كانت هناك منصة كبيرة دائرية ذات رخام أبيض وذهبي.. تحيط بها التماثيل البابلية الموحية.. وفي منتصف المنصة نافورة مزخرفة تسحب الماء من النهر وتضخه بشكل خيالي لا يمكنك أن تصدق أنه كان موجودا بهذه الدقة قبل أكثر من أربعة آلاف عام.. غض بصرك عن كل الفتيات العاريات الممددات أو الواقفات هنا وهناك بجوار فتى في غاية الوسامة يجلس وسطهن بهدوء.. انظر إلى قوة وفتوة ووسامة هذا الفتي.. انظر إلى سحر الطبيعة وسحر البناء البابلي من حوله.. أنت في أحد القصور الملكية ببابل.. وهذا الوسيم هو "زاهاك" ابن الملك كوش بعد مرور مئة سنة على ولادته.. لا ترفع حاجبيك في استغراب.. فأعمار البشر حينها كانت مابين خمسمئة وألف.
ها أنت تدير عينيك يمينا ويسارا لتملأهما بجمال هذا المنظر الساحر.. إن أجمل منتجع في هاوي يبدو بشقا مقارنة بهذا السحر.. لكن عينيك توقفتا فجأة على شيء أفسد استمتاع عينيك؛ رجل عجوز كسيح.. أكثر أسنانه ليست في فمه.. تخرج من ذقنه شعرات معدودة مجمدة طويلة بشكل عجيب لم تره في أشد الصور غباء.. يرتدي عباءة سوداء ممزقة من هنا وهناك.. وهاهو يقترب من المنصة بخطوات عرجاء.
صعد الرجل العجوز إلى المنصة الرخامية.. قابلته نظرات امتعاض أنثوي من العاريات.. ضيق "زاهاك" عينيه الوسيمتين ونظر إليه بهدوء.. وبادره بلهجة ساخرة واثقة :
- كيف دخلت هنا أيها المسخ الأجرب؟نظر له العجوز بعينين فيهما بريق وحيوية مريبين.. وقال بصوت هو أقرب لصوت الحية :
- مررت بمرجتي هذه عبر مسوخ جرب كثيرين يرتدون قلنسوات مضحكة ويقفون كان على كروشهم الطير.. يحرسون ما يلقبونه بابن "كوش" العظيم.. فتملكني فضول لرؤية ابن "كوش" هذا.. وإذ بي أجده مستلقيا كأنه البغل وسط الإناث حتى صار واحدة منهن.. لا سيف يسن.. ولا رمح يعد.
وضعت العاريات أياديهن على قلوبهن.. وتحفز الحرس حول "زاهاك".. وتوجهت كل الأنظار إلى "زاهاك" الذي قام معتدلا من مجلسه بسرعة كالمارد واختطف أحد الرماح من أحد خراسه وألقاه بيد خبيرة حتى انفرست في قلب العجوز الذي سقط كالحجر.. قال "زاهاك" بغضب شديد :
- ألقوا هذا الحثالة إلى الأسود.. واعتذروا لها عن هذا اللحم العفن الذي سنطعمها إياه اليوم.حمل الحراس العجوز الذي بدا وكأنه مات من فوره كالجلمود وألقوا به إلى حفرة قريبة واسعة مزينة جدرانها برسومات الأسود الماشية التي تعتبر رمزا من رموز الحضارة البابلية.. وهي أيضا مليئة بالأسود الحقيقية التي تزأر في غضب جائع الأسود التي بدا وكأنها مئة أسد جائع مزقوا جثة العجوز قبل حتى أن تحط على الأرض.. قال "زاهاك" بغضب :
- ألقوا حراس المنصة كلهم وراءه.. يبدو أن أبي "كوش" العظيم لايعرف كيف يختار رجاله.غادر "زاهاك" المنصة واتجه إلى داخل القصر البابلي العظيم.. ومشى فيه بغضب هادر يعنف كل من يجده أمامه من الحراس.. حتى وصل إلى غرفته المزين بابها بالعديد من الألوان والزخارف.. فتح بابها وأغلقه بغضب.. ثم إنه..
- لم أعد أذكر أن لك اسما ما يابن "كوش" العظيم.نظر "زاهاك" إلى مصدر الصوت بعينين متسعتين.. كان رجلا أكثر من نصف آستانه مفقودة.. ولديه عشر شعرات غريبات في ذقنه العجوز.. يرتدي عباءة سوداء ممزقة أطرافها.. ولديه صوت أشبه ما يكون بصوت الحية.
***
YOU ARE READING
أنتيخريستوس|Antichristus
Science-Fictionإن لديك عادة بشرية سخيفة ..تحب أن تقرأ تلك السطور القليلة خلف كل رواية ..تم تقرر لو كنت ستأخدها معك أو تتركها على الرف ..أنا لا تهمني رغبتك البشرية هذه ولا يهمني لو أخدت الرواية أو تركتها ..لكن طالما أنت هنا ..فمن واجبي أن أنقل لك رسالة هامة ..تذكر...