الجُزء السابِع عَشر

3.1K 236 93
                                    



" إبقى هُنا "
إنتظرني بثباتٍ و صبرٍ ثقيل، عُد بعيناكَ سُحبًا حتى تتراكم كِثرتها تحت أجفانِك، دَندن لحنًا، إخلق لُغةً، أعمِر ألمًا!

إنقبضَ قلبي في آنٍ غير محسوب يجعلُني أتمسكُ برسغهِ بكل هلعي، كان الصوت من خَلفي يتعالى، مُهيبٌ و إن أغَرق بعُذوبته بَحرًا، جاهرةٌ صارخةٌ وطئتهُ على أُذني.. مهولٌ كيف يحصُل! مهولةٌ برمادية مذاقِها تلك الذكريات، مُرةٌ.. بل دون طَعمٍ أو مذاق. غريبٌ قلقي و تشبُثي، غريبٌ تمسُكي بنحُول يدكَ بكل حِرصٍ يفتكُ أماني، بكل إستماتة إطمئنانٍ تؤجج رَيبتي!

كيف أكون شجرًا مُشتعلًا لا يبتغي لورقهِ أن يحترِق؟ رَعدًا كاسرًا يتحاشى إبيضاض السُحب، كيف لا يمسُكَ سوءٌ أو وجع و أنتَ في روحٍ كروحي؟ كيف أُنقِذُك.. و أُنقذ ذاتي بكَ أو معك؟ كيف لا يُبكيني الهَلع! كيف لا يُرجف فاهي كبح الدَمار و تراكُم الرماد و الفَجع! كيف و شَخصي من لُبهِ مثقوب، كيف و حُبي مبذولٌ مُستسلمٌ يائس.. كيف يا كل المرارات سأحيى، كيف سأشيب في كوخ وحدةٍ يتهالك، و أُعانقَ ظِلي، و صورتك، و صوتكَ في رأسي.

تعبتُ و كم يبدو قول هذا سَخيفًا الآن؟

تعبتُ و كم أن الحُب أضناني، و أوحشَني، و أحيانّي، و رسمَ طُرقي و كل أصغَر أصغَر أحياني.

إبتعدتُ عنهُ ببطئٍ جرجرتُ بهِ مُحاولاتي و كتمتُ بماء حُزني فيضان القَلق، أُسكتهُ في جوفي قليلًا، لئلا يرسُم قُبحًا و يُجسدَ هيأتهُ على عيناي، فأُخيب آمالهُ و أُحبطَ صدره و لا أكونُ له -أبدًا- شيئًا يستحِق. كانت نظرتهُ مُنذ ثوانٍ غريبةً بشكلٍ كونَ التساؤلات في عقلي رُغم كُل ما كان فيهِ من صراع، كان مُستغربًا، متسائلًا، أم قلِقًا؟ و لم أكُن أعلَم في نَفسي حتى حينها، أني و رُغم ذلك القُرب الشديد لن اقرأك، رُغم أنفاسكَ الغير مُستقرةٍ المتهاوية في فمي، و سُخونة جلدك على جلدي، لن أعرِفك، لن أُبصِرك، و بكل البؤس لن آخُذَك.

تَعالى صوتُ الألحان في أُذني كلما أقتربت من تلك الحُجرة البعيدة أكثر، مقطوعةٌ أعلمُها، و أحفظُها عن ظهر قَلب، تُعيد ألى رأسي كثيرًا، و تعصفُ في نفسي بأيامٍ ثلجيةٍ لا تُعد، ببردٍ قارص! أحسستُ بهِ لأول مرةٍ كيف للجليد أن يخرُم مَسمعك من صوت، كيف لسيل كل هذهِ المشاعِر التي كانت مُنذ قليلٍ تنتابُني، أن تتبخرَ و تتطايرَ بصَمتٍ مع الريح، ببلادةٍ تُعيد كرتها و تتلبسُني، و صرامةٍ تستخفُ بكل موجود.

" ذلك كان مُقرفًا حَد إقشعرار البَدن "
تحدثتُ بإستعلاءٍ معهود تخرمُ رائحتهُ أنفي بعد أن إنتهى من معزوفتهِ و توقَفت أصابعهُ عن إستطعام المُوسيقى بضغطاتٍ عشوائية تلتبسُ الأبيض و الأسود، لم يُطل إنتهاء هذا سِوى عَشر ثوانٍ حسبتُها مُنذ دخولي و ذلك - قليلًا جدًا- نفسَ صدري.

VK| مَشهدٌ مِن نافِذةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن