أخذت المفتاح من موظف الاستقبال ونظرت للردهة نظرة عابرة، كان الفندق خاويًا، خاويًا مثل قلبي الذي أرهقه الفراغ الذي بداخله، استدار موظف الاستقبال حول المكتب وأخذ حقائبي متوجهًا نحو الدرج فتبعته في صمت، تأملت الفندق العتيق الذي يعود ربما لعشرينات القرن الماضي، فقد رأيت تاريخ ما مطبوع على لوحة معلقة على السياج الحديدي الذي يحيط بالحديقة التي تحيط بالفندق، كان الفندق يسيطر عليه اللون الذهبي الذي كنت أراه بالأبنية القديمة على التلفاز، الأسقف عالية والثريات العملاقة المعلقة تعزز الشعور بأثرية المكان، وكريستالها النزيف يعكس الضوء في جميع الأماكن، شعرت وكأن السجاد التركي الكثيف يحتوي قدمي بشعور لطيف، جميع تلك الأشياء كانت لتشعر أي شخص بالسعادة، ولكنها لم تجعلني أشعر سوى بالتعاسة واليأس، وكأنها جميعها تلقي باللوم علي وتحبطني، تلقي بمسؤولية فشل العلاقة على عاتقي، كان كل شيء مثالي أكثر من اللازم، مما أزاد مشاعري السلبية وأزاد قوتها في هجومها علي، أصبحت عيناي تحرقني الآن، تحذرني أني على وشك البكاء، أغلقت عيني محاولة كبت رغبتي في البكاء وابتلعت الغصة العالقة بحلقي، وفي خضم صراعي ومقاومتي لرغبتي في البكاء والنواح كزوججثة زوجها المقاتل الذي استشهد ضمن وقائع حرب العالمية قال موظف الاستقبال بود:
- هذا غريب حقًا أن نستقبل فتاة جميلة مثلكِ في هذا الوقت من العام.
نظرت له بصمت، عاجزة عن التحدث بسبب الغصة في حلقي، أظن أن الموظف ظن أنني شعرت بالضيق من حديثه عكس ما شعرت به في الواقع، فقد كانت تعابيري الجامدة وصمتي كافيان لجعله يصمت، وضع الحقائب بالغرفة وأعطاني المفتاح وقال برسمية:
- إجازة سعيدة يا آنسة.
ثم تركني ورحل، نظرت بتيه للمفتاح ثم إلى الرقم المنقوش على الباب.
- الغرفة رقم أربعة عشر.
تمتمت ودلفت الغرفة وأغلقت الباب خلفي، إذًا ماذا الآن؟ ليس لدي شغف لفعل أي شيء جديد، كنت أفضل أن أبقى في غرفتي في الظلام الدامس الذي يشاركني أحزاني، ولكن أمي أصرت على أن أسافر بعيدًا عن محيطي حتى أتناسى ما حدث وبالفعل قامت بحجز غرفة في فندق في قرية بعيدة عن المدينة التي نشأت فيها.
استلقيت فوق الفراش الصغير وحدقت بالسقف بجمود، شعرت أن وجهي في تلك اللحظة يشبه بورتريه رأيته في إحدى المعارض الفنية، كانت الفتاة المرسومة تبدو فارغة من الداخل، وأنا بالفعل أشعر بالفراغ، الفراغ التام الذي جعلني دمية عديمة المشاعر، ما زلت أتخيله، ما زال يطارد عقلي وأفكاري، في تلك اللحظة تخيلت لقائنا الأخير، أحببت أن أتخيله بطريقة أكثر إبداعًا، تخيلته يرتدي الأزرق - الذي يدل على البرود في نظري - وأنا أرتدي الأحمر الذي يعكس الشغف، أو النيران التي تأكلني حية وأنا أتمسك به، أحاول أن أصلح ما تبقى، رغم أنه خذلني عدة مرات، ولكني كنت مهووسة به بطريقة مرضية، لم ألحظ الحدود التي وضعها بيننا، كنت اصطدم بتلك الحدود وأُصاب بكدمات وأنا لا سبب إصاباتي تلك، لم أفهم إلا عندما أفلت يدي ورحل، عازمًا على خذلاني للمرة التي لا أعرف عددها، عندها فقط رأيت تلك الحدود للمرة الأولى، عندها فقط أدركت سبب كدماتي.
أنت تقرأ
غرف فندقية
Romanceلم أتصور أني عندما أتيت إلى هذا الفندق حاملة قصتي كالدرع الصدئ الذي أرغب في التخلص منه، سأخرج منه أحمل قصصًا أخرى سردتها ضوضاء عقول المقيمين في هذا الفندق لجدران غرفهم وتناقلتها تلك الجدران حتى وصلت لي، لم أتوقع أبدًا أن تلك الفتاة التي أتت إلى هذا...