في بيت قديم وكبير كانت تعيش امرأة كبيرة في السن مع حفيدتها الوحيدة التي كانت في الخامسة والعشرين من عمرها, وعاشت تلك الفتاة مع جدتها بعد ان اختلف والديها وقررا الانفصال دون ان يفكرا بمستقبل ابنتهم الجميلة التي رفضت ان تعيش مع ابيها دون امها او مع امها دون ابيها
واختارت ان تكون مع جدتها وجدها وبالتاكيد كان الجد والجدة مسروران لذلك فلم تكن حياة الوحدة داخل المنزل الكبيرجميلة, وبقيت ريتا مع جدتها حتى بعد ان سرق المرض منهما الجد وصارت الجدة شديدة التعلق بالحفيدة وكذلك الحفيدة صارت تنادي جدتها بـ امي والمسؤولية الملقاة على عاتق الفتاة تكبر يوما بعد يوم فالجدة لم تعد قادرة على الخروج من المنزل كما في السابق
وهكذا اصبحت الجميلة ريتا مسؤولة عن الخروج من المنزل وشراء كل ما يحتاجون اليه من خارج المنزل وفي يوم من الايام خرجت الفتاة وفي طريقها صادفت رجل كبير يبدو في العقد الخامس من عمره ولكن نظراته لـ ريتا كانت مخيفة اكملت الفتاة طريقها ولكنها كانت تشعر بأن احدهم يتبعها فـ اخذت تسير بسرعة واشترت كل ما تحتاج اليه وعادت بسرعة ولكن الخوف كاد ان يقتلها
تحدثت ريتا مع جدتها واخبرتها بكل شيء فقالت "الجدة لاتخافي يا حبيبتي لن ادع مكروه يصيبك" وبعد ساعات قليلة طُرق الباب فـفتحت الجدة الباب لـتجد ثلاثة رجال كبار في السن رحبت بهم واخبروها بأنهم هنا من اجل أمر فيه خير فـ ادخلتهم الى الدار وتحدثت معهم واخبرها احدهم بأنه يرغب بالزواج من حفيدتها فـ غضبت الجدة وقالت اخرجوا من بيتي بسرعة ولكن نظراتهم وابتسامتهم كان فيها الكثير من الشر فخرجوا ونادت الجدة على ريتا وقالت لها "لن ادعك تخرجين مرة اخرى"
ولكن كان لابد لها ان تخرج بعد ان انتهى طعامهم فـ أخذت الاذن من جدتها وخرجت واكملت التسوق وعادت بسلام وبعد ايام خرجت مرة اخرى ولكن في هذا المرة خرجت ولم تعد فخرجت الجدة للبحث عن ريتا واخذت تسئل الناس وهي تبكي "هل احدكم رأى حفيدتي ان حبيبتي مفقودة ارجوكم اعيدوا الي ريتا فليس لي سواها" وبعد ساعات من البحث لم تعثر الجد على اي شي فعادت الى المنزل واتصلت بـ أبنها والد ريتا وبزوجته ام ريتا وعندما سمعوا بخبر اختفاءها جاءوا مسرعين الى منزل الجدة التي كانت تبكي وتنادي "اريد حفيدتي"
وبعد ان قصت الجدة لوالديها القصة كاملة خرجوا ليبحثوا عن ابنتهم ودموع الخوف كانت واضحة داخل اعينهم اما ريتا ف استيقظت بعد نوم لساعات لتجد نفسها معصوبة العينين مقيدة اليدين داخل غرفة تملؤها رائحة النفط وبدءت تحاول ازالة قيد يديها ولكن الامر لم يكن سهلاً وبينما هي تحاول سمعت صوت يقول "الفتاة التي لدينا هذه المرة جميلة وعمرها مناسب سنبيعها بثمناً باهض"
فغضبت الفتاة وخافت مما قد يحصل معها لو لم تخرج وبعد محاولات كثيرة تمكنت من ازالة قيد يديها وازالة عصب عينيها لتجد نفسها داخل غرفة مضلمة ذات نافذة صغيرة وعالية يبدو انها تطل على شارع وبينما هي تحاول ان تبحث عن مخرج سمعت صوت وقع اقدام قادم نحوها فركضت بـ اتجاه الباب وامسكت به بقوة لتمنع المجرمين من الدخول اليها وبدءت بالصراخ "ساعدوني اريد جدتي" وفي هذا الوقت كان والديها يركضون قرب دار الجدة لانهم يعتقدون بأنها لم تذهب بعيداً
فنظروا ليجدوا تجمع لناس حول دار فـ اقتربوا ليصل لمسامعهم صوت فتاة تطلب المساعدة فصرخت الام اشعر بذلك انها ابنتي فدخل الاب للدار بعد ان حطم بابه الخارجي ليجد ثلاثة رجال يمسكون بـ ابنته ريتا فقالوا له ارجع والا نقتلها فـرجع الاب وسمح لهم بالخروج الى الشارع ليصبح المجرمين وسط تجمع كبير من الرجال الذين هرعوا للمساعدة فنظر الاب لـ ابنته التي لم تكن خائفة ابدا بعد ان رأت والدها فـقامت بركل من يمسكها والركض نحو والديها وهجم الرجال على اللصوص وامسكوا بهم واسقطوهم ارضا
بينما ريتا سقطت بحضن امها وابيها فتعانقوا بشدة وقالت البنت وهي تختبئ بين ذراعيهما "حين تشاجرتم غلبتكم الانانية فلم تفكر يا ابي سوى ان تبتعد عن امي وانتِ يا امي لم تفكري سوى ان تتخلصي من ابي مهما كان الثمن ولم تعيروا اي اهمية لي حزنت ومرضت وبكيت كثيرا واشتقت كثيرا وتمنيت اشياء كثيرة طوال هذه الاعوام العشرة انا احترق شوقاً لكما"
فـنظر الاب الى عين الام وقال "طوال العشرة اعوام التي قضيتها بعيداً عنكم كنت اشعر بأنني جسد بلا روح والان اشعر كما لو ان امي ولدتني للتو حقاً انا كنت مخطئ حين فرطت بكِ وبأبنتي وانا اطلب السماح منكما"
فاجابت الام "انت لم تخطئ لوحدك فانا تركت الجوهرة التي خرجت من جوفي كم كنت غبيةً حين قبلت ان ابتعد عنكما انظر لثمرة حبنا كم هي جميلة"
فنهض الاب والام والبنت في المنتصف وعادوا الى بيت الجدة التي كانت تبكي وتنادي بـأسم "ريتا" فركضت ريتا لحضن جدتها واحتضنتها وقالت لها "ياجدتي ان روحي كانت ضائعة منذ سنوات واليوم ضاع جسدي باحثاً عن روحه فـ وجدها اخيرا خلف جدار غرفة مضلمة وابتسمت
وقالت انظري يا جدتي لقد اكتملت الان هذه هي روحي نصفها امي والنصف الاخر ابيفـ احتضنت الجدة حفيدتها وتعانق الاب والام وقالوا "ابتسم القمر اخيراً"
وهكذا نكون قد وصلنا لنهاية قصة القمر ريتا ووالديها
-مصطفى الاسدي
