الفصل 6

959 69 0
                                    



غادرت الشركة مقررة السير حتى منزلها كما أعتادت أن تفعل مع صديقة عمرها ماري ؛ لكن هذه المرة تختلف فهي ستعتاد منذ الآن على السير وحيدة ؛ فقد حدد شريف موعد زواجهما بعد أن شعر بإبتعادها عنه خوفاً من أن يخسرها فهو في النهاية يعشقها فأصر أن ينصرفا مبكراً من العمل حتى يرتب الأمور ، كم من الرائع أن تجد شخصاً يخاف أن يخسرك ... يخاف أن يستيقظ ولا يجدك بجواره ... هل سأجد من يعشقني لدرجة الجنون لدرجة ، أن يفعل ما لم يتوقع فعله في يوم من الأيام لأجلي ؟ ... هكذا حدثت ميرنا نفسها ظلت تفكر وتحلم وتتخيل ما يمكن أن يفعله فارسها من أجلها.
فجأة شعرت بيد تمتد لتمسكها من ذراعها ، إلتفتت في فزع وهي ترفع يدها إستعداد لصفع ذلك الوقح فمن ذاك الذي يتجرأ على لمسها وإمساكها بهذه الطريقة ! ....
رفع رامي يديه أمام وجهه قائلاً بطريقة مسرحية: خلاص يا بيه سماح يا بيه مش هاعملها تاني يا بيه قلبك أبيض يا بيه
لم تستطع منع ضحكاتها وبعد أن هدأت قليلاً وجدته يحملق بها بشدة فتعجبت ، قبل أن تسأله عما به بادرها قائلاً بابتسامة ساحرة: ضحكتك حلوة أوي يا بيه
شعرت بالخجل الذي لو تشعر به في حياتها إلا معه فتابع مستفسراً: أومال فين صحبتك؟
سألته بضيق: وأنت عايزها ف إيه ؟
أجابها مستغرباً: مش عايزها ... أنا باسأل بس عشان على طول بأشوفك ماشية معاها بس أنا شايفك دلوقتي ماشية لوحدك
تنهدت بحزن: أه ... أصلهم روحوا بدري عشان شريف كان مستعجل أوي عايز يحدد معاد الفرح بتاعهم مع أهلها ... ماكانش قادر يستنى
سألها بدهشه: وإنتي مالك زعلتي كدا ؟
زفرت بضيق: مافيش
رامي: لا دا فيه ... تعالي نقعد في مكان نشرب حاجه ونتكلم
رفعت نظرها إليه وقالت بترقب: ونقعد ليه ؟
أجابها: عادي يعني ... بدل ما إحنا واقفين في الشارع كدا وعمالين نتكلم عالواقف واللي رايح واللي جاي بيبص علينا
انفجرت فيها قائلة بغضب: نقعد إيه ونتكلم إيه ! .. أنت هتصاحبني ولا إيه؟ ... روح يا عم ربنا يسهلك ! ... دا إيه تلاقيح الجتت دي يا ربي
إلتفتت إليهم نظرات المارة تتابع ما يحدث فأشار لها لكي تهدأ قائلاً بصوت منخفض: يا بنتي إهدي حصل إيه لكل دا ؟
إزداد غضبها وإرتفع صوتها: حصل إيه ؟ .. وهو أنا هاستنى لحد ما أكتر من كدا يحصل !
