٠٢ مُتجلّد وَ مُلتهِب.

7.3K 351 66
                                    


َ★ِ








قبل أن أقع في ما يسمى بالحب.
كنت قد طهرت شفتاي بالنار المقدسة
لأتكلم عن سموه و لما فتحت شفتاي للكلام
وجدتني أخرساً.

كنت أترنم بأغاني الحب قبل أن أعرفه و لما
عرفته تحولت ألفاظي في فمي للهاث ضئيل
و الأنغام في صدري إلى سكينة عميقة.

لقد كان شعلة دفأ بها صدري المتقرس و
وشاحاً أحاط به قلبي الملتهب، لقد كان
كل بسمة خلفها على شفتاي، لقد كان كل
دار أسكنه بعد بعيد التجوال، لقد كان كل
الحياة و الحياة ما هي إلا كله، أحببته
و نسيت به العالم.

ذات يوم قبل أن أعرفه كنت قد وقفت
على باب الهيكل أسأل العابرين عن
خفايا الحب و مزاياه.

فمر أمامي كهل مهزول القامة كاسف
الوجه و قال متأوهاً "الحب ضعف
فطري ورثناه عن الإنسان الأول"

و مر فتى قوي الجسد مفتول الساعدين
و قال مترنماً "الحب عزم يلازم كياننا و
يصل حاضرنا بماضي الأجيال و مستقبلها"

و مرت امرأة كئيبة العينين و قالت متنهدة
"الحب سم قتال تتنفسه الأفاعي السوداء
المتقلبة في كهوف الجحيم فيسيل منتشراً
في الفضاء ثم يهبط مغلفاً بقطرات الندى
فترشفه الأرواح الظامئة فتسكر دقيقة ثم
تصحو عاماً ثم تموت دهراً"

و مرت صبية موردة الوجنتين و قالت
مبتسمة "الحب كوثر تسكبه عرائس
الفجر في الأرواح القوية فيجعلها
تتعالى متجمدة أمام كواكب الليل
و تسبح مترنمة أمام شمس النهار"

و مر رجل ذو ملابس سوداء و لحية
مسترسلة و قد قال عابساً" الحب جهالة
عمياء تبتدئ ببدء الشباب و تنتهي بنهايته"

و مر جل ذو وجه صبيح و ملامح منفرجة
و قال فرحاً" الحب معرفة علوية تنير بصائرنا
فنرى الأشياء كما يراها الآلهة"

و مر أعمى يجس الأرض بعكازه و قال منتحباً
"الحب ضباب كثيف يكتنف النفس من كل ناحية
و يحجب عنها رسم الوجود أو يجعلها لا ترى سوى
أشباح ميولها المرتعشة بين الصخور و لا تسمع غير
صدى صراخها اتياً من خلايا الوادي"

و مر طفل ابن خمس و هتف ضاحكاً بطفولية
" الحب أبي و الحب أمي و لا يعرف الحب سوى
أبي و أمي"

و انقضى النهار و الناس يمرون أمام الهيكل و كل
يصور نفسه متكلماً عن الحب و يبوح بأمانيه
معلناً سر الحياة.

و لما جاء المساء و سكنت حركة العابرين سمعت
صوتاً ندياً من خلفي يقول "الحب نصفان : نصف
متجلد و نصف ملتهب، و الحب هو الحب و ما
حبي إلا أنت يا لهيب الأحلام"

و عندما ناظرت قائل المقولة كان هذا أنت.
كنت كنجمة لامعة أغدقت سمائي بلمعانها.
بخصلات آثمات و عيون كاشفة تدور بقلبي
في عين الظلام.

و يسألوني لما أحببت!
و لا يسألوني من أحببت!

و كم نجماً لماعاً أنرت به سماء
درب ملوث بحبر قاتم السواد.
أيا فتيلاً لاهباً أشعل ثناياي.
و كم أحبك يا مُقلة الحياة.

كنت نجماً أنار بـ ناظري خلف
سماء ليل منبسطاً! كنت أملي
الوقاد و شعلتي الملتهبة.

و ما إن غبت، غابت الأماني
و غابت الأحلام و غابت معهم
نجوم السماء.

فـ غاب نجمي و غابت معه
كل نجوم الحياة.





َ★ِ

فـَ غَابَت نُجُومُنا ت.ك.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن