ارتجف قلبي لحظة سمعت صوته ، كان الخوف يعتريني كلما رأيتُ عيناه تتخللها تلك النظرة القاسية، لأول مرة ألمح ذاك الفراغ المقيت بين مقلتيه ، شيءٌ من العدم كأنه بلا روح ، لأول مرة منذ دخلت هذا البيت يرتمي بين ذراعي بلا وعي منه ، جسدٌ ثقيل و حزن أكثر ثقلاً...
لم أعلم أبداً أنني قد أخاف على هذا الشخص الذي لطالما كنت أكره أو هذا ما كنت أعتقد
ضممته إلى صدري بقوة ؛ لا أعلم سبب هذا الحزن المخيف لكن الشيء الوحيد الذي أعلم انني خفت عليه ، و لأول مرة أخاف فيها عليه و ليس منه ، كان صمته يقتلني لم أستطع أن أكتم فضولي_ هل أنت على ما يرام؟ هل حدث شيء ما ؟ أخبرني هل تشعر بالإعياء ؟
كان الصمت هي إجابته عن كل تساؤلاتي لكن ما زاد حيرتي هو تشبثه القوي بي كأنه يخشي أن أرحل ، ما كان مني سوى ان أتمسك به بكل قوتي لأخبره لأول مرة
" أنني حقاً لم أعد أريد الهرب ، لم تعد تراودني الكوابيس حولك ، أنا لن أخبرك أن تتركني أرحل مجدداً لن أقول أبداً تلك الكلمة التي لطالما جعلتك غاضباً تصرخ بكل قوتك في وجهي بأن أصمت و أنك ابداً لن تسمح لي بالرحيل لم أعُد أريد الطلاق لكن أريد أن أعلم ما أصابك؟!!! "بعد فترة من البكاء الصامت بين ذراعي الذي كان على غير العادة أو هذا ما كنت أراه !، ابتعد عني يواري وجهه مِني لكي لا أرى عيناه الباكية لكنني تحركت حتى أكون قبالة وجهه كيف لي أن أخاف من هذا الوجه على كل حال !! لا أدري بما كان يصوره عقلي حينها لكن كان كل ما أراه ذاك الرجل القوي ذو النظرة الغاضبه و الصوت المرتفع مسحت بأطراف أصابعي دمعة متمردة على وجنته
_ألن تخبرني ماذا أصابك؟باغتني بكلمته _ لقد رحلت
اقشعر جسدي لوهلة و تشتت أفكاري لم أعرف ماذا أقول إلا و أجدني أردد_من التي رحلت و إلى أين ؟
و كأنني أجهل عمن يتحدث لم أتمالك عبراتي ليكمل بنبرة يملأها البكاء_ ماتت أمي يا عفراء ، ماتت تلك التي وهبتني الحياة ، لقد اتصلوا بي من المشفى و أخبروني أن علي القدوم في الصباح لإنهاء إجراءات تسلم جثمانها...
قال كلماته تلك بنبرة عاجزة لم أعتد على سماع صوته هكذا خائفاً تائهاً و مُحطم تماماً كأفكاري حينهاأمسك بذراعي و أنا لا أتمالك نفسي رغم كل الأذى الذى سببته لي إلا أنني شعرت أن الدنيا كلها على كتفي ، حينها شعرت بأنني أصبحت يتيمة من جديد
_أنت تكذب يا حمزه ؟ قل أنك تكذب؟! لقد تركتها في الصباح و كانت بخير ؟ أنت تكذب؟
لم أستطع أن أكتم دموعي أكثر من هذا لم أقدر على تمالك نفسي قد أكون زوجة ابنها التي لم تحب ، أذتني بكلماتها و لطالما أوقعت بيني و بين ابنها لكنها كانت طريحة الفراش لعام كامل لم يبقى في خدمتها غيري تركها كل أبنائها و بناتها الأخرين و بقيت أنا و زوجي رغم أنها لطالما عَيَّرتني بأني لم يكتمل لي حمل و لم أنجب سوى طفل وحيد و لم يبقى على قيد الحياة طويلاً رغم زواجي الذي دام فقط خمس سنوات إلا أنها كانت الأسوء في حياتي كلها ، لكن السنة الأخيرة كانت محور التغيير في حياتي حين علمنا بمرضها بقيَّت في فراشها عاماً كاملاً كنت أنا إلى جانبها أُعينها على النُهوض أخذ بيدها عند الحاجة ، أذهب معها إلى الطبيب ، بقيتُ إلى جانبها حتى في المشفى كنت أذهب كل صباح لزيارتها رأيت منها حباً لم أره في حياتي لا أنسى كلماتها التي أخذت تشق صدري و عصفت بكل أفكاري السيئة عنها
" سامحيني يا عفراء ، لقد ظلمتك لقد أذيتك كثيراً و كنت أُجج الغضب في قلب ابني تجاهك لم أردكِ في هذا البيت أردت أن أزوجه غيركِ لكنه رفض ، أذيتك كثيراً يا ابنتي سامحيني"
دموعها و ألمها لم أستطع ألا أسامحها حينها و الآن
_ أسامحك يا خالة أسامحك الآن و بالأمس و عن كل عمري القادم أسامحك
ضممت زوجي إلى صدري لم تكن للكلمات معنى لتقال الآن فقط ذكرته بأن أمر الله نافذ و إنا لله و إنا إليه راجعون...
مضت أيام العزاء علينا بكل ما فيها من حزن و نحيب، كانت أثقل الأشياء على قلبي هي رؤية تلك النظره القاتمة في عيون حمزه لم يكن ذاك الشخص المهيب على عادته كان كمن كبر عشر سنوات في يومين حزين كسماء الشتاء و هادئ كليله كلما زارت عيناه عياني كان كطفل تائه يستنجد بي لأرده إلى أمه ، قضى ثلاث ليالٍ بعيداً عني يبيت مع إخوته في الطابق السفلي و أبيت أنا و أخواته و زوجات إخوانه في بيتنا في الطابق الثاني حتى انقضت تلك الأيام الكئيبة و كان رجائي الوحيد أن ترد إلي طفلي الذي منحتني إياه الأيام لأخفيه بين أضلعي ، حينما عاد إلى البيت بعد رحيل الجميع كان المكان بلا روح صمتٌ مخيفٌ يُطاردنا لم أمنع نفسي أن أتمعن في ملامحهه الذابلة عرضت عليه الطعام فأبى
_أتشرب كوب شاي ؟؟ فكان النفي سيد إجاباتهجلست على مقربة منه أخذت أتلمس يديه الباردتين و طمرتهما بين يدي الصغيرتين نظر إلي بتلك النظرة الشاردة ثم مال برأسه على كتفي لم أمنع نفسي من ضمه إلي هذه المره و لن أفعل يوماً مسحت على رأسه بأطراف أصابعي و ما كانت لكلمات أن تجتمع على طرف لساني إلا
_ أنا هنا من أجلك دائماً و إن خانتك الطرق و إن رحل الجميع سأبقى هنا من أجلك دائماً أعدك أنني سأكون عصاك التي تتكأ عليها و إن غُلقت في وجهك الأبواب فبابي مفتوح لك على مصرعيه أدخل كيف شئت و متى شئت فأنا لا أحد لي سواك...
_أنا الذي لا أملك من الدنيا غيركِ يا عفراء...
اعتدل في جلسته و أخذ وجهي بين كفيه تلاقت عيناه التائه بخاصتي ، تنهد ثم ابتسم بحزن و قَبل رأسي ...
أنت تقرأ
على قيد الأمل
Randomلا أعرف ما يعنيه أن تكون كاتباً ، كل ما في الأمر أنني أخُط بقلمي ما يَجول بخاطري ، لذا هُنا ستجد بعض القصصِ القصيرة و المشاهد المُبعثرة التي لا تَنُم سوى عن شخصيتي العشوائية ....