هنا إقترب منها رجل يبدو عليه الوقار وسألها ناظراً لرامي بشك: في حاجه يا بنتي ؟
كأن تدخل الرجل شجع البقية للتدخل فتقدم مجموعة من الشباب ، قال أحدهم: شكله بيعاكسها ... تعالى إحنا هنعلمك إزاي تعاكس بنات الناس تاني
أمسكه شابان أخران بينما تقدم الأول الذي كان يتحدث وهم بضربه فصرخت به: مين قال إنه بيعاكسني ؟! ... سيبوه سيبوه
إلتفت إليها الرجل متعجباً: مش بيعاكسك ؟ ... أومال كنتي بتزعقيله كدا ليه؟
تردد قائلة: أصل .. أصل .. دا .. دا
أنقذها رامي وقد بدأ في تعديل هندامه: أصلها خطيبتي وزعلانة مني وكنت بأحاول أصالحها
صوبت إلي نظرات الجميع التي تحمل مزيجاً من الحنق والغضب ، سمعت أحد المتفرجين يقول بصوت خافت: أهي دي بنات أخر زمن
ليجيبه أخر: أه والله ... الواد بيعمل اللي عليه وعايز يصالحها وهي كانت هتخليه ياخد علقة سخنة
وجهت نظراتها أرضاً وقد شعرت بالذنب والحنق ، من هم ليحكموا عليها وعلى رد فعلها ! وإن كانت حقاً خطيبته فلما يلقون علي اللوم في غضبي عليه وهم لا يعلمون سبب هذا الغضب ، أخرجها من هذا الموقف قائلاً بعد إمساكه يدها: شكراً يا رجاله
سحبها وانصرف ليدخل بها إلى أحد المطاعم فانصاعت له وجلست دون أن تتفوه بحرف ما زالت لا تستوعب ما حدث منذ دقائق أفاقت على سؤاله: تحبي تاكلي إيه ؟
كأنها كانت تنتظر هذه الكلمة لتعلن الحرب عليه فقالت غاضبة: أنت إزاي تقولهم إني خطيبتك ؟
جال بنظره حولهم قبل أن يعود إليها قائلاً: وطي صوتك ... ولا المرة دي عايزاهم يدبوني بالسكاكين اللي بياكلوا بيها في بطني؟
ابتعلت ريقها بصعوبة بعد أن تذكرت ما حدث فقالت مخفضة صوتها: أنت عايز إيه ؟
أجابها مبتسماً ببراءة: عايز أكل ... تحبي تأكلي إيه ؟
نظرت له بغل فتابع غامزاً إياها: رفضتي تشربي معايا حاجه .. اديها قلبت بأكل .. بس يارب تكون أكلتك خفيفة
سألته بسخرية: ليه ؟ ماعكش فلوس كفاية ولا إيه ؟ ... تحب أسلفك ؟
رامي: لا معايا ما تقلقيش ... بس لو الفلوس هتبقى من إيدك أنا مستعد أخدها وأديكي بدلها المهم أخد اللي لمستها إيدك
قالت متلافية إحراجها: أومال بتتمنى أكلتي تبقى قليلة ليه ؟
مال عليها قائلاً بهمس وإبتسامة دق لها قلبها: عشان ما تاكليش طبق كله وأكل أنا الباقي ... أصلي متأكد إنه هيبقى له طعم تاني خاااااالص
أنقذها قدوم النادل ليأخذ طلبهم ، قام رامي بطلب الطعام على ذوقه الخاص دون إستشارتها ، مما أشعرها بالحنق ولكنها لم تعترض ... دار بينهما الحديث بشكل طبيعي كأن كلاً منهما كان يعرف الأخر منذ زمن بعيد ، لم يشعر أياً منهما بأن الذي يجلس أمامه شخص غريب ، وقبل الأنتهاء من تناول الطعام أمرها بجدية: كفاية كدا
نظرت له مستغربهة: هو إيه اللي كفاية ؟
تناول طبق الطعام الذي تتناول به طعامها ووضعه أمامه قائلاً: كفاية أكل
شرع في تناول ما تبقى بصحنها وهي تنظر له بدهشة ولم تتفوه بكلمهة ، لقد استغربت حالها فمنذ متى تصمت مترقبه الأتي دون محاولة إستعجاله ، بالنهاية أنتهى رامي من الأكل وقد قضى على البقية المتبقية فيه قال ضاحكاً: أظن إحنا عملنا في اللي بيغسل الأطباق جميله لمعت له الطبق أهو
سألته: أنت ليه عملت كدا ؟
أجابها: مش انا قولتلك يا رب تكون أكلتك قليلة ؟ ... فضلت مستني إنك تقولي إنك شبعتي بس مافيش عمالة تاكلي تاكلي ... قولت ألحق أخر حبه بقى
فغرت فمها من الدهشة قائلة: ما كنت طلبت طبق تاني ليك
قال بحنان: بس مش هتكوني إنتي كلتي منه
ساد الصمت لدقائق عدة قبل أن تنهض: أنا لازم أمشي إتاخرت أوي
نهض وبدأ يخرج محفظته ليدفع الحساب قائلاً: طب هأدفع ونمشي
أسرعت قائلة قبل أن تنصرف كالهاربة: لا لا أنا هأروح لوحدي عن إذنك
غادرته بينما ارتسمت إبتسامة واثقة على شفتيه محدثاً نفسه: مش أخر مرة هشوفك يا ميمي.
--------------------
انهت صلاة قيامها فعن عمرو بن العاص قال أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم قال "يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل "وجلست لتتلو بعض أيات القرأن الكريم ، لقد اتخذتها عادة منذ بدأت تقرأ أيات المصحف الكريم في تدبر فقد عاهدت نفسها أن تطبق ما تقرأه حتى لا تكون من الجاهلين ، فلقد قال الله - تعـالى- ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) ، وبينما هي منشغلة في التلاوة دخلت عليها والدتها وجلست بقربها ، فتوقفت عن القراءة وإلتفتت إلى امها قائلة بابتسامة صافية: خير يا ماما
ابتسمت الأم في سعادة : كل خير يا حبيبتي ... فيه ضيوف جايين إنهارده بليل وعايزاكي تجهزي نفسك
تنهدت قائلة: عريس تاني يا ماما ؟
تبرمت الأم قائلة: وماله ياختي ؟ .. ما هو لو كان الأولاني نفع ما كانش هيبقى فيه ولا تاني ولا تالت حتى
ردت هدى: بس أنا هاروح أقابل صحابي إنهارده يا ماما وهأتغدى معاهم
تزمرت الأم قائلة بغضب: صحابك صحابك كل حاجه صحابك! ... جرى إيه يا هدى ! كل ما تخرجي وأقولك على فين تقولي صحابك لما بتتكلمي في التليفون وأقولك مين تقوليلي صحابك ، فيها إيه يعني لما يوم ما تشوفيش فيهم صحابك الدنيا هتتهد مثلاً ؟
تذكرت تلك الأية التي توقفت عندها منذ لحظات "ولا تقل لهما أوفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما " فقالت بطاعة: حاضر يا ماما ... هاكلمهم وأقولهم إني مش هأقدر أقابلهم
ابتسمت لها وقالت بسعادة: ربنا يخليكي ليا يا بنتي يا حبيبتي ... هأسيبك أنا بقى تصبحي على خير يا نور عيني
-وإنتي من أهل الجنة
ابتسمت هدى لذلك التأثير القوي لتلك الكلمة الصغيرة التي لم ترضِ عنها أمها فقط بل أرضت عليها ربها ... رحماك ربي ... كم تعلم ما يؤثر بنفوس الأباء و غيرهم من نفوس البشر.
ألقت نظرة على الساعة فوجدت أنه تبقي عشر دقائق على أذان الفجر ، اتجهت إلى هاتفها كما تفعل كل يوم لتهاتف صديقاتها لتستعد كل واحدة لصلاة الفجر ، دق الهاتف حتى انقطع رنينه ولم يجبها أحد فبدأ القلق يعتمر بصدرها لكن ارتفع رنين هاتفها فأجابت بلهفة: أيوه يا ديما إنتي فين ؟
-هههههه معلش يا دودو بقى ... كنت أنا والبت مريم بنصلي قيام ما عرفتش أرد
تنهدت براحه: الحمدلله ... أنا اتخضيت والله
-هههههه إنتي هتقوليلي ما أنا قومت جري أتصل بيكي قبل ما تتصلي بالنجدة
-يعني أنا شغلت عقلك عن الصلاة وخرجتك منها ؟
-لا لا لا لا يا دودو ... إحنا كنا بنسلم أصلاً ، ما تتخضيش
-الحمدلله والله ما كنت حمل ذنب زي دا
-ربنا يكرمك يا حبيبتي
-طب البنات كلهم صاحيين ؟
-ههههههه طبعاً كل واحدة ادتني التمام
-طب الحمدلله ... ما تنسيش الورد بقى يا ديما ماشي ؟ .. وابقي فكريهم
-حاضر من عنيا ... لا تقلقي
-هههههههههه ماشي ... على فكرة يا ديما مش هأعرف أجي إنهارده زي ما اتفقنا
-لييييه يا هدى ؟ ... دا إحنا ما بنصدق نتجمع سوا
-معلش بقى يا ديما ... والله جايلنا ضيوف وما أقدرش أسيب ماما لوحدها ما إنتي عارفة
-خلاص يا حبيبتي أنا هأقولهم ... وسلمي لي على مامتك كتير
-الله يسلمك
بعد أنتهاءها من صلاة الفجر شعرت بالسكينة والراحة ، صحيح هن ليس معها لكي تصلي معهن الفجر جماعة بل في الحقيقة إن كل واحدة تصليها بمفردها ولكن إجتماع قلوبهن على ذلك يبدو كأنهن صلينها في جماعة ، ما أجمل هذا العهد الذي تعاهدن عليه سوياً ، أن لا يضعن يوماً ولا يتقربن به إلى الله ، في البداية اتفقنا على عدم ترك صلاة الفجر ومن تستيقظ أولاً تهاتف الباقيات ليستيقظن ، وتلى ذلك الكثير من الطاعات كتحديد ورد قرأني كل يوم لا ينقطعن عنه أبداً ومهما استبد بهن التعب ، ومن كانت تتقاعس كانت تعاقب بالأستغفار ألف مرة ! ، إنه ليس بعقاب حقيقي ولكنه يفيدها ولا يضرها فلا تفكر بتكررها مرة أخرى وينصرف عنها الشيطان ولا يشعرها بالكسل وتتقاعس عن وردها ، وأيضاً اقتراحت مريم بأن يتصدقن باستمرار ليس فقط بالمال ولكن بالوقت والإبتسامة ، فكلما سنحت لهن الفرصة بدل الإجتماع في منزل ديما ومريم كن يذهبن إلى أحد دور الأيتام ويقضين الوقت في اللعب مع الصغار وزرع البسمة على تلك الوجوه الملائكية ، اتسعت إبتسامتها كثيراً وتعالت ضحكاتها لتذكرها العديد من المواقف بينهن وحين تقابلت لأول مرة بميرنا وماري وكانت تائهة لا تعرف الطريق ولا تعلم من تسأل فتلك كانت المرة الأولى التي تخرج بها بمفردها منذ أنتقالها إلى القاهرة ، توقفت ميرنا وسألتها عما بها وأوصلتها حتى باب المنزل لتتأكد من سلامتها ومنذ ذلك الوقت أصبحت صديقتهما وعرفتها ماري على ديما بينما عرفتهن هي على رنا صديقة دراستها الجامعية كان ذلك منذ عدة سنوات وانضمت لهن مريم فقط منذ ثلاث سنوات !
السعادة التي شعرت بها جعلتها تشعر بنعمة الله عليها وحبه لها فقد أنعم عليها بالصحبة الصالحة المتينة التي تنفع أخرتها ودنياها ، قررت أن تحمد الله على نعمته فأخرجت سبحتها الإلكترونية وضحكت عندما تذكرت ماري وهي توزعها عليهن باللون المفضل لدى كل واحدة وأيضاً حين قالت بحزم: بصوا بقى ... السبحة دي انا جبتها لينا كلنا تمام ؟
ضحكت مريم: يا سلام ؟ ... ليه بقى يا حاجه هههههههههه
ماري بحب: عشان أنتوا نعمة لازم نحمده عليها
رنا بسعاده: الله ... إزاي طيب؟
ماري موضحة: بصوا كل واحدة كل ما تفتكر صحوبيتنا تمسكها وتفضل تحمد ربنا
ديما: والله فكرة ... واللي تمسكها وتذكر ربنا تخلي نيتها إنه الثواب لينا كلنا
هدى متعجبه: إنتي جبتي ليكي إنتي كمان يا ماري ؟
ماري بفخر: طبعاً ... يعني أنتوا أحسن مني ف إيه يعني ؟
ثم أضافت ضاحكة: كان نفسي تشوفوا شكل الراجل لما قولتله عايزة السبح دي هههههههههه كان هيولع فيا بعينيه لما شاف الصليب على إيدي هههههههه
رنا: ليه يعني ؟ ... ما كل واحد حر ... الجهل دا اللي مودينا ورا
ماري بلا مبالاة : سيبك سيبك
ميرنا: ههههههه طب تعالوا نحمد ربنا 100 مرة كبداية على إننا سوا دلوقتي
مريم: ربنا ما يفرقنا عن بعض ابدااااااا
الجميع في نفس واحد وبقلب واحد: أمــــــيـــــــن

أصدقائي قنبلة ذريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن