. رَأَيتُهَا.. إِنَّهَا صُورَتُنَا.. إِنَّهَا أَنَاْ.. وَ أَنْتَ وَاقِفٌ تَضْحَكُ عَلَي.. كُنَّا صِغَارَاً وَقْتَهَا مَا بَينَ الخَامِسَةِ وَ السَابِعَة.. كُنَّا نَتَسَابَقُ مَعَاً وَ لَكِنَّنِي اِنْزَلَقتُ حِينَهَا وَ فُزْتَ أَنْت.. كُنْتَ قَلِقَاً عَلَيَّ وَ لَكِنَّكَ أَخفَيتَ قَلَقَكَ بِالضَحِكِ عَلَيَّ.. فَهَذِهِ عَادَتُك.. وَ لَمْ تُفَوِتْ أُمِي هَذِهِ اللَّحظَة فَالتَقَطَتْ لَنَا صُورَة.. هَذِهِ الصُورَة الَّتِي مَرَّ عَلَيهَا خَمْسَةَ عَشرَ عَامَاً.. أَهدَيتَنِي إِيَّهَا قَبْلَ سَنَتَين فِي يَومِ عِيدِ المِيلَاد.. قَبْلَ أَنْ تُسَافِر.. أَتَذَكَّرُ أَنَّنِي أَجْهَشتُ بِالبُكَاءِ حِينَهَا فَضَحِكْتَ أَنْتَ كَعَادَتِكَ وَ قُلْتَ لِي:
- لَا تَبْكِي لَافِي سَأَبْقَى مَعَكِ دَائِمَاً.. فَقَطْ اِنْظُرِي لِتِلْكَ الصُورَة وَ سَتَتَذَكَّرِينَنِي.
حِينَهَا مَسَحتَ دُمُوعِي بِيَدِكَ الدَافِئَةِ وَ قُلْتَ لِي:
- أَنَا أَرَى الثُلُوجَ تَتَسَاقَطُ فِي عَينَيكِ.. سَأَتَذَكَّرُهَا دَائِمَاً لِيُثْلِجَ قَلْبِي.
فَابْتَسَمْتُ حِينَهَا لِأُوَدِّعكَ بِعِنَاقٍ دَافِئ...

لَمْ أُدْرِكْ مَا حَدَثْ.. لَمْ أَشعُر بِدُمُوعِي وَ هِيَ تَتَسَلَّلُ مِنْ مُقْلَتَاي.. لَمْ يُخرِجنِي مِنْ ذِكْرَيَاتِي تِلكْ إِلَّا صَوتُ الطَرَقَاتِ عَلَىَ بَابِ مَنْزِلِي.. مَسَحتُ دُمُوعِي بِسُرعَة وَ اَرتَدَيتُ مِعطَفِي وَ تَوَجَّهتُ إِلَى البَاب.. وَ مَا أَنْ فَتَحتُه...
-لَازِلتُ أَرَى الثُلُوجَ تَتَسَاقَطُ فِي عَينَيكِ لَافِي... "

أُقْـحُـوَانِـيَّـة🤎🍂Where stories live. Discover now