6

973 29 1
                                    



حَلَ وقت الغداء، اجتمعوا جميعا ليتشاركوا الوجبة، وبعد أن طلب كل فرد منهم ما يريد تناوله جلسوا يتلهون بالحديث حتى يحضر الطعام، يتحدثون في أمورٍ شتى.
وجه أحمد أمره إلى معاونته: بكره الصبح الإجتماع الأول الساعة عشرة، بس من تمانية ياريت تكوني ف الريسبشن؛ عشان هنتفق على حاجات ونظبط شوية ورق قبل الإجتماع
أومأت هند طائعة: حاضر
استفسر أكرم من أخيه: هو الشغل هياخد وقت كتير ؟
هز أحمد كتفيه إشارة إلى عدم معرفته تحديدا: يمكن أه ويمكن لا .. حسب ما نقنعه
تدخلت باريهان فضولا: مع مين الصفقة المرة دي يا أحمد ؟
أجابها بلا إهتمام: مع توفيق السلحدار
أنفجر مصطفى ضاحكا: إيه الاسم دا ؟!، دا من أيام خالته نازلي
غمزه أكرم مذكرا: ما بلاش أنت يا بهيج
نظر إلى فريدة وهو يجيب على صديقه: بهيج بهيج .. أنا حبيت اسمه أوي من ساعة ما عرفت إنه زميل مهنة
تساءلت مرام بعدم فهم: بهيج مين ؟ هو مش اسمك مصطفى؟
أوضح لها أكرم: اسمه مصطفى بهيج
قهقهت مرام: بهيج ؟، بهيج يا راجل
نقل أحمد بصره بين مصطفى ومرام معلقا: توأمك أهو يا مصطفى .. نفس العينة.. اتلموا على بعض بقى وريحونا
اشتعل أكرم غضبا، أغاظه أن يربط شقيقه بين مرام ورجل آخر حتى وإن كان صديقه المقرب، تدخل مظهرا حديثه كأنه دعابة: لا يا عم، إحنا عايزين نقضي ع النسل دا .. مش نزوده
ثارت مرام مدافعة: ليه ماله الهزار ؟، دا حتى المصريين معروفين بخفة دمهم .. إنما أنتوا واخدين الجنسية رخامه وخلاص .. نكد
لوت هند شفتيها استهجانا: يا شيخة اتنيلي، بقى إنتي دمك خفيف ؟؟ أومال اللي دمه تقيل يبقى شكله إيه ؟؟
هتفت بها فريدة: لا لا حرام عليكي يا هند .. مرام دمها خفيف فعلا ما تظلمهاش
تعلقت مرام بذراع شقيقتها: أيوه كدا يا ناصفني
تابعت فريدة كلامها: دمك خفيف لدرجة إنه ما بقاش في دم أصلا
انتفضت مبتعدة عنها بغيظ: بقى كدا .. وأنا اللي قولت إنك هتقفي ف صفي
مازحتها فريدة: أنا لو مكانك أقف ف الصف .. يمكن حد يتبرع بشوية دم ولا حاجه يعوض النقص دا
ضحك مصطفى ثم وجه حديثه لفريدة لائما: ما إنتي طلعتي أهو بتحبي تهزري وتاخدي وتدي ف الكلام، أومال على طول مصدره الوش الخشب ليه ؟
نظرت له نظرة ذات معنى: كل حاجه لوقتها .. ومش بأهزر مع أي حد على فكرة
غمزها مغازلا: يا تقيل أنت يا جامد
همت فريدة بالذهاب وقد أثار حديث مصطفى حفيظتها: لو سمحت احترم نفسك، وياريت تكلمني بأسلوب غير دا
أسرع أحمد يصلح ما أفسده حديث مصطفى المتهور: معلش يا آنسة فريدة، هو مصطفى كدا لما بيفتح ف الهزار مش بيقف
نظر إلى أحمد مغتاظا ثم تحول إلى فريدة ببسمة تأسف: قطر بعيد عنك .. آسف، ممكن تقعدي بقى ؟
حثتها مرام حتى تعاود الجلوس: خلاص يا فريدة أقعدي بقى .. قلبك أبيض
جلست مرة أخرى وتابعوا الحديث والمزاح بينما تتابع فريدة نظرات مرام التي تتعثر فوق وجه أكرم كثيرا، واستطاعت ضبط إحدى نظرات أكرم لشقيقتها، شردت مفكرة فيما يحدث ناسية نظراتها فوق أكرم .. لاحظ مصطفى ذلك فشعر بالغيظ يفتك به والغيرة تنهش أعصابه.
طوال الوقت باريهان صامتة لا تتحدث، لا يعجبها الحديث أو يجذبها لأنه غير متمحور عنها وعن جمالها، حتى أكرم لم يعد مهتما بها منذ فترة لكنها لن تتركه ليس حبا به بل حبا في مكانته ومركزه وتمني العديد من زميلاتها في النادي بالحصول على مثيل له؛ استلذت نظرة الحسد في أعينهن، تذكرت عندما أخبرتها إحداهن وجه الشبه بين وبين الممثل الهندي "شاهد كابور" الذي يخطف أنفاس العديد من المعجبات وقلوب الفتيات.
أثناء إندماج الجميع في أفكاره الخاصة أو الحديث الدائر، أتى فريد ملقيا السلام على الجميع ثم وجه كلامه إلى مرام قائلا بابتسامة: إحنا رايحين نتمشى ف الغردقة شويه تحبي تيجي معانا ؟
تدخل أكرم بسرعة قبل أن تجيب مرام: لا مش هينفع، دي أمانة وما ينفعش نسيبها تخرج معاكوا لوحدها .. إحنا شويه وهنقوم كلنا نتمشى .. ما تتعبش نفسك
خاب أمل فريد: طيب .. أشوفك بعدين يا مرام، سلام
بعدما غادر نظر الجميع إلى أكرم خصوصا باريهان وكانت في أشد حالات غضبها؛ بسبب تدخله في حياة أخرى أمام الجميع بهذا الشكل دون أسباب واضحة، فعلاقته بها لا تصل لتلك الدرجة.
ذهب أحمد لكي يجيب على هاتفه تاركا التوتر يكاد يصرخ محطما صفاء الأجواء، وصل الطعام وتم وضع كل طبق أمام طالبه، لكن كل ذلك لم يؤثر في التوتر المحيط.
ضحكت هند لتقليل التوتر: دا طلع اسمه فريد، مش بيفكرك بحاجه يا فريدة ؟
شاركتها مرام الضحك: أه صح تصدقي ماخدتش بالي
زمت فريدة شفتيها: اتريقوا اتريقوا، ماهو أنا اللي استاهل أني ساكتلكوا
غمزتها هند متعمدة إغاظتها: فريد وفريدة ... كابل رائع هههههههه
لكنها لم تنجح سوى في إغاظة مصطفى وبإمتياز: كابل دمه تقيل .. إيه الحكمة يعني إن إتنين يبقوا بنفس الاسم ؟ .. فين التغيير؟
لاحظت مرام غيرته فتمادت أكثر: لا لا دي هتبقى أحلى كتير .. لو نسيت اسمه تفتكر اسمها وتشيل تاء التأنيث وخلصت المشكلة هههه
قطب مصطفى: لا بردو رخمه أوي الحركة دي
عقب أكرم على تأثره بالحديث: ما تقلقش أوي كدا، دا حتى أنت اسمك مافيش منه مؤنث ريح بالك هههههه
ضربت مرام جبهتها بباطن يدها: أوبـــس، نسيت اسأله عن اسم دلعه يمكن نحل مشكلتك يا فريدة
التفت أكرم إلى مرام بحنق: وإنتي مالك ومال اسم دلعه ؟
أوضحت له: أصل فريدة مش بتحب اسم دلع فيري لإنه شبه مسحوق غسيل المواعين ههههه، فمش عارفين ندلعها .. ففكرت اسأله يمكن يعرف
ضاقت عينا أكرم معلنة الخطر: ليه هو إنتي ناويه تقابليه تاني ولا إيه ؟
نظرت له بجدية: أقابله أو لا .. دي مشكلتي لوحدي وما تخصش حضرتك ف حاجه
غضب أكرم من تصريحها بالحقيقة أمامه بلا تردد: لا يخصني، مادام إنتي عايزه توصلي للي حصل عندي ف المكتب تاني .. يخصني لإني مش كل مرة هأبقى موجود يا .. آنسة
أضاف الكلمة الأخيرة متهكما، جعدت هند جبينها مستفسرة: هو إيه اللي حصل ف المكتب؟
لكزه مصطفى بمرفقه: ما تلم الدور يا عم أكرم .. ما يصحش كدا
نهضت مرام من فوق مقعدها تحاول السيطرة على رغبتها المستمية في البكاء، هتفت به بعصبية شديدة: والله أنا ما طلبتش من حضرتك تدخل ولا تدافع عني
كذلك نهض هو وخاطبها بنفس النبرة: والله لو كنت أعرف إنه عجبك .. كنت سبتكوا تشبعوا ببعض
لم تستطع أن تسيطر على نفسها أكثر، لم تشعر بيدها فيما ترتفع ثم تهوى على وجهه مخلفة أثرا واضحا فوقه ثم ركضت مسرعة إلى حجرتها في حين ألجمته الصدمة لكن فجأة انصرف إلى الخارج مهرولا.
صعدت هند وفريدة خلف مرام، بقيت باريهان جالسة وعلى وجهها ابتسامة سعيدة بما حدث منذ لحظات، عاد أحمد بعدما أنهى إتصاله وتابع مغادرة الجميع للمطعم دون معرفة ما حدث، تعجب وسأل مصطفى: هو حصل إيه ؟
نظر إليه مصطفى رافعا حاجبيه: تصدق إنك رايق، تعالى تعالى أحكيلك؛ لإن أكرم دلوقتي لو روحت وراه هيرد القلم ليا أنا
قطب أحمد نتيجة معرفته لما حدث بدقة: قلم إيه ؟
قهقه مصطفى ناهضا من مقعده، سحبه من ذراعه إلى الخارج: ما أنا بأقولك تعالى أحكيلك
غادرا ليروي له مصطفى ما حدث، تاركين باريهان مع سعادتها تتناول غداءها بشهية لم تكن موجودة عندما كانت الأجواء مملوءة بالمزاح والمرح.
***
كانت ممدة فوق فراشها تخفي رأسها أسفل الوسادة تبكي بحرقة وقد ارتفع صوت نحيبها، جلست هند بجوار قدميها تربت عليها بهدوء وتحاول أن تمتص وجعها، حدثتها بحنان منزعجة من حالتها: خلاص إهدي بقى .. يا فريدة ما تتكلمي، قولي حاجه
لم تجب فريدة وظلت تنظر من أبواب الشرفة المغلقة إلى البحر معقودة الذراعين، توغل في بحار أفكارها غير واعية لمن يتحدث إليها.
وحدت هند ربها وهي تقلب كفيها: أنا هالاقيها منك ولا من اللي مفحوته عياط دي ؟
دق جرس الهاتف الخاص بالحجرة، نهضت هند تجيب عندما لم ترَ بادرة من فريدة بالمناوبة عنها في ذلك حتى، قبل أن ترفع السماعة انتفضت من صراخ مرام: مش عايزه أكلمه، مش عايزه أسمع منه حاجه
هدأتها هند متيقنة من أن المتصل ليس أكرم، يبدو أن شقيقتها نسيت الصفعة التي قد تدفع بأي خيالات عن إتصاله بعيدا: طيب طيب .. إهدي بس
أجابت هند: السلام عليكم .. خير يا أستاذ أحمد
كانت رأس مرام قد خرجت نسبيا من أسفل الوسادة لتستمع إلى الحديث لكنها عاودت دفنها مرة أخرى مكملة النحيب بعدما سمعت أختها تنطق باسم آخر.
استغربت فريدة أن يكون إتصالا من أكرم لكن ما إن علمت أنه أحمد حتى عادت لشرودها ونظرها في إتجاه البحر غير مهتمة بمتابعة الحديث أو معرفة سببه.
ختمت هند حديثها قبل أن تضع السماعة مكانها: طيب.. حاضر.. جايه حالا
عقب إغلاقها الخط وجهت الحديث لكلتا أختيها: أنا مضطرة أنزل عشان في ورق هأظبطه مع الأستاذ أحمد، المعاد أتقدم الصبح ومش عايزني أصحى بدري أوي عشان الشغل، ف هأنزل وأجي
تابعت محدقة في جسد أختها الممدد: تكوني هديتي كدا يا مرمر، هــــا !
وأضافت ملتحقة بجوار فريدة: وإنتي فريدة خلي بالك منها
هزت فريدة رأسها صعودا: روحي إنتي شوفي شغلك وماتقلقيش علينا
غادرت هند مطمأنة إلى حكمة فريدة وأنها ستقدر على إفاقة الأخت الصغرى من حالتها، ألقت نظرة شفقة على حال أختها غير مستوعبة كل ما حدث منذ قليل ثم أغلقت الباب خلفها.
اتجهت فريدة إلى السرير بجوار مرام: هتفضلي تعيطي لحد إمتى ؟ .. اللي حصل حصل خلاص وعياطك مش هيحل حاجه
أجابتها وما تزال مخفية وجهها: أومال عايزاني أعمل إيه يعني؟ هــــــــــــــا؟
عضت فريدة باطن وجنتها وعقدت ذراعيها قبل أن تقول بهدوء: إنتي لما لاقتيه بيتعصب من فريد وحسيتي بشرارة الغيرة زودتيها أكتر، من غير ما تعرفي إنه أصلا مولع مش محتاج ولا نقطة بنزين زيادة
توقفت مرام عن البكاء ورفعت رأسها إلى فريدة، همهمت غير مصدقة: بيغير؟
غمزتها ساخرة: عايزه تقنعيني إنك ما قولتيلوش ما يخصكش بس لمجرد إنك عايزه تسخنيه قدام باريهان عشان يتهور ويقولك بحبك ؟، وإن عصبيتك اللي طلعت فجأة لمجرد إنه أدخل بس مش لإنه ما قالش الكلمة اللي إنتي كنتي تتمني يقولها ؟
جلست مرام قرفصاء فوق سريرها منصتة إلى حديث أختها: وإنتي إيه اللي خلاكي تفكري كدا ؟ و هأستنى منه الكلمة دي ليه ؟
أجابتها ببساطة: عشان إنتي بتحبيه ومستنيه نفس الشعور منه، أومال إنتي ليه أشتغلتي معاه بالرغم إنك مش محتاجه شغل وطول عمرك بتقولي أنا مش هأشتغل أنا هأخلص كلية وأقعد ف البيت، فاكراني عبيطة ومش فاهماكي ؟، أنا فاهمة كل حاجه بس كنت مستنيه إنك إنتي اللي تيجي تحكيلي لكن لما لاقيت إن مافيش فايده حبيت أكلمك أنا يمكن تتشجعي
رمت مرام بنفسها بين أحضان فريدة تبكي: هأقولك على كل حاجه من الأول .. عشان أنا تعبت ومش قادره أخبي أكتر من كدا
هدهدتها فريدة وشجعتها على الحديث: ماحدش قالك خبي .. وأنا عمري ما هأذيكي، أنا خايفه عليكي
بدأت مرام تحكي لفريدة عن مشاعرها لأكرم التي لا تعلم كيف بدأت ولما هو بالأخص لكنها حدثت، وأسباب تقدمها للوظيفة حتى تجعله يشعر بها وتتقرب منه، أخبرتها كذلك أنها تبعث له برسائل وكانت توقع أسفلها باسم "الفتاة المجهولة"؛ كانت تعبر فيها عن كل ما تشعر به تجاهه، لكنه أبدا لم يعلم من تكون ولم يتوقع أنها تلك الفتاة.
حكت لها عما حدث من فرج ورد فعل أكرم وما فعله بذلك الوضيع من ضرب وصولا لطرده من عمله بوعد بعدم الشكوى عليه لدى الشرطة، وكيف جلس بجانبها يعينها على ما حدث ويرشدها بكل هدوء، حبه الذي يزيد كل يوم في قلبها.
بعدما ختمت مرام قصها، علقت فريدة: يـــــــااه، كل دا ف قلبك ومخبيه عليا ؟
مرام بخجل: إنتي عارفه أنا بحبك قد إيه بس الموضوع دا ما قدرتش أفاتحك فيه، عشان عارفه إنك هتقوليلي غلط وما ينفعش .. وإني أطلع الموضوع دا من دماغي
لامتها فريدة بنظراتها أكثر من الكلمات: ما دام عارفه إنه غلط ما بعدتيش عن الغلط ليه يا مرام ؟
دفنت وجهها بين كفيها باكية: والله حاولت، حاولت كتير أنساه .. بس ما عرفتش، حاولت أطلعه من دماغي لاقيته بيدخل فيها أكتر، حاولت ما أفكرش فيه .. بردو ما قدرتش، شغلت نفسي بحاجات كتير، ما نفعش .. صدقيني والله حاولت حاولت
- طب ما طلبتيش من ربنا يخرجه من عقلك وتفكيرك ليه ؟
نظرت مرام إلى يديها في صمت، أكملت فريدة: أقولك أنا ليه .. عشان إنتي من جواكي مش عايزه تخرجيه
رفعت نظرها إليها: إنتي على طول فهماني كدا ؟
لاح شبح ابتسامة على ثغرها: مش أختي ؟ وأنا اللي كنت مكبراكي على إيدي .. بس يظهر إني غلطت غلط كبير
ضمتها مرام بقوة باكية: لا لا لا ما غلطيش .. ما تزعليش مني يا فريدة إنتي أغلى حد عندي
دفعتها قليلا لتستطيع رؤية ملامحها: يعني أغلى من أكرم ؟
جلست باستقامة متنهدة: إنتي حاجه وهو حاجه .. بس أيوه إنتي أغلى منه .. ع الأقل أنا عارفه إنك بتحبيني قد إيه .. بس هو مش عارفه إذا كان بيحبني أصلا ولا ..
ربتت على شعرها بحنان: بيحبك
صدمتها الكلمة: قولتي إيه؟
ابتسمت: قولت بيحبك .. أكرم بيحبك يا مرام
سألتها بسعادة: وإنتي عرفتي منين ؟ هو قالك ؟
هزت رأسها: لا ما قاليش بس لما شوفت نظراتك ليه أما وصلنا وكان خارج مع باريهان عرفت إنك بتحبيه فقررت أتابعه عشان أعرف هو كمان بيحبك ولا لا .. وعرفت إنه بيحبك
نهضت ونسيت كل ما حدث بل وتجمد دمعها على خديها، صارت تقفز في الهواء وتجذب فريدة معها : بيحبني .. يعني بيحبني .. بيحبني
أوقفتها بنظرات صارمة: بس خاطب .. يعني ما ينفعكيش
حزنت ولكن فجأة هتفت بفرحة: بس بيحبني أنا، يبقى مش بيحبها، يبقى أكيد مش هيتجوزها
لوت شفتيها: ليه ؟ ماهو خطبها
أومأت مرام: أيوه خطبها من قبل ما يحبني .. لكن دلوقتي هو بيحبني يبقى هيسيبها أكيد
ثارت على سذاجتها: وإنتي إيش ضمنك إنه هيسيبها ؟ .. طب ليه لحد دلوقتي ما سابهاش ؟، يمكن أصلا مش عارف إذا كان بيحبك ولا لا، مش فاهم مشاعره ناحيتك .. يمكن أنا نفسي غلط وهو مش بيحبك .. ليه تعيشي على حاجه يمكن تحصل ويمكن لا ؟ .. ليه تعيشي على أمل خراب حياة واحدة تانية ؟
انهارت متوجسة: قصدك إيه ؟
أدارات وجهها لتتقابل أعينهما: قصدي إنك تطلعيه من دماغك لإنك لو فضلتي عايشه على حلم إن حياة باريهان تتخرب عشان إنتي تعيشي مبسوطه هتفضلي عايشه مع إحساس بالذنب طول عمرك .. ومش هتتبسطي ف الآخر بردو، فالأحسن .. طلعيه من دماغك
انكست رأسها ودمعاتها تتساقط: مش هأقدر
أمسكتها من ذراعيها وهزتها: لا هتقدري، اعقدي النية على إنك هتنسيه .. هتخلي علاقتك بيه شغل وبس .. علاقة بين دكتور والطالبة بتاعته مش أكتر، وكل ما تحسي إنك ضعفتي افتكري حديث الرسول -صلَّ الله عليه وسلم- "ما ترك عبدُ لله أمرا لا يتركه إلا لله إلا عوضه الله خيرا منه في دينه ودنياه" .. سيبيه عشان ربنا، ولو ليكي نصيب فيه هيجيلك لحد عندك .. أديكي شوفتي فضلتي وراه كتير من رسايل لشغل لأسئلة كل دا ما أداكيش ريق ولا حس بيكي، عمرك فكرتي ليه ؟ .. عشان ربنا مش راضي عن طريقتك، عشان ربنا مش عايزكوا لبعض .. سيبك بقى من البني آدم وروحي للي خلقه .. أدعي وقولي يا رب أرزقني إياه ف الحلال .. في رضاك
ضمتها بقوة: هأعمل كدا وهأرضي ربنا وهأبعد عنه مادام ربنا مش راضي عني كدا، هأعمل كل اللي قولتيه .. ربنا يخليكي ليا يا أحن وأجمل أخت ف الدنيا دي كلها .. بجد يا بخت ولادك بإنك هتكوني أمهم هيكونوا محظوظين أوي
شعرت فريدة أن الحديث أنتهى، فقد اقتنعت شقيقتها، حولت محور الحديث الذي طال: ههههههه طب خدي نفسك الأول، وبطلي بكش بقى وأدخلي أغسلي وشك كويس وأتوضي وصلي .. يمكن تعقلي وتبطلي الجنان دا شويه
قبلتها: أمــــــــووه حاضر، يلا سلامو عليكو بقى، ما أعطلكيش عندي معاد مع ربنا مش عايزه اتأخر
فتحت هند باب الغرفة ودلفت تسمع جملة مرام الأخيرة حركت أصابعها بجانب رأسها في حركة دائرية: يا نهــــار، البت مخها لسع، من شويه مفلوقه عياط ودلوقتي بتهزر، لا حول ولا قوة إلا بالله .. يا مثبت العقل والدين يــــــــــــا رب
قهقهت فريدة: سيبك منها دلوقتي، المهم خلصتي شغلك ؟
أومأت فيما تجلس على أقرب مقعد: أه خلصته .. صحيح أحمد قالي إننا نجهز كلنا عشان هنخرج نتمشي ونشتري حاجات لو عايزين وإحتمال نتعشى برا
- إمممم طيب، هأروح أغير هدومي بقى
- وأنا هادخل أخد شاور
خرجت مرام من الحمام ودخلته هند، أرتدت إسدالها وبدأت في الصلاة خاشعة تدعو خلال سجودها وتطيل فيه أن يجمعها بحبيب قلبها في أقرب وقت بالحلال.
***
توجهت الفتيات إلى استقبال الفندق حيث ينتظرهن البقيةن وأكرم بعدما هدأ وعلم أنه كذلك قد اخطأ كثيرا وباريهان ملتصقة به، التفتت مرام إلى فريدة في المصعد تسألها: وأنا هأعمل إيه بقى لما أشوفه بعد القلم اللي سكعتهوله دا ؟؟
قهقهت هند مصعوقة: هههه سكعتهوله؟! .. يخرب بيت ألفاظك يا شيخة
قطبت مرام: أطلعي إنتي منها بس وهي تعمر
أدارت هند ظهرها: ماشي ياختي، قال سكعتهوله قال
أجابتها فريدة: ولا أكن حصل حاجه
حدقت هند بها غير مصدقة: نعم، دا كل المطعم سمع صوت القلم
هزت فريدة كتفيها: بس هو غلط .. تجاوز حدوده، دا مش من حقه
ابتسمت مرام مستمتعة: أيوه .. يستاهل
وصل المصعد وتوجهن حيث كان يقف الجميع، بعد التحية التي خلت من أي إشارة لما حدث وقت الغداء، غادروا الفندق لمشاهدة الغردقة عن قرب.
تجاهلت مرام وجوده ولم تنظر إليه مما جعله يتعجب من تصرفها؛ لقد أخطأت في حقه ومع ذلك هي من تعامله بجفاء.
أثناء التسوق، أمسكت فريدة أحد التماثيل على شكل فيل هندي، وقف مصطفى جوارها وهمس مازحا: إيه .. المهنة وحشتك أوي كدا ؟
وضعت التمثال مكانه: هاهاهاها خفة
- طول عمري .. أول مرة تعرفي ولا إيه ؟
أمسكت تمثال أكبر مهددة: مصطفى، أمشي من وشي، بدل ما أخبطك بالتمثال دا وأخلص
صاح بسعادة: أخيرا سمعت اسمي من الشفايف العسل دي
استدارت بعيدا عنه وسارت غاضبة بعدما قرعته: احترم نفسك يا أستاذ مصطفى، لأحسن والله ما هيحصل خير وساعتها بقى ما تلومش إلا نفسك
أسرع خلفها وقد شعر بغضبها: خلاص خلاص .. آسف، بس بلاش كلمة أستاذ دي لو سمحتي بليـــز
ضحكت على تصرفاته الطفوليه: خلاص خلاص، أنت هتعملها على نفسك ولا إيه ؟
غمزها مصطفى: ههههههههه ماشي مقبولة منك يا جمــ ....
لم يكمل حيث لاحظ وقوف أحد الأشخاص يتابعهم بغل وحقد واضحين خلف إحدى الشجرات، صرخ هاتفا: هشــــــــــــــاام .. وديني ما أنا سيبك
أسرع يركض خلفه، عندما سمع أحمد وأكرم هتافه نظروا إلى بعضهم البعض قبل أن يركضوا خلفه قال أحمد للفتيات: خليكوا هنا .. هنرجعلكوا
أكملوا اللحاق بمصطفى بينما الفتيات وقفن معا مستغربين ما حدث، غير مصدقين أن هشام هنا معهم، كيف أتى إلى هنا والأهم لماذا ؟
بعد فترة ليست بقصيرة عاد الثلاثة وهم يلهثون من التعب وكثرة الركض الذي ضاع هباء، لم يستطع أحد كسر الصمت فقط ظلوا ينظرون لبعضهم حتى تحدثت مرام متسائلة: مسكتوه ؟
كانت كلمه واحدة ولكنها كفيلة بزرع التوتر أكثر في الجو المحيط بهم، أجاب أكرم: لا ما لحقناهوش، ضاع ف وسط الزحمة
أضاف أحمد: ماكانش لوحده .. كان معاه واحد تاني
تساءلت هند: طب إيه اللي جابه هنا ؟
نظر مصطفى بأعين مليئة بالشرار لفريدة: قصدك جاي ورا مين
لاحظت فريدة نظراته: قصدك إيه ؟
سألها مصطفى بغيرة لكنها رأتها إتهاما: قصدي إيه اللي بينك وبينه يخليه يجي وراكي لحد هنا ويراقبنا من بعيد ؟
ردت فريدة بهدوء استغرب له الجميع؛ فقد توقعوا رد فعل شبيه برد فعل مرام على كلام أكرم الذي يشبه حديث مصطفى الآن كثيرا: لو كان في حاجه بيني وبينه زي ما بتلمح حضرتك كان زماني دلوقتي معاه وبأتمتع بالفلوس اللي سرقها منك، أخرج معاه زي ما أنا عايزه ومش هيهمني أنت ولا غيرك؛ لإنه مافيش حاجه تثبت إني سرقت حاجه، هأقول إني ما أعرفش إن الفلوس مسروقة وخلاص كدا طلعت منها .. ليه بقى ما تقولش إنه جه وراك أنت ؟ .. ياريت ما تلزقهاش فيا
تعجب: ويجي ورايا أنا ليه ؟
ردت بنفس الهدوء: عشان يعرف حركاتك ويستعد لكل خطوة ممكن تعملها ضده .. مشكلتك إنك فاكر كل الناس أغبيه وأنت الذكي اللي فيهم يا أستاذ مصطفى
ضغطت بشدة على أخر كلمتين نطقت بهما، سارت وتركته يقف بالخلف، لحقت بها أشقتها بينما تضايق من نفسه، هي محقة في كل كلمة، كل ما فعله لم يكسبه إلا جعلها تعيد بناء الحواجز بينهما وأولها كلمة "أستاذ" التي عادت تظهر في الأفق.
وضع أحمد يده فوق كتف مصطفى: يلا نلحقهم عشان ما نتوهش من بعض
أومأ مصطفى: يلا
مازحه أكرم: بس تصدق معاها حق هههههههه
مصطفى بغضب مكتوم: ما المشكلة إن معاها حق !
- هههه يا عيني يا عيني
نظر له مستغربا: إيه ؟
فسر أحمد موقف شقيقه: أصلك أول مرة تقول إن في "بنت" معاها حق
غمزه أكرم: لا ما أصلها كدا مش أي بنت يا أبو حميد
حثوا الخطى حتى وصلوا إلى الفتيات، بريهان كانت تقف بالقرب من الشباب لكن عندما لمحت عدم إفتقادهم لها وأن أحدا لم يسأل عنها أدارت ظهرها لهم وقررت إكمال تسوقها.
***
ميناء رُص بمحازاته عدة سفن، أغلبها للسياحة وتوفير وسيلة نقل لمن أراد ممارسة هواية الغوص أو الصيد، كذلك تنظم دورات لتعليم من أراد مزاولة السباحة والغطس تحت الماء.
كانت تحتل أحد الصفوف سفينة ضخمة خُصصت للحفلات التي تُقام في عرض البحر، سطحها كثير الحركة من استعدادات العاملين بها للحفلة المقامة هذا المساء.
البعض يصف المقاعد وأخرين ينظفون سطحها ليصبح لامعا براقا، فيما البعض أنشغل بتجهيز الموسيقى والأغاني كما الطهاة في المطبخ يجهزون أشهى المقبلات.
أما بغرفة في قاع السفينة كان هشام يقوم بتكسير كل ما تقع عليه عيناه ويداه، يُفرغ ما بداخله من غضب وحقد.
تناول سعد من يده كأسا كان على وشك إلقاءه: يا ابني أهدى شويه، مش كدا .. أعصابك
هشام بصراخ: أهدى ؟؟، شوفت قولتلك هيلف يلف عشان يوقعها، أنا عارف دماغه التيت دي .. مش هيسيبها
دهش سعد وسأله بحنق: بقى أنت كل اللي همك البت دي ومش همك إنه كان خلاص هيمسكنا ؟
أمسك هشام بتلابيب قميصه يصرخ به قائلا: ما اسمهاش بت ! .. ماتتكلمش عنها بالطريقة دي .. دي أحسن وأشرف مني ومنك
بادر سعد بإنزال يد صديقه المعلقة بقميصه: خلاص ما اسمهاش بت، أومال أقول عليها إيه ؟
هتف هشام: ما تقولش حاجه، ماتتكلمش عنها أصلا .. دي أنضف من إن سيرتها تيجي على لسان ناس زينا
زم سعد شفتيه الغليظتين: قولتلي بقى ! .. حبيتها إمتى دي يا هشام ؟
شبح ابتسامة يظهر على شفتيه: مش عارف، دي من النوع اللي من أول ما تشوفها وتسمع منها أول كلمه تلاقيها دخلت قلبك من غير ما تستأذن
سرح متذكرا كل المواقف التي حدثت بينهما وابتسامته تتسع تدريجيا حتى افاق على كلام سعد: بس إحنا لازم نختفي من هنا، أكيد هيقلب علينا الغردقة كلها عشان يوصلنا
بتحدي: ولا هيقدر يوصلنا، سيبك أنت .. المهم يلا نروح نشوف صاحبك دا اللي هتموت وتشوفه .. وأنسى الموضوع بتاع سي درش دا لما نشوف أخرته
فكر هشام بأن مكوثه في قاع سفينة بدلا من سطحها سيوفر له الحماية الكافية، لقد ظن أن مصطفى قد نشر اسمه وليس من المستبعد صورته لدى كل من يعرفهم في كل المحافظات لذلك الحيطة كانت واجبة.
أضاف بشيطانه: أعمل حسابك نرجع بدري عشان نشوف المزز اللي هتيجي إنهارده الحفلة اللي فوق، الواحد يفك عن نفسه بالمناظر اللي تشرح القلب
***
وقفوا أمام الاستقبال حتى يحضر لهم الموظف مفاتيح الغرف، قطع الصامت الغائم فوق المكان صوت طفولي يصرخ: كـــــــــــــــرومه
التفت أكرم يرى مصدر الصوت، وجد سيف يركض إليه فاتحا ذراعيه، رفعه وألقاه في الهواء عدة مرات قائلا بسعادة: حبيب كرومه، والله ليك واحشه يا سيفو
سمع صوت أنثوي رقيق يعاتبه: هو لوحده بردو يا أكرم ؟
ترك أكرم الصغير وأتجه لوالدته يضمها بشدة: وحشتيني يا نادو
صار عقل مرام على أتم الاستعداد للطيران، كزت على أسنانها حانقة: يعني أخلص من خطيبته ست باريهان، تطلعلي الحاجة أم الواد ؟، إيه هتطلع متجوز كمان يا أكرم، حرام عليك اللي بتعمله فيا دا يا أخي
اقترب أحمد من زوجين يسلم عليهما بالترتيب: أهلا يا بابا، أزيك يا ماما ؟
ربتت صابرين على وجهه: الحمدلله يا حبيبي
شد والده ياسين على يده: أنت أخبارك إيه يا أبو حميد ؟
تقدم أحمد ليعرف البقية عليهم: ماما صابرين وبابا ياسين ودي أختي ندى ودا ابنها الأستاذ سيف و ... إلا صحيح هو فين آدم ؟
أخبرته ندى: آدم جاله تليفون وبيرد عليه
أومأ أحمد متابعا: دي الآنسة هند سكرتيرتي وأختها الآنسة مرام وأختها الآنسة فريدة، وطبعا درش غني عن التعريف
نظرت ندى بتدقيق إلى وجه هند قائلة بتردد: أنا أعرفك صح ؟ .. لتكوني .. هند! .. هند عبدالرحمن المهدي
هند بدهشة: إيه دا ؟ .. ندى ياسين السويفي! .. إزاي ماخدتش بالي ؟
ضمت الفتاتان بعضهما وسط دهشة الجميع ما عدا فريدة فقد تذكرت الفتاة المرحة ندى التي كانت تأتي لزيارتهم باستمرار، وقد قامت صداقة بينها وبين ندى أكثر من التي كانت بينها وبين هند.
شدت ندى في عناقها: وحشتيني مــــوت يا مضروبه
ضربتها هند ضربة خفيفة: هههههههه وإنتي أكتر يا أم لسان طويل، مش هيقصر أبدا
قهقهت ندى: لا بينكمش بالبروره ويتمدد بالحرارة
-ههههههه تصدقي إنك جزمه
نظرت ندى خلف هند ثم هتفت: فريدة !، فارودتي حبيبتي
ضمت فريدة ندى كما فعلت منذ لحظات مع هند: وحشتيني يا بت، وحشتني القاعدة معاكوا يا بنات
التفت ندى لمرام باسمة: إنتي أكيد مش هتفتكريني يا مرام، كنتي لسه ف إبتدائي لما كنا أنا وهند ف إعدادي ومتصاحبين أوي على بعض
تنحنح مصطفى: إحم إحم .. إيه يا نادو هتسبينا كدا مش فاهمين إيه اللي بيحصل وتفضلي ترغي كدا كتير
ضحكت ندى: يا شيخ إتلهي، قال وأنت اللي بتتكلم عن الرغي دا لو شافوا المهنة ف البطاقة هنلاقيها بلياتشو
ضحك مصطفى على مزاحها: مقبولة منك يا نادو
استفسرت صابرين: إيه الحكاية يا ندى .. إنتي تعرفيهم ؟
همت ندى بالحديث عندما قاطعها أكرم قائلا: أنا بأقول نكمل كلامنا ع العشا؛ لإننا كنا بنلف ف الغردقة وواقعين م الجوع وأكيد أنتوا جوعتوا بعد السفرة الطويلة دي
شد سيف يديه حول رقبة أكرم: أه يا كرومة أنا جعان أوي
نبهت ندى طفلها: مش قولنا اسمه أنكل أكرم، إيه كرومه دي ؟
أبعدها أكرم جانبا: مالكيش دخل إنتي، أنا متفق معاه على كدا
أخرج سيف لسانه لها: أيوه إحنا متفقين
ضحكوا على سيف ومفاجأته لهم المستمرة، توجهوا إلى مطعم الفندق ليتناولوا العشاء سويا فيما تحكي ندى قصة معرفتها بالفتيات وسر صداقتها مع هند، لكن والدي أحمد أعتذروا عن ذلك فمن عادة والده أن ينام دون عشاء بناء على أوامر الطبيب وشاركته زوجته تلك العادة.
حث أحمد شقيقته على الحديث: يلا يا ندى، أحكي تعرفيهم منين ؟
غمزته ندى: ههههه أنت بقيت منهم ولا إيه يا أبو حميد
نظر لهند معلقا: مش لازم أعرف إنتي تعرفي سكيرتيرتي منين ؟
قطبت ندى فجأة: صحيح إنتي سكرتيرته من إمتى ؟
منع هند من الإجابة: قولي الحكاية وبعدين نقولك إحنا الحكاية
استسلمت ندى وهزت كتفيها: حاضر كل الحكاية إني كنت أعرف هند من إعدادي، كنت داخله إمتحان العربي وبأعيط أوي عشان كان في درس نصوص نسيت أحفظه .. وسمعت الصبح من البنات إنه درس مهم وهيجي منه أكيد جزء تسميع ف الإمتحان، بس يا سيدي قوم إيه بقى ؟ .. قوم تيجي هند تطبطب عليا وتهديني وتقولي أنا هأحفظهولك وكان باقي على الوقت نص ساعة ويبدأ الإمتحان .. بس قعدت حفظتهولي زي الأغنية بالظبط .. وجه فعلا ف الإمتحان وبقينا صحاب من ساعتها جدا
ابتسمت هند للذكرى: إنتي اللي كنتي نبيهة ف حفظتيه بسرعة
بابتسامة هادئة ماتزال تحمل الكثير من الإمتنان والعرفان بالجميل: ومن غيرك ما كنتش هأفوق وكنت هأفضل أعيط لحد ما الإمتحان يبدأ
ركز أحمد نظراته فوق هند: هي هند طول عمرها كدا .. متواضعة
خجلت هند من كلام أحمد أكثر من مدح شقيقته، قاطعهم مصطفى وقد ضاق صبره: ممكن كفايه قصايد الشعر دي ف هند، هي ممتازة أنا عارف بس المهم .. أتعرفتي على فريدة إزاي؟
قهقهت ندى: فريدة دي حكاية .. دي الأخت الكبيرة والأم الحنونة والصديقة الصدوقة .. بجد طول عمري بأحسد هند على فريدة، لما كنت بأزور هند ف البيت اتعرفت على فريدة وبقت صحبتي خصوصا لما كانت تحس بزعلي، هي بتحس بكل اللي حواليها واللي بتحبهم خصوصا على طول بتخفف عن الواحد .. لما كنت ف المستشفى ساعة ما كسرت رجلي وجت هي وهند .. قعدت تكلمني وتضحكني كتير هونت عليا، لكن هند طول عمرها جد بتفكرني بيك يا أحمد نفس الطباع سبحان الله
أحرجت هند من كلامها وتلميحاتها غير المقصودة، نظرت لأحمد لترى رد فعله فوجدته يعمق النظر بها فازداد إحمرار وجنتيها ثم نظرت لأسفل متجنبة نظراته النفاذة.
اتهمها مصطفى: ههههههه يعني دمك خفيف أهو .. تقل الدم دا ليا أنا بس ولا إيه؟ .. منتج خاص لعميل خاص ؟
أوضحت ندى طبيعة فريدة: لا، أصل فريدة مش بتتعامل براحه وتبقى على طبيعتها مع أي حد لازم يكون حد تعرفه أوي، الحادثة دي كانت بعد ما عرفت هند بسنتين أصلا هههه
شعر مصطفى براحة: ههههههه طب الحمدلله العيب ما طلعش مني
أعاد نظره لفريدة فوجد عيونها تحمل نظرة تذكره بما حدث منذ قليل وأنها لم تنسَ إتهاماته إليها بعد مما جعله يخفض رأسه.
استفسر أكرم عن من يخصه أمرها: وتعرفي مرام زي هند وفريدة كدا ؟
نظرت ندى إلى مرام: لا مرام دي دماغ لوحدها .. تلعب معاها تيجي جري لكن وقت المذاكرة بقى الدنيا بتقوم وما تقعدش .. كانت بتطلع عينينا لما بنقعد نذاكرلها ههههههه
علق أكرم فيما عينيه تتجولان فوق قائمة الطعام: أه طول عمرها متعبة
ثبتت مرام نظراها فوق الطاولة ولم ترفعه إليه فيما كانت دماؤها تغلي غيظا، زاد هدوءها من ضيق أكرم؛ فلم يعتد ذلك منها، لا يعلم أنها كنت سترد عليه وبشده لكنها تذكرت الآية التي قد ذكرها بها "والكاظمين الغيظ"، لقد أنجته من نيران غضبها.
جاء آدم معتذرا عن تأخره بأنها حالة كان يتابعها، كانت تريد استشارة سريعة، كرر اعتذاراته: معلش أعذروني، بجد أسف
مازحه مصطفى ضاحكا: خلاص يا عم إيه كل الإعتذرات دي .. عرفنا أنك حد مهم
أجابه آدم بجدية: حقك عليا يا عم
بُهت مصطفى: أنت أخدتها على أعصابك كدا ليه ؟ .. بأهزر معاك يا جدع
أطلعه آدم بعصبية: وأنا ما بأحبش الهزار دا
ثار مصطفى للهجة آدم في الحديث إليه: خلاص يا سيدي مش هنهزر معاك تاني، يعني أنا اللي هأموت على هزارك
- أحسن بردو
عاتبت ندى زوجها: في إيه يا آدم ؟، مش كدا، دا مش أسلوب
ثم تابعت ناظرة إلى مصطفى: معلش هو مش قصده حاجه بس تلاقي الحالة اللي جاتله وترت أعصابه شويه
زادت عصبية آدم: أنا مش طفل صغير يا هانم عشان تدافعي عني .. أنا راجل ملوي هدومي وعارف أنا بأقول إيه كويس
نهض سيف من مكانه وركض مغادرا المطعم بل الفندق بأكمله وهو يبكي من صراخ والده على أمه لحقت به مرام حيث كانت أول من لاحظ مغادرته.
عاد أحمد بنظره إليهما بعد أن أطمأن على ذهاب مرام خلف الصغير، صاح بهما: في إيه مش كدا، لو ناسي يا آدم إننا ف مكان عام .. ياريت ما تنساش إن دا طفل وبيحس بالتوتر وبيخاف من اللي بيحصل حواليه، خصوصا لو شاف أبوه بيزعق لمامته
سقطت رأس آدم بين كتفيه: آسف .. مش هتتكرر تاني
أنطلق أكرم يتبع الصغير بينما نهضت هند متحججة بالذهاب للنوم؛ حتى تستعد لعملها في اليوم التالي ومعها فريدة التي مالت تهمس في أذن ندى: لما تحتاجي تفضفضي وتحكي لحد هتلاقيني موجودة
عبرت ندى عن إمتنانها: ماشي .. بكره نتكلم عشان دلوقتي هأروح أشوف سيف
ابتسمت فريدة متفهمة: وأنا قولتلك ف الوقت اللي يريحك
كان مصطفى يتابع ذلك الحوار الهامس فرغم إنخفاض الصوت إلا أن أذنيه استطاعت إلتقاطه، نظر لفريدة بعتاب يحدثها سرا، ومتى تستمعيني لي ودقات قلبي ؟ متى تتركيني أضع رأسي لأريحه فوق كتفك، متى تسمحين لي أن أشعر بحرارة حبك وحنان ضمك ؟
***
ركضت مرام خلف سيف حتى تقطعت أنفاسها، نادته لعله يتوقف قليلا: سيف .. سيف استنى
توقف سيف ينظر لها من بين دموعه، فرغم كل شئ لم ينسَ ما علمته والدته من آداب احترام الأكبر سنا ومقاما: نعم ؟
نزلت لمستواه وجلست على ركبتيها ثم وضعت يدها على كتفه: أنت زعلان ؟
أومأ بحزن: أيوه
سألته فيما تربت على رأسه بحنان: طب تحب نقعد ع البحر شويه ؟
- ماسي
ابتسمت مرام بشدة: يا خراشي على ماسي دي .. زي العسل
بدأ يبتسم قليلا، جلست على الرمال إلى جواره وظلت تحادثه وتمازحه حتى علت ضحكاته وألقى حزنه بين ملح الماء.
كان أكرم قد خرج للبحث عنه لكنه لم يعثر عليه حتى سمع صوت ضحكه ذهب بإتجاه الصوت ورأها كيف تحادثه وتنسيه حزنه.
شعر أن هناك ما ينقصه منذ توقفت عن الحديث إليه والجدال معه، أحس بالحسد يملئ قلبه تجاه سيف؛ فهو يتمتع بمداعبتها ويرى ضحكتها بكل راحة دون أي تحفظ منها فيما تحاول إثارة غضبه بشتى الطرق وأفظعها.
سألها سيف: إنتي اسمك معناه إيه ؟
أجابه وقد اقترب منهما: معناه المطلب أو الهدف
استغربته: وأنت عرفت منين ؟ .. تقريبا ماحدش يعرف معنى الاسم دا
هز أكرم كتفيه: باقرا عن معاني الأسماء، كل ما أقابل اسم مش عارف معناه بأدور عليه
قبضت على حفنة من الرمال وأدعت أن سؤالها سؤال عرضي ولا يحمل ذرة فضول: ومين بقى أول مرام عرفتها ؟
بحث عن عينيها قبل أن يجيبها: مافيش غيرك
ارتبكت من نظرته التي قابلتها فور رفعها رأسها إليه حتى تتأكد من صدقه، تذكرت كلام فريدة فنهضت من مكانها وأخذت بيد سيف لكي ينهض أيضا.
تزمر الصغير: إيه دا .. إحنا هنرجع الفندق دوقتي ؟
حاولت إرضاءه: معلش بقى يا سيف؛ أنا عايزه أنام أنت معاد نومك جه
تناول منها أكرم مسئولية ابن أخته: ممكن تروحي إنتي وأنا هأخلي بالي منه
هزت رأسها موافقة: طيب، تصبحوا على خير
ابتسم أكرم: وإنتي من أهله
هز سيف يده مودعا: وإنتي من أهل الجنة
توقفت ونظرت إلى سيف مصعوقة: أنت جبتها منين الجملة دي ؟
رفع سيف رأسه بفخر: مامي بتقولهالي على طول .. أتعلمتها من واحدة صحبتها
ضحكت مرام: أكيد صحبتها دي فريدة
تعجب أكرم: أشمعنه ؟
فسرت مرام: ههههههه أصل دي الجملة اللي بتقولها فريدة على طول
أكرم: أهـــــــــــا
تابعت مرام إبتعادها: يلا عن إذنكوا، سلام يا سيف
ردد سيف وهو يلوح بيده الصغيرة: سلام يا مرام
أنخفض أكرم ليحمل سيف ويرفعه فوق أكتافه: يلا نروح إحنا كمان ننام .. ولا إيه رأيك يا عم سيفو ؟
تمسك سيف بخصلات شعر خاله: يلا
جعد أكرم وجهه متوجعا ورفع نظره قليلا لسيف معاتبا فيما يدفع يده بعيدا عن رأسه: يا بني دا شعري مش زرع الأرض .. خف إيدك شويه يا عم سيف، تلاقي مامتك موصياك عليا
أرخى يده من فوق شعر خاله لتلتف حول عنقه بقوة، تمنى لو كممه أحد قبل أن يرفض تشبث سيف بشعره فقد أصبح يختنق ولا يجد شهيقه منفذا للدخول إلى رئتيه.
***
ضربت كومة الملفات بيدها على الطاولة عدة مرات لتتساوى وتصبح على نفس الاستقامة، راقبها أحمد من خلال فتحة الباب النسيبة باسما، أخفى ابتسامته سريعا

أنا وأنتِ يساويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن