اليوم حذفت محادثةً بيني وبين صديقي المفضل، عدد الرسائل بيننا تجاوز الـ مئتي ألف رسالة، قد يبدو أمرًا تافهًا للناس، لكن في نفسي شعرت وكأنني أقطع جزءًا من قلبي، في هذا الصندوق الإلكتروني الصغير مئات الصور التي تجمعنا، الصور التي أعجبتني وأعجبته، الأماكن التي كنا نَود زيارتها، والملابس التي نرغب في شرائها، في هذا الصندوق الصغير رسائل حزينة، هنا كان يفضفض بعد شعوره بالخذلان وهنا كنت أرسل له كلمات ممزوجة بدموع الخيبة، هنا كنا نسخر ونتنمر على الأحداث من حولنا، وهنا كنا نرسل النكات والصور المضحكة والأغاني المفضلة لكلٍ منا، مناقشات هناك إنتهت بـتبادل الشتائم، ومناقشات أخرى على فيلم أو مسلسل أو حتى مبارة كرة قدم، انتهت باتفاقٍ على ألَّا نتناقش مع بعضنا مرة أخرى، وبعد دقائق تناقشنا حول هذا القرار بـ سخرية وكأن شيئًا لم يكن، في هذا الصندوق الصغير غيرة متبادلة حين يتحدث أحدنا عن أحبائه، وهناك كان يتمرد على عائلته ويحدثني عن مشاكله العائلية لأكون أنا دور الناصح الحكيم حتى تتبدل الأدوار حين أتمرد أنا الآخر عليهم، هنا كان يحدثني عن يومه الأول في العمل ومغامراته في العمل، وهنا أرسلت لـه أنني فُصلت من عملي وأنتظره في المقهى، في هذا الصندوق الصغير مئات الخطط التي حققناها والتي لم نحققها، الأحلام التي نسعى إليها والأمنيات التي لا زالت عالقةً في السماء، هنا كنا نتحدث بعد يومٍ طويلٍ قضيناه معًا، نتحدث بنفس الشغف والحماس وكأننا لم نلتقي من الأساس، وهنا مئات المرات التي يعاتبني فيها على تأخري وتكاسلي المعتاد على ميعاد اللقاء، والكثير من الكذب والمزاح والسخرية والنميمة والتنمر والحب والدعم والمواساة، في هذا الصندوق الصغير مئات الكلمات والرسائل التي لا يفهمها إلا كلانا..
في هذا الصندوق الصغير كانت مراحل مختلفة من حياتنا، لم أكن أتخيل أن تُحذف رسائلنا وصورنا وذكرياتنا وحياتنا بهذه البساطة والقسوة، أن يُهجر هذا الصندوق حتى أبحث عنه بين صناديق الرسائل الأخرى..
لم يكن الأمر هين..
لم يكن الأمر مجرد حذف لصندوق رسائل إلكترونية..
بل كنت أقطع جزءًا من قلبي.