الـقرين الـعاشق - لا تنظر إلى المـرآه -

4.9K 160 4
                                    

 قـصة قـصيرة
****
_ وقفت أمام المرآة المعلقة على جدران حائط الحمام ، كانت قد فرغت للتو من جلسة إستحمام ساخنة أشرقت من جسدها وزادته إحمراراً ..
فبدت في غاية الجمال والفتنة ،
بسطت كفها لتنزح بخار الماء عن المرآة ثم نظرت لنفسها بإعجاب شديد .. ليست تلك المرة الأولى التي تنظر فيها لحالها بالمرآة ، ولكن بكل مرة تبدو وكأنها أجمل من ذي قبل ..
تغزلت في جمالها وهي تقول

- ياجمال عيناي الخضراوتين .. گحشائش نباتية خضراء أمتلئت بها الغابة الممطرة في ليلة هوجاء

_ ظلت تتأمل عروق نحرها البارزة النابضة ، وتتفرس النظر لوجهها وتقاسيمه الجميلة .. حتى أنقطع التيار الكهربي عن المنزل ، أرتجفت فجأة وشعرت ببرودة تسري في جسدها .. كان المكان مظلماً ظلاماً حالكاً ،
تحسست الحائط بكفاها المرتعشتين حتى تصل لمقبض الباب وتتمكن من الخروج .. ولكن ذهب مجهودها سدى ،
أستمعت في هذه اللحظة لصوت همهمات من حولها ، وكأنها محاوطة بالكثير من الأُناس ..
تثلج جسدها من فرط الخوف ولكن .... ثمة حرارة متوهجة في المكان ، تقترب الأصوات المغمغمة من أذنيها ليدب الرعب في داخلها .. وإذ بالباب ينفتح على حين غرة فأنتفضت وضمت ساعديها لصدرها في ذعر شديد ، بينما أتاها صوت والدتها وهي تهتف بتذمر وسخط

- ألم أُحذرك مراراً يارؤى ، ألم أملأ أُذنيك بالنصح والأرشاد وأن تتخلي عن عادة النظر كثيرآ في المرآة وبالأخص في الحمام

_ ركضت رؤى للخارج وهي تمد ساعديها لتتحسس المكان حتى تمسكت بوالدتها .. فخرجت الحروف من فمها غير منمقة وغير مفهومة وهي تنطق بتعلثم

- أخرجيني من هنا ياأمي ، ثمة شيئآ غريباً يحدث في المكان

_ سحبتها والدتها برفق لخارج الحمام وهي تقول مستنكرة

- وإنما هلاوسك يارؤى ، كفي عن هذا الهراء وإلا أتخذت ضددك إجراء ً حازماً

_ هزت رؤي رأسها عدة مرات وهي فاقدة للشعور بما حولها .. وبهذا الآن ، ظهرت الأنارة والأضاءة فجأة..
وعندما وقعت عيني الأم على أبنتها وجدها شاحبة اللون ، يبدو على وجهها الصُفرة القاتمة وكأنها رأت شبحاً.. فمسحت الأم على كتفها العاري وهي تزيل قطرات المياة عنه وتقول

- ما الذي حل بكِ يارؤى؟
- لا شئ

_ فرت رؤى من أمامها قبيل أن تحاصرها بالعديد من التساؤلات .. دلفت لحجرتها ومازال الفزع متملكاً منها ، بدلت ثيابها بعجالة ثم دثرت نفسها بالفراش ومازالت ضربات قلبها غير منتظمة.. شرعت بالتهدئة من روعها حتى سكنت قليلاً، ولكن سُرعان ما تبدل الحال .. تحسست الفراش لتجده ساخناً ،
شخصآ ما يتحرك جوارها ، وكأن الحرارة تلثمها فوقها وأسفلها .. يداً تتحسسها ، أرتعشت بشدة وهي تستمع لتلك الهمهمات قريبة من أذنيها والتي كانت مألوفة بالنسبة .. لم تتفهم إي من هذه الكلمات الغير مفهومة ، ولكن ألتقطت أذنيها كلمتين فقط وسط كماً هائلاً من الكلمات الغير مفهومة .. والتي تضمنت

- أنتِ لي .. أنتِ لي

_ تكررت الكلمة وأستمعت لصداها المدوي في أُذنيها ، فأرتعشت أوصالها وأنتفض كيانها بالكامل .. تندى جبينها بقطرات من العرق المفرط وأستشعرت وجود حركة غير طبيعية حولها والأصوات تكثر وكأنها لأكثر من شخص واحد

دفنت رأسها أسفل الغطاء هروباً من هذا الواقع المخيف .. حتى غلبها النعاس بعد ساعات طويلة من الليل ، فأشرقت شمس يوم جديد .. كانت تجاهد لفتح جفنيها الثقيلين ، كانت في إنتظار مرور الساعات حتى تتأهب لمغادرة محافظة القاهرة ..
كانت تستعد للقيام برحلة سفاري قد أقامتها الجامعة التابعة إليها ، فربما تكون تلك الرحلة الترفيهية بمثابة الشئ الذي سيُعيد لها عقلها .. فنهضت وهي تنفض عن عقلها كل تلك الأفكار التي تداهمها منذ الأمس.
_ أقلتها وسيلة المواصلات هي ورفيقاتها نحو أحد الطرق الصحراوية في أحضان الجبال ووسط واحة رملية شاسعة .. أنطلق الطلاب والطالبات يمرحون ويلعبون ويتسامرون بشتى الطرق والوسائل ، وعقب أن مرت العديد من الساعات ووشكت الشمس على الغروب ..

فقامت رؤى بجولة برفقة صديقتها المقربة وسط الجبال ذي البناء الضخم والمُثير للإعجاب ، كان يثيرها المنظر المُبهج حتى وجدت قدميها ترشداها للطريق دون أن تشعر .. ألتفتت حولها لتتفاجأ بإختفاء رفيقتها التي كانت تصاحبها ، تلفتت حولها يميناً ويساراً ولكنها غير موجودة وليس لها إي أثر .. شعرت برجفة في قلبها وكأن شيئاً سيقع ، ولكنها تغاضت عن ذلك وأوهمت نفسها بإن عليها الأستمتاع بكل هذه اللحظات الفريدة التي تعايشها..

أين تذهب؟ وإلى أين تقودها قدماها!؟
لا تعرف.. والأكثر واقعية هو أنها لا تعي شيئاً ، وكأنها مسحورة.. مغيبة ، وما هي إلا خطوات حتى وجدت حالها أمام مدخل من أحد مداخل الجبال ، ولكنه بدا لها أكثر جاذبية عن غيره .. كان مظلماً للغاية من الداخل، ويتشكل مدخل الكهف الذي وجدته بأشكال بارزة..
رؤوس لثعابين الكوبرا ، ورؤوس أخرى لكائنات مخيفة تتميز بالقرون الغليظة والحادة .. وأشكالاً لطيور مفترسة جارحة ذات مناقير حادة ، وجدت قدماها تقوداها للداخل بدون وعي .. خشيت من ظلام المكان ولكن فضولها الشديد أثارها لكي ترى ما بالداخل .. فكادت تعود عما تنوي عليه ولكن أستوقفها شيئاً ما ، بدا المكان تظهر به إضاءة خافتة وكأنها شموع .. فأظهرت إضاءة حمراء تثير الفزع .. فلمحت رسومات غير معلومة الهيئة.. ونجوم سداسية تنتشر على جدران الكهف ، وكأن حروفاً لاتينية حفرت بالجدران وتناثرت حولها قطرات الدماء المجلوط والجاف ،
وعلى حين غرة أُغلقت أبواب الكهف من الجانبين .. أنتفضت في مكانها وصرخت بقوة من فرط الخوف ، وهتفت بلهجة تمزع القلوب

- أغيثوني ، لقد علقت في هذا الكهف المظلم.. هل من أحد يسمعني!

_ أهتزت الأضاءة وكأنها على وشك الأنطفاء ، حتى أختفت بالفعل .. ظلت تبكي وتصرخ بهلع ، تتخيل ما سيؤل له الأمر .. حتى أستشعرت أقتراب أحد ما منها ، خطوات غريبة في الطريق نحوها ، وفجأة وجدت من يحوم حولها فأرتعش جسدها وضمت ساعديها لصدرها وهي تنكمش على نفسها وتخشى حتى الصراخ .. فرت الدماء منها وخانتها قدماها لتسقط على الأرضية وهي تضم ساقيها بين أحضانها ، وهنا أستمعت لذلك الصوت الخشن مجدداً وهو يهمس لها بصوت گالفحيح

- أنتِ لي
- من أنت ! من أنت؟

_ نطقت بعبارتها بنبرة متحشرجة وصوت متقطع ، بدأت تلمح عينان حمراوتين تلمعان في الظلام .. نظرات مخيفة توجهت صوبها ، أرتعشت وسالت قطرات العرق منها گسيل لا يتوقف .. فبدت كلماته تتضح لها وهو ينطق

- أنا المُتيم والعاشق ، أنا الخليل لكِ منذ هذه اللحظة ياأميرة الكهف

_ أُضئ المكان بأضاءة خافتة من جديد فلمحت بعضاً من ملامحة التي تشيب له الرأس .. وجهاً شديد السواد وجلد مجعد ولكنه مشدود ، حدقتين واسعتين تلمعان گعينين قط أسود شرس وحاجبين كثيفين يكاد شعيراتهم بالسقوط على العين .. قرنين صغيرين ولكن يبدو عليهن الحدة ، وجسده يبدو وكأنه لحيوان كثيف الشعر ، حيث غطى الشعر جسده وبدت أصابع يديه وكفيه أصابع غير مستقيمة وغليظة السُمك وأظافره الطويلة والحادة گنصل السكين ..
كانت الأضاءة الخافتة تزيد من قسوة ملامحه وقباحتها .
_ أنحنى عليها ليقترب فأشتعل جسدها.. وكأن كتلة من النيران تقتحم أسوارها .. زحفت بساعديها على الأرضية لتبتعد ولكنها تفاجئت بذراعيه مبسوطة نحوها لترفعها عن الأرض وتكون في مستوى طوله الفارع.. صرخت بقوة ولكن لم يخرج لها صوت .. جاهدت لتنطق ولكن حنجرتها عجزت عن النطق ، وكأن ساعديها تشتعلان إحتراقاً على أثر قبضتيه .. فقربها إليه وهو يهمس في أُذنيها

- لقد ناديتني ، فلبيت ندائك ياأميرتي .. لقد تفنجتي أمامي بجسدك البض الجميل .. لقد أثرتني نحوك وبشدة في كل حركة لكِ أمام المرآة، ولذلك قررت جعلك أميرة لي

_ حاولت أن تتملص من بين يديه ولكنها فشلت في لمسه ، جسده الشديد السخونة يجعلها تتحاشى لمسه .. مازالت عاجزة عن النطق ، فتابع هو قائلاً

- ستحبين العيش هنا ، أنا واحتك الجديدة التي ستعيشين فيها .. لقد عشقت كل تفاصيلك ياأميرتي
- لا ، بلى .. لن أكون لك ، دعني وشأني إيها اللعين البغيض

_ نطقت بصعوبة شديدة .. فواجهت نوبة غضبه المخيف وهو يطلق شراً من عينيه وهو ينطق بلهجة غير مفهومة

- لا يروق لي حديثك، لقد أصبحتِ لي وللأبد .. أنتِ من أريدها وقد حصلت على ما أريد

_ ظلت تصرخ بشدة وبصورة مفزعة .. لكنه لم يتركها بل شد من قبضته عليها وكاد يمسك بعظامها ، قهقه قهقهات مرتفعة بينما كانت تعاني هي الويلات كلما تخيلت كلماته التي ستتحول لفعلِ قريب ..
صرخت وصرخت ، تستغيث ولكن لا يصل صوتها لأحد ..

_ وإذ بها على حين غرة تسقط عن فراشها وهي تلهث بشدة .. تلتقط أنفاسها المتصارعة بصعوبة شديدة ، وبنظرات زائغة تجولت المكان بعينيها لكي تتأكد من كون ما حدث كابوساً من أسوأ الكوابيس التي عايشتها ، فبسطت ذراعها المرتعش لتلتقط كوب الماء المستند على الطاولة للفراش لتتجرع ما به من مياة على رشفة واحدة .. ثم تركته من يديها وهي تقول بلهجة ظهر بها الأعياء

- يالك من كابوس مزعج ومخيف!؟
اللعنة على كل تلك المرآوات التي تملأ منزلي .. اللعنة..

- تمت بحمد اللّه -

🎉 لقد انتهيت من قراءة القرين العاشق - ياسمين عادل (قصه قصيرة) 🎉
القرين العاشق - ياسمين عادل (قصه قصيرة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن