دفئ عائلي 🖤

520 16 6
                                    


في إحدى الحارات الشعبية، حيث البساطة تعانق دفء العائلة، كان يخرج الرجال من المسجد بعد صلاة الجمعة، مرتدين الجلباب الأبيض الذي يعكس النقاء والورع. في المقدمة، كان يسير الجد فايز، رجل تجاوز السبعين من عمره، يستند إلى عكازه بيدٍ ثابتة، بينما يمسك بيد وريث حفيده الأكبر. خلفهما، كان أبناؤه وأحفاده يسيرون بترتيب تلقائي، تعلو وجوههم ابتسامات دافئة، فاليوم هو يوم الجمعة، اليوم الذي تجتمع فيه العائلة بأكملها على مائدة واحدة، كما اعتادوا منذ سنوات.

وريث: "ها يا جدي، هنتجمع فين النهارده؟"

الجد فايز: "عند عمك نادر، الدور عليه."

وريث بصوت خافت، مترددًا: "بس يا جدي، انت عارف إن عمي عنده ظروف و..."

الجد مقاطعًا بحزم: "متقلقش، أنا كنت رافض في الأول، بس هو اللي أصر إننا نروح عنده. وبصراحة، أنا ما صدقت! بيني وبينك، يا وريث، مفيش أكل بعد جدتك أحبه غير أكل فاطمة، ولا أكل بنتها راضية. الله! مفيش بعد كده!"

وريث شارداً، وكأنه يهمس لنفسه: "راضية... مفيش حد زيها..."

الجد يرمقه بخبث: "أنا شايف إن رائف مناسب لراضية، إيه رأيك؟"

وريث بغضب مكتوم، يحاول السيطرة على مشاعره: "اللي حضرتك شايفه صح... اعمله!"

الجد مبتسمًا: "تبقى فرصة واحنا رايحين عندهم. وأكيد نادر مش هيعترض."

وريث، كأنه يتمسك بأمل ضعيف: "وافرض رائف موافقش؟ أو... مثلًا بيحب بنت تانية؟"

الجد بابتسامة واثقة: "بسيطة، نسأله!"

ثم التفت إلى الخلف، ونادى على رائف بنبرة جادة:

الجد: "رائف، تعال امشي جنبي."

تقدم رائف بخطوات ثابتة وجلس بجوار جده، وقال باحترام: "اتفضل يا جدي، حضرتك عايز تقولي حاجة؟"

الجد مبتسمًا: "كنت بفكر إنك وراضية لايقين على بعض، إيه رأيك؟"

رائف بتوتر واضح: "بصراحة، أنا مش بفكر في الموضوع ده دلوقتي."

الجد: "لو في بنت بتحبها، قوللي، ونروح نخطبها لك!"

رائف هز رأسه نافيًا: "لا، مفيش حد... بس، أنا مش حابب ارتبط دلوقتي خالص!" ثم غمز لوريث بمكر.

الجد: "انت الخسران! البنت جميلة، ومحترمة، ومفيهاش عيب."

رائف بمكر واضح: "طب ما تخطبها لوريث؟ هو الكبير، ولا إيه يا جدي؟"

الجد مفكرًا: "عندك حق..."

وريث ألقى نظرة غاضبة على رائف، متوعدًا له بالعقاب في أول فرصة سانحة!

الجد، بلهجة اختبارية: "إيه رأيك يا وريث؟"

وريث، محاولًا التهرب: "راضية لسه صغيرة، ولسه بدري على الكلام ده. ولو اتكلمنا فيه دلوقتي، ممكن ما تركزش في دراستها، وهي لسه في أول سنة جامعة."

فريد، متفقًا مع وريث: "عنده حق، يا جدي. راضية لسه صغيرة، وبلاش نتكلم في الموضوع ده تاني."

وبوصولهم إلى منزل العم نادر، توقف الحديث عند هذا الحد. كان المنزل متواضعًا، مكونًا من طابقين؛ الطابق الأول يضم شقة العم نادر، وزوجته، وابنتهما راضية، أما الطابق الثاني، فتسكن فيه أسرة ابنه أنس وزوجته إسراء، وأطفالهما الصغيرين، عبد الله وحور.

عند دخولهم، كانوا يسيرون بنفس الترتيب، بدءًا من الجد فايز، ثم ابنه الأكبر وليد، يليه ناصر، ثم الأخ الأصغر طاهر، وبعدهم وريث، وابن عمه فريد، ثم رائف، وأخوه صهيب، ومن بعدهم إيهاب.

في الداخل، استقبلهم نادر بترحاب شديد:

نادر بفرحة صادقة: "أهلًا وسهلًا، البيت نور!"

الجد مبتسمًا: "ده نورك يا ابني."

الشباب بصوت واحد: "ده نورك يا عمي!"

نادر، ملتفتًا إلى ابنته: "راضية، حضّري طقم الشاي، وطلعي اقعدي مع الستات فوق."

لكن أنس، شقيقها الأكبر، اقترب منها وهمس لها بخبث:

أنس: "حطي الشاي والسكر في الأكواب وسيبيهم، أنا هحط المي. إطلعي من الباب اللي ورا، يلا!"

نفذت راضية كلام أخيها بحذر، ثم اختفت من الباب الخلفي.

في هذه الأثناء، قام أنس بتقديم الشاي بنفسه:

الجد بتقدير: "ليه كلفت نفسك يا ابني؟"

أنس بابتسامة هادئة: "تعبك راحة، يا جدي." ثم انحنى وقبّل يد جده احترامًا، قبل أن يجلس بجوار فريد.

فريد بمزاح: "عامل إيه؟"

أنس ضاحكًا: "فل الفل!"

فريد بمرح: "يعني اتكل على الله واتجوز؟"

أنس مازحًا: " مش لما تلاقي العروسة الأول؟"

فريد، وكأنه يبوح بسر: "كلام في سرك، أنا معجب بحد كده!"

أنس، بفضول: "مين اللي أمها دعيالها دي؟"

فريد بجدية: "مش هتقول لحد؟"

أنس، مبتسمًا: "عيب عليك!"

فريد بصوت منخفض: "عائشة..."

أنس متفاجئًا: "وهي؟"

فريد محبطًا: "أنت عارف إننا ما بنتقابلش غير بالصدفة، ولو شفتها، بتكون باصة في الأرض!"

أنس بتفهم: "بصراحة، هي محترمة جدًا. طيب، ما تفاتح أبوك في الموضوع؟"

فريد بتنهد: "هيقولي لما أخوك الكبير يتجوز الأول!"

صهيب بتدخل فضولي: "بتتكلموا في إيه؟"

أنس وفريد معًا: "هنقولك بعدين!"

إيهاب، مصرًا: "عايز أعرف!"

صهيب محاولًا تهدئته: "بعدين!"

وريث بصوت حازم: "بطلوا كلام! هما هيحكوا بعدين، ولا ليكم كلام تاني؟"

رائف، بمكر: "ولا يكون عندهم سر تاني؟"

أنس وفريد، ضاحكين: "أكيد هنحكيلكم!"

وفي قسم النساء، كانت الأجواء لا تقل دفئًا...

-
ما رأيكم في الأحداث حتى الآن؟
إلى اللقاء في الحلقة القادمة!

 عشقت وريثي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن