"الصراع" _1_

203 31 165
                                    

لا تتركيني فلا حياة لي من دونكٍ...

💕💕💕💕💕💕💕💕💕💕💕💕💕

"حبيبتي ستكوني أنتِ في قلبي زهرة لن تذبل أوراقها أبدًا، كل يوم لها ربيع لا تعرف فصلًا اسمه الخريف، أقولها بكل ما امتلكت من قوة، أقولها بقلب نبضت عروقه لكِ أنتِ، ولن ينبض إلّا باسمك أنتِ، نعم عشقتك وما زلت أعشقك، ولن أعشق غيرك، أنتِ الروح والنفس، أنتِ الحياة والعمر."

قالها بينما تمسّكَ بيدِ زوجته الراقدة على سرير المستشفى تنظرُ له كأنها آخر مرة تفعلها، تبتسمُ له برقةٍ، مضى على زواجهما خمسين سنةٍ كاملةٍ، تزوجا عندما كانا في العشرين من عمرهما، سنواتٌ طوالٌ مرت بسرعةِ رياح العواصف لم يشعرا بمرور كل ذلك الوقتِ.

حبّ تأجّج منذ نعومة أظافرهما، حب صادق وقنوعٌ وملتزمٌ، حبّ شقّ وتجاوز العديد من المصاعبِ، حبّ كفاح ونضال.

لكنه كان حبا مؤلما وقاسيا وأخذَ من الألم النفسي نصيبا هائلا كما أخذ من الجمالِ  مبلغا عظيما.

"أنتِ حبيبتي، أنتِ أحلامي وأنتِ ليليَ الساكنَ، أنتِ هدفي ورغبتي، أنتِ سمائي ونجومي، أنتِ الحياة، أحببتكِ من بداية الزمان حتى نهايته. أنتِ من برعت في إحراقِ حزني بل أشعلتِ لهب الحنين والهيامِ"

أضاف بنبرة ممزقة حرفيا يصارعُ كي لا ينهار أكثر ويبقى قويا أمام من ملكته بجنونها ورقتها وطيبة قلبها النقي.

سقطت دموعها في صمتٍ عندما وضعَ زوجها جبينه فوق يدها يضغطُ عليها كأنه يرغبُ في تقديم روحهِ لها، وإن كانَ يستطيعُ التضحية من أجلها لفعلها منذ زمن.

كانا بخيرٍ تماما قبل أن تحلّ عليهما لعنةُ المرضِ، لن ينكرَ كونها مريضة قلبٍ منذ مدةٍ ولكن تطور هذا المرضُ خصوصا بعدَ تعرضها لعدةِ صدماتٍ كموتِ ابنها الوحيدِ، لقد عانا من أزمة خسارة فلذة كبدهما، والآن هي متعبة تصارعُ مرض القلب التاجي وأعراضهُ القاسية على جسدها الذي أصبح أنحفَ وأضعف.

قاطع رنينٌ حاد لجهاز الهولتر الهدوءَ يشيرُ إلى توقفِ نبضاتها، وقفَ العجوزُ إدواردْ بريين بسرعةٍ ومن دون حمل عكازهِ ارتكز على الحائط يمشي بصعوبةٍ كي ينادي على الطبيب، دموعُ حسرة انهمرت على وجنتيه بينما نادى على الطبيب بصوتٍ عالٍ مقهورٍ محاولا في نفس الوقت حجب أذنيه عن الصوتِ الحادّ لجهاز تخطيط القلب وينظرُ في كل ثانيةٍ لوجه حبيبته روز وكيفَ تجمّد جسدها بلا حراكٍ.

دخل الطبيبُ ومعه مجموعة من الممرضات أجبرنه على الخروجِ، أجبرنه على تركِ روحه الثانية في تلك الغرفة الباردةِ.

تهاوى جسده على مقعد الانتظارِ يحدق في الحائط أمامهُ بخوفٍ، لن يحتمل خسارتها، هي عائلته الوحيدة، كيف سيعيشُ من دونها؟ كيف سيعيشُ من دون رؤية وجهها كل صباح؟ من دونِ الحصول على عناقها الهادئ والدافئ! من دونِ صوتها الحنونِ وهي تغني له تهويدةً ما!

لقد عاشا حياة كاملةً معا فهل ستنتهي قصتهما الآن؟ هل ستندثر قصة حبهما الأزلي بسهولة؟ هل سيخطفُ الموتُ منه حبيبته؟

انقبض قلبه بألمٍ أثناء تفكيرهِ التعيسِ ليحاول إيقاف دموعه التي سقطت بألمٍ، لم يستطع سجنها لتتحررَ بغزارةٍ كما احترقت روحه بعذابٍ شديدٍ.

وفي لحظة واحدة توقف به الزمن حالما خرجَ الطبيب من الغرفةِ يمسحُ على ذقنهِ بملامح كئيبةٍ.

اقترب منه إدوارد متّكئا على الجدارِ محاولا التوازنَ من دون عكازهِ الذي تبين أنه في حوزة الطبيب والذي سارع بدورهِ لتقديمه محاولا السيطرة على نفسهِ.

أمسكَ إدوارد العكاز ليهتفَ بتلهفٍ وأنفاسٍ متسارعة:

"أرجوك، أخبرني أنها على قيد الحياة، حبيبتي بخير في الداخل، لم يُصبها مكروه، حبيبتي بخير، أجل هي بخير وتنتظرني"

أشاح الطبيب ببصرهِ بعيدا لثوانٍ حتى ردّ برسمية تامة:

"نحن آسفون، لم نستطع إنقاذ المريضة"

وفور انتهائه من كلماته المجرّدة من الإحساس غادر فورا متوجها لعمليته التالية تاركا خلفه قلبا حطّم بقوةٍ، حدّق إدوارد بالغرفةِ بملامح منكسرةٍ مع دموع خائبةٍ، ليمدّ يده المرتعشة بشدةٍ وفتح الباب وولجَ للداخلِ.

هناك أين السرير الأبيضُ المغطى بلحافٍ من نفس اللون تمددت حبيبته التي وبالرغم من صراعها مع المرض توفيت بل استسلمت إن صحّ التعبيرُ.

سقطَ عكازه من يدهِ ليسقط على ركبيتهِ بجانبِ السرير متكئا على الفراشِ بينما زحفت يده لتمسك يدها الباردة وفور إحساسه بتلك البرودةِ انفجرَ باكيا بقهرٍ في مشهدٍ يكسرُ الخاطر، يقبّل تلك اليدَ المليئة بالتجاعيد، نفس اليد التي مسّدت على ظهره سابقا، نفس اليد التي مسحت دموعه، نفس اليد التي ساندته يوما.

خسرها للأبدِ، حيث أنها لن تبتسم له مجددا ولن تغني له، لن تضحك على نكته السخيفةِ ولن تعانقهُ ولن تطبخ له أكلاتها الشهية ببساطةٍ لن تبقى بجانبه بعد الآن لأن روحها سافرت لمكانٍ آخر.

لن توقظهُ كل يومٍ بطرق مجنونةٍ تجبره على الابتسام بسعادةٍ، لن يجد من يسردُ لها لحظاته الحزينة، لن يجد من ستساعده وقت الحