في وصف الجبل

42 12 18
                                    

اليوم درسنا في حصة اللغة العربية و آدابها عن غرض الوصف في كلا من العصرين العباسي و الاندلسي ( عصوري العربية المفضلة) و تعمقنا أكثر في  وصف الطبيعة

و أخذنا قصيدة " في وصف الجبل" للشاعر الأندلسي العظيم و المُلقب بشاعر الطبيعة ذو المشاعر المُرهفة " إبن خفاجة" مثالاً لنأخذ نظرة أدق على وصف العرب للطبيعة آنذاك

ففي البيت الأول من القصيدة قال " و أَرْعنَ طّماح الذُؤابة بـــــاذِخٍ *** يُطــــاول أعنان السماء بغاربٍ"
واصفاً مدى بذاخة و ضخامة الجبل بنظره ، لدرجة أنه وصل لأعنان السماء و إختلطى لون الغيوم البيضاء و السماء الزرقاء برأسه فكأنه أصبح منهــما

و بِمَ أن الهدف من الإطلاع على هذه القصيدة هو التعرف على الوصف وقتها ، كانت كُل الأسئلة المدروسة عن النعوت المستخدمة في النص و أسلوب الكاتب في وصف الجبل و المنظر وما إلى ذلك من أسئلة إعتيادية مملة رأيناها جميعاً و حفظناها عن ظهر قلب

وكأن تركيز هذا الذي يسألنا هكذا أسئلة سخيفة يصب فقط في مدح و إعجاب الشاعر بضخامة و شموخ و سكوت هذا الجبل ، كأنه  معجبٌ بملِكٌ جالس على عرشه صامت ساكت يُراقب الجميع في صمت تــام...في صمت مخيـف ، لأنـــك تعلم يا عزيزي القارئ أنك لا تعرف شيئاً عن ما يدور في خُلد هذا الجسم الضخم الجالس أمامك ، وهذا هو الجزء المخيف من المسألة. و الجزء الرائع فيها أيضاً

لكن أسئلة الكِتاب كانت تعطيك نظرة أن الشاعر مُعجبٌ حقاً بهذا الجبل ، مُعجب ببذوخه ، ومُعجبٌ حتى بصمته هذا كما قال في البيت الخامس :" أصَخْتُ إِليه وهو أخْرسُ صَــــامِتٌ *** فحدٌَثني ليلُ السٌُـــرى بالعجائِب"

وكأنه يدعونا لأن نتشبه بهذا الجبل  ، أن نكون صامتين مثله لا نُحرك ساكنا ، فنُصبح حكماء عاقلين هكذا .

أقلبت عيناي متأفِفة و مزيحة نظري بعيداً عن الكتاب المدرسي ، فهذه عادتي عندما أفقد إهتمامي بنص جديد من هذه المادة لأبقى صامتة طيلة الحصة أُفكر بسيناريوهات جديدة في مخيلتي لن تتحقق أبداً ، او قصصاً إخترعها لكني لن أنشرها أبداً أيضاً ، هذه العادة التي تُعتبر سيئة في محيطي أعطتني حُلة التلميذة اللامبالية و الوقحة وسط بُقعتي التعليمية.

لكن ما عساي أفعل ، فلا طاقة لي ان أجبر نفسي على الاطلاع على ما لا يريده فُؤادي ولا يتقبله خُلدي ولا تطيقه روحي!

بقيت على هذه الحالة أُخربش على طاولتي و أُزينها بنظري برسماتي العشوائية غير آبهة بشيء حتى سمعت الأستاذة تقراُ هذه الأبيات من القصيدة التي جعلت من إنتباهي يُفيق من سُباته فجأة.

" و قال ( يقصِدُ به الجبل) : ألا كَمْ كنتُ ملجا قاتلٍ ** و موطن أوّاهٍ تبتَّل تـائِــب

ومن مَرَّ بي من مُدلجٍ و مُؤوبٍ** وقـــال بظلِّي من مطيّ و راكبِ "

و أكمل في هذا السياق الشاعر في البيتين 11 و 12 :
" وما غيٌض السلٔوانُ دمعي و إنما *** نزفت دمـــوعي في فراق الصَّواحبِ

فحتَّى متى أبقى و يظعنُ صاحِبٌ*** اودعُ منهُ راحِلاً غير آيِـــــبِ؟"

هنا إستوعبت مشاعر الشاعر الذي يريد إيصالها من هذه القصيدة الرائعة ، نعم ، الرائعة!

هو لم يقصد أبداً ان يُعجب و يمدح جبروت هذا الجبل و ضخامته ، لا ، بل كان يريد أن يشارك حُزنه عليه أيضاً ، فرغم أنه يمر على هذا الجبل الكثير من البشر بكل انواعهم على مر العصور من كفار و مرتدين و مُحاربين إلى توابين و صالحين أتوا إليه للتعبد ، و رُغم أنه شهد العديد من الحروب و المعارك و الجيوش تحتمي ورائه في وقت القتال ، و رغم أنه رأى الكثيرين من نساء و رجال و أطفال يحتمون تحت ظله من أشعة الشمس الحارقة في منتصف النهار ، إلا أنه ينتهي بهم الأمر جميعاً بتركه في الاخير .

فَرُغم ضَخامتكَ يا أَيُها الجَبلُ العظيِـــم ، بقيت في الأخير وحدك يا مسكيـــن ...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 12, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أفكارُ شخصٍ فاشل إجتماعياًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن