عدت لمقعدي. لقد كان هناك على الخشبة المنشطُ، وشخص آخر لم أتبينه حتى جلست واستيقظت من تأثير ذلك العزف. أظنه هو هذا الشخص الذي تحدثت عن آندريا: الموسيقي هاري نِيكـ...مهلًا..
استقمت في وضعيتي، أحدق فيه. رفعت يدي اليمنى، ولمست بها شفتي السفلى، وكنت كُلِّي أرتجف، أتنفس بصعوبة، وأصغي إلى كل كلمة يقول:
- .. التشيلو ليس آلة موسيقية فحسب، إنها جسم حي. حين أعزِف، وأشعر بذلك الجسم بين ذراعي، في حضني، ذلك يُحسني بطمأنينة وصفو، بأني كـامِل. إن تلك اللذة في العزف، وفي سماع كل ما يعزفه المرء، لَيَنُم عن جمالٍ ساحر، جمال يجب أن يتذوقه العالم بأكمله..
- تتذكرين إذن؟
ببطء إذ أني لم أستطع تحويل نظري عن الخشبة، نظرت إلى مصدر الصوت بجانبي وأجبت بتردد:
- جوش.. أتعرِفه؟
- أنا من أرسلته ذلك اليوم مكاني لأني كنت مريضًا. ولأن تلك الطريقة التي امتحنك فيها كانت خاصة به لم أستطع أن أقول لك شيئًا آنذاك..
أعمالي، وجهودي، كل شيء كان فقط من أجل أن يراني.. ربما في التلفاز يومًا ما حين يتناول العشاء، أو في مقال على جريدة الصباح.. ويتعرف علي.. لكن.. لكن ها هو. لقد كان يعرفني.. يعرفني طيلة الوقت.. ما أنا فاعِلة؟ كنت أنتظره.. كنت أنتظره.. ما الذي كنت أنتظر؟
شعرت بخَمولٍ مفاجِئ، ومتجاهلةًً جوش، نهضت بِنية الخروج من ذلك المكان، من تلك المدينة، من الوطن، من الحياة والهروب من كل شيء. اجتزت الباب المؤدي للحديقة الأمامية كي تضربني رياحٌ ثلجية متجمدة، فتراجعت بكل هدوء أمنع نفسي من البكاء عبر محاولات التنفس بعمق، وحدي في البهو الصغير الدافئ ذاك. فجأة، تملكني الغضب، وقررت أن أخرج من هنا مهما تكلفني الأمر.
لكن يداً ضخمة قد أمسكت رسغي من الوراء، فنظرت ورائي كي تجذبني اليد نفسها إلى حضنٍ قوي. لقد كانت وجنتي متلامسةً مع خصلاتٍ صفراء باهِتة، وصوته الهامس: "أنا آسف"، جعلاني أعرف جيدًا أنه هو. إنه هو.. انفجرت بالبكاء، وأنا أردد:" ظننت أنك مت..".
جذبته نحوي كي أحضنه بقوة أكبرَ، وكان العالم كله، الوطن، المدينة، وهذا المكان، قد اختفى، ولم يبق غيرَنا. مسح دموعي، وابتسم، فابتسمتُ بِدوري غير مصدقة أنني أنظر إلى هتان العينان أخيرًا. تكلم قائلًا ضاحكًا بِخفة:
- ظننتِ أني مت؟
- أو.. أنك قد سافرت خارج البلاد..
- لقد كنت دائمًا بِجانبك، أشاهدك تحققين نجاحاتٍ عظيمة كما يليق بِك..
- لماذا لم تأتِ إلي؟
- جوش صديقي المقرب، ولم أكن لأقدر أن أفعل له أو لك شيئًا سيئًا..
- ما الذي تعنيه؟
- في رحلتك مع جوش، وتداريبك، ما الذي كانت الصحافة ستقول لو رأوكِ معي؟ أن كل إنجازاتك تعزو إلى سلطة جوش أو سلطتي..
- وماذا عن الآن؟ أسترحَلُ ثانيةً؟
- الآن.. لا أهتم.. العالم كله يعترف بِك مُسبقُا عزيزتي..
ابتسمت، وأحسست بحرارةِ الحياء تسود على كل شعور بالبرد. أنا عزيزته.. أخذت يده بين يداي، وقبلتها بكل حب، ثم قربتُ وجهي وانغمس كل منا في قبلة الآخر.. إلى الأبد.
وكم كان الأبد سريع الإتيان، لما أحسسنا بأحدٍ ما يُشاهدنا. لقد كانت تلك آندريا، يدها متشابكة مع يد آليك، يستعدان للخروج.
-النهاية-
لا أصدق أني كتبتها لما تبقت لي عشرة ايام بالضبط للامتحاناتِ.
امنحوها من الحُب ما استطعتُم..
أنت تقرأ
أَجْهَلُ الْجَمَال | PART II
Любовные романыالجزء الثانِي رُوحٌ تُحاكي الجمال، واُخرى تعزِف الجمالَ. وكلاهما روحانِ فاتنتان، ساحِرتان..