اليوم المنتظر.

622 26 136
                                    


كانت أيدي الساعة تتدلى بضعف من بعد الساعة الثانية عشر ظهرًا، صوتُ الابريق ينحبُ ويتذمر من فوق النار لنسيانه هنالك طويلًا، أقدامٌ محشوة بالقطن تهرع للحاقه، والهواءُ داخل الغرفة ثخين بالدفء إلى حدٍ يمكنك حشدُ بعضٍ منه داخل كفتك لو لوحت بها لمرة.

"أمي هل تنوين قتلنا؟! الإبريق على وشك الانفجار، يمكنك صهر الحديد بالماء فيه لا صنع الشاي!"
تذمرت أوسيان وهي تُطفئ العين النارية وترفع كم سترتها الصوفية الخضراء لتكون حاجزًا بين كفها ويد الابريق المتوهجة من الحرارة لتضعه على المنضدة وتخرج بضعًا من أكياس الشاي وترميها في جوفه الذي لا يزالُ يتراقص بالفقاقيع.

فقط عند إغلاقها لجوفه والالتفات رأت رأس والدتها يرمي نفسه من خلف أحد الحوائط الخاصة بغرفة المعيشة، أعينها مشتتة وكأنها لا تزال ترغب بملاحقة ما كانت مركزة فًيه قبلًا، بث حفل الجوائز الذي يبث على التلفاز غالبًا كما تذكر لمحها له حين نزولها للمطبخ بحثًا عن سبب صوت الصفير الحاد.
"أنا آسفة لقد نسيت أمره، تطلعتُ شوقًا لكأس شايٍ دافئ في جوٍ كهذا، أنتِ تعلمين."
ألقت بابتسامة توحي بالاعتذار قبل أن تعود برأسها الصغير إلى الخلف حتى اختفت عن الأنظار ثانية وصوت التلفاز يعلو من خلفها.

من بين شفاهها المزمومة لوقوفها على طرفي قدميها انطلقت تنهيدة، بالكاد استعادت توازنها بعد وضعها للأكواب التي طالتها على حاملة صغيرة قرب الابريق الهائل المبهرج.

حملت بحذر كل ذلك إلى ذات الغرفة التي تطنّ بأصواتِ الكلام التي لا تنضب للمقدمين، ووضعتها على طاولة القهوة قبل أن ترتمي دون تفكير قرب والدتها التي لم تلتفت حتى عن الممثل حاذق الملامح الذي كان يجيب عن الأسئلة التي كان دوره لتطرح عليه كغيره من عشرات الفنانين الآخرين.

عندما لاحظت أن لا تغيير سيطرأ على محيطهم مهما انتظرت، استقامت لتمسك بالابريق ثانية وتسكب لكلتيهما بالإضافة لكأسٍ ثالث لأخيها الذي كان يفترشُ الأرض وكأنه جثة دبٍ ثمينة قرب النافذة في نهاية الغرفة ويداه معلقة فوق رأسه وصوت ألعاب الفيديو يتذبذب من حوله.

"أنا لا أفهم لما لا تستخدمين الغلاية الكهربائية إن كنتِ ترغبين بشرب الشاي لهذا الحد على مرار اليوم."
تمتمت وهي تمررُ الكوب ببخاره المتراقص بحماسٍ فاتن للآتي لم تحرك ساكنة أو ترمش حتى.

"لأن الأمر مختلف وطعمُ الشاي المغلي فوق النيران بصبر لا يمكن مقارنته بأي عملٍ قد تقوم به آلة."
بسطت والدتها كفها وكأنه الدليل القاطع على كلامها، ولم تناقش أوسيان كثيرًا وهي تمسكُ بشايها الخاص لتأخذ رشفة.
"الجو بارد بشدة اليوم، التدفئة بالكاد قادرة على أن تطال أكثر الزوايا ظلمة في المنزل رغم أنها تعمل منذُ ساعات، لذا ترك الابريق على النار لبعض الوقت ما كان إلا سيجعل المكان أدفأ قليلًا."

Find me when it's cold enough.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن