حكمة أهديها لكم

33 2 0
                                    

في مدينة أوروبية كنت أقف منتظراً دوري أمام شباك التذاكر لأشتري بطاقة سفر بالحافلة إلى مدينة تبعد حوالي 330 كم.

وكانت أمامي سيدة ستينية تحول بيني وبين شباك التذاكر وطال حديثها مع الموظفة التي قالت لها في النهاية: الناس ينتظرون، أرجوكِ تنحّي جانباً !

فابتعدت المرأة خطوة واحدة لتفسح لي المجال، وقبل أن أشتري بطاقتي سألت الموظفة عن المشكلة، فقالت لي بأن هذه المرأة معها ثمن بطاقة السفر وليس معها يورو واحد قيمة بطاقة دخول المحطة، وتريد أن تنتظر الحافلة خارج المحطة وهذا ممنوع.

قلتُ لها: هذا يورو وأعطها البطاقة، وتراجعتُ قليلاً وأعطيتُ السيدة مجالاً لتعود إلى دورها بعد أن نادتها الموظفة مجدداً.

اشترت السيدة بطاقتها ووقفت جانباً وكأنها تنتظرني، فتوقعت أنها تريد أن تشكرني، إلا أنها لم تفعل، بل انتظرتْ لتطمئن إلى أنني اشتريت بطاقتي وسأتوجه إلى المحطة لركوب الحافله، وقالت لي بصيغة الأمر:

احمل هذه... وأشارت إلى حقيبتها.
كان الأمر غريباً جداً بالنسبة لي، فهؤلاء الناس الذين يتعاملون بلباقة ليس لها مثيل، كيف تتعامل معي هذه السيده بهذه الطريقة.

أنا بدوري وبدون تفكير حملت لها حقيبتها واتجهنا سوية إلى الحافلة. ومن الطبيعي أن يكون مقعدي بجانبها لأنها كانت قبلي تماماً في الدور. حاولت أن أجلس من جهة النافذة لأستمتع بمنظر تساقط الثلج الذي بدأ منذ ساعة وكأنه يقول وهو يمحو جميع ألوان الطبيعة معلناً بصمته الشديد: أنا الذي آتي لكم بالخير وأنا من يحق له السيادة الآن.

لكن السيدة منعتني من الجلوس بجانب النافذه وجلستْ هي من جهة النافذة دون أن تنطق بحرف واحد. فرحتُ أنظر أمامي ولا أعيرها اهتماماً، إلى أن التفتتْ إلي تنظر في وجهي وتحدق فيه، وطالت التفاتتها نحوي دون أن تنطق ببنت شفة وأنا أنظر أمامي، حتى إنني بدأت أتضايق من نظراتها التي لا أراها لكنني أشعر بها فالتفتُ إليها.

عندها تبسمتْ قائلة: كنت أختبر مدى صبرك وتحملك !
صبري على ماذا ؟

على قلة ذوقي، أعرفُ تماماً بماذا كنتَ تفكر.
قلت لها: لا أظنك تعرفين بما كنت أفكر، وليس مهماً أن تعرفي !

قالت: حسناً، سأقول لك لاحقاً، لكن بالي مشغولٌ الآن بكيف سأرد لك الدين.

قلت لها: الأمر لا يستحق، لا تشغلي بالك.
قالت: عندي حاجة سأبيعها الآن وسأرد لك اليورو، فهل تشتريها أم أعرضها على غيرك ؟

قلت : هل تريدين أن أشتريها قبل أن أعرف ما هي؟
قالت : إنها حكمة، أعطني يورو واحداً لأعطيك الحكمة.

قلت لها: وهل ستعيدين لي اليورو إن لم تعجبني الحكمة؟
قالت: لا.. فالكلام بعد أن تسمعه لا أستطيع استرجاعه، ثم إن اليورو الواحد يلزمني لأنني أريد أن أرد به دَيني.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Dec 31, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

دقيقة واحدة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن