تحصلت بعد سنوات على وظيفة العمر في احدى الشركات العالمية للمعلوماتية و اثر ذلك قمت بجمع كل ثروتي و ثروة زوجتي لاتمكن من ايجار شقة لمدة سنة ، انتقلت من أحد الأحياء الشعبية إلى أكثر الأحياء رقيا بالوطن .
مجموعة من البنايات الشاهقة العلو ، المهندسة بكل دقة و اهتمام ، بكل بناية مجموعة من الشقق الفخمة التي صممت للمشاهير ، كل من بالوطن يتمنى قضاء دقائق معدودات بهذه المنطقة ، لكن الاغنياء و الاثرياء و اصحاب الشركات العالمية هم فقط من يتمكنون من فعل ذلك .. هكذا هو هذا الحي الراقي .
في اليوم الثاني في منزلي الجديد ، خرجت ثم وقفت عند باب منزلي منتظرا إبني لأنقله الى مدرسته ، تفحصت كل تفاصيل البناية طوال مدة انتظاري، إلى أن لمحت فتاة في ريعان شبابها واقفة عند باب الشقة المقابلة لشقتي .. قصيرة القامة ، هزيلة الجسم ،ترتدي قميصا ابيضا ذكوريا اكبر من قامتها بعض الشيء قصير يصل الى نصف ساقها ، ملطخ اسفله ببقع حمراء فاقعة اللون تبدو أنها بنفس لون طلاء اظافرها ، بشرتها بيضاء صافية صفو بشرة الاطفال ، شعرها أسود طويل ينسدل على كتفيها ، عيناها كبيرتين سوداوتين حددتهما بكحل اسود لتزيد الجمال جمالا ، تعلوهما حاجبان سوداوان دقيقان طبيعيان، وجنتاها اخذتا اللون الوردي ، فمها صغير ذو لون احمر كرزي ، يبدو ان عمليات التجميل لم لوجهها طريقا ، كانت تطعم قطة و تمرر يداها الناعمتان على فروها لتشعرها بالرقة و الحنان ، أخرجت زوجتي إبني و و قامت بتحيتها قائلة :
- " مرحبا ، نحن جدد بهذه المنطقة لقد أتينا الى هنا البارحة فقط ، هذا زوجي و هذا إبني ، نتشرف بمعرفتك " ثم مدت يداها لمصافحتها .. لكن هذه الفتاة حدقت طويلا بيد زوجتي ثم ابتسمت ابتسامة ساخرة و دخلت لشقتها و اغلقت الباب رشيقة ، تاركة يد زوجتي معلقة بالهواء تنتظر من يصافحها .
تمر الايام بنفس الروتين و تلك الفتاة على عادتها تقوم في الصباح الباكر لتطعم القطط التي تزيد عددها يوميا دون ان تتفوه بكلمة .. تقابلنا بابتسامة ساخرة.. لقد صارت تثير شكوكي .. إبتسامتها الغامضة .. إطعامها للقطط المتشردة ..إلتزامها الصمت .. إضافة إلى أنني صرت أتوهم بأني لقيتها من قبل .
بعد مضي شهر تقريبا من بداية عملي أعلنت مديرة الشركة التي لم يلتق بها موظف عادي من قبل إقامة حفلة و لقاء صحفي بمناسبة عيد ميلاد الشركة العاشر ، و في الليلة المقصودة خرجت من الشقة متوجها لمقر الشركة فوقعت عيناي على شاب من نفس عمري خارج من الشقة المقابلة يبدو أنه زوج تلك الشابة ، لا يقل وسامة عنها ، طويل القامة ، هزيل الجسم ، أكتافه عريضة ، بشرته سمراء ، عيناه كبيرتان بنيتان ، أسنانه ناصعة البياض ، شعره بني فاتح ممشوط بدقة كأنه سرح بأحد أغلى صالونات الحلاقة بالعالم ، تزينه لحية خفيفة ، يحمل نظارات سوداء كبيرتان لآخر صيحات الموضة .. يرتدي بذلة رسمية سوداء زادته أناقة ، يضع إحدى يديه المزينة بساعة فخمة في جيب سرواله ،و يشغل اليد الاخرى بهاتفه العصري الذي لم و لن املكه و لو عملت العمر كله ، تفوح منه رائحة عطر رجولي تحبس الانفاس ،يتقدم نحو مخرج البناية بخطوات متثاقلة و متكاسلة نظرا لانشغاله بهاتفه ، ثم تخرج وراءه تلك الشابة مرتدية فستانا طويلا أسودا مرصع باللؤلؤ البراق بدون أكمام ، مع كعب عالي أبيض كريمي براق زاد من قامتها و أنوثتها ،شعرها الاسود مرفوع على شكل كعكة عصرية خاصة بالحفلات ، تتدلى من أذناها قرطان من الالماس ، عيناها مزينتين بمكياج دخاني اسود زاد من فخامتها ، تتوسط رقبتها قلادة رقيقة من الالماس اغلى من كل ثروتي ، أما يدها فقد زينت إحداهما بخاتم ذهبي يسكت الصبي ، يبدو أنه خاتم زواجها ، و أظافرها ملونة باللون الاسود ، تحمل بيدها حقيبة يدوية صغيرة سوداء مزينة بالجوهر الابيض و باليد الاخرى معطف ربيعي يصل الى مستوى الخصر بنفس لون كعبها العالي ، وضعت عطرا جذابا برائحة الازهار ، تبعت زوجها ثم وقفت محدقة بي و اعادت رسم تلك البسمة الساخرة على ثفرها و واصلت طريقها .
طوال مدة جلوسي في التاكسي المتوجه نحو الشركة و تلك الأفكار و الشكوك تحوم في رأسي .. لماذا تبدو لي أنني أعرفها ? من تكون ? و من يكون زوجها ? أيعقل أن تكون بكماء ? ما سر تلك الإبتسامة ? هل يعقل أن شخصا من هذا الحي يقوم بإطعام القطط ? و أنا كموظف عادي لا اجد الوقت لذلك .. لماذا ? كيف ? هل ? أسئلة كثيرة و الجواب مجهول ، قطع السائق حبل افكاري معلنا وصولنا للمكان المنشود .
دخلت إلى المكان المخصص للحفل ، لقد كانت الصالة جد كبيرة أكبر من ملعب كرة القدم بمرات و مرات فخمة مجهزة بدقة ، بها الكثير من الطاولات الثنائية و العائلية ايضا ، المنصة مجهزة بأدوات لنقل الصوت و مقاعد مريحة ، طاولات الطعام موزعة بكل ركن بالصالة ، تبدو على الحضور ملامح الرفاهية و الثراء و المكانة الاجتماعية ، حضرت كل القنوات التلفزيونية العالمية ، الكل يتهامس فيما بينه منتظرا على احر من الجمر كلمة المديرة او بالأحرى وجهها و نسبها .