"إلى الأبد" _3_

76 19 70
                                    

مشى إدوارد مبتعدا عن قبر حبيبته، تطلّب منه الأمر ثوانٍ ليسترجع همّتهُ، ويحافظ على توازن جسده المرهقِ من شدة التفكيرِ، إن الحب حقا قاتل بل يستزفُ طاقة المرءِ ويكون جميلا في البداية غير أنه يصبح نقمةً أو لعنةً لن يستطيع الإنسان أن يتفاداها.

فجأة توقف مكانهُ مستمعا لشهقاتٍ مريرةٍ وكان مصدرها طفلةً صغيرةً، كان جسدها مرميا أمام إحدى القبور تبكي بلوعةٍ وقهرٍ تتلمسُ حوافّ القبرِ بضعف.

وجد نفسه يقترب منها متكئا على عكازهِ، ملابسها لم تكن نظيفة بل كانت متّسخة وممزقةً، واستطاع أن يلمح تلك الخدوش الدامية على مفاصلها وركبتيها العاريتين.

عندما انتبهت لاقترابهِ منها رفعت عيناها تنظر ناحيتهُ برهبةٍ، ثم مسحت دموعها بسرعةٍ ليمدّ لها منديلا أبيضَ أمسكته هي بخوفٍ فهو يظل غريبا بالنسبة لها ثمّ نظفت به أنفها بتوجسٍ.

ابتسم العجوز إدوارد برقةٍ، ثمّ سألها بحنان جالسا بجانبها:

"هل أصبحتِ وحيدة في هذه الحياة مثلي؟"

نبرته كانت لطيفة يريد أن يجعلها تشعرُ بالاطمئنانِ، أومأت هي ببطءٍ تتأملُ شاهد القبرِ أين قرأ هو اسم الميتِ أندريه رومانوف.

أشار إدوارد لشاهد القبرِ متسائلا بفضول يريدُ التأكد من شكوكهِ:

"هل هذا والدكِ؟"

هزّت الطفلة رأسها بسرعةٍ، استغرب إدوارد عدم تكلمها معه بشكل مباشر ليسألها:

"ألا تستطعين التكلم؟"

يريدُ أن يعرف إن كانت خرساء حقا؟ أم أنها خجولة منه كونه غريب عنها، لكنه تأكد من أنها غير قادرة على الكلامِ عندما أشارت هي لفمها نافية برأسها.

"وأين والدتكِ؟"

سألها مرة أخرى لترفع هي عيناها ناحية السماء، مسكينة هي يتيمةٌ، لم يستطع المغادرة وتركها وحيدة هنا، تبدو مشرّدةً.

وجد نفسه يقترحُ عليها بنبرةٍ هادئة ولطيفة في آنٍ واحدٍ:

"انظري، أنا لا أستطيع أن أترككِ بمفردكِ هنا، ما رأيكِ لو ترافقيني، سوف أساعدكِ"

بكل براءةٍ أومأتْ الطفلةُ لتمسك بيده الكبيرة مشكلة منظرا ظريفا، يده الخشنة والمليئة بالتجاعيد احتوت يدها الناعمة والصغيرةِ.

كانت فتاة شقراء بعينانِ سرقت زرقة مياه البحرِ وبشرة ناصعة البياضِ اتسخت بالغبارِ، وفوق كل هذا كانت تنظر له بودّ شديدٍ، ذكرته بزوجته الراحلة كيف كانت تنظرُ له ببراءةٍ.

رفض تركها وحيدة هنا ببساطة لأن هذا العالم قاسي مليء بالوحوش البشرية التي قد تؤذيها فمبادئه لن تسمح له بتركها بالقربِ من القبور تبكي مشتاقة لوالدها.

وقفت تزامنا مع وقفته هو لتتبعه محاولةً تقليد حركاتهِ البطيئةِ بظرافةٍ، كانت قصيرةً جدا بالمقارنة مع بقية الأطفالِ.

سوف يقدمها لميتمٍ ما أو ببساطة سيعتني بها هو فالمسكينةُ وحيدةٌ وليست في أمانٍ لذا سيمد لها يد العونِ، سوف تعوضه عن خسارة ابنهِ سابقا وزوجتهِ وسوف يكونُ لها عائلةً.

وإلى الأبد سيظل وفيا لروز وردته الجميلةِ، سوف يعانقُ ذكرياتهم كل ليلة قبل أن ينامَ وسوف يحمي العهد بينهما والرابطة الأبديةَ التي جمعتهما إلى الأبد.

The end

عدد الكلمات 410. 

🎉 لقد انتهيت من قراءة إلى الأبد 🎉
إلى الأبدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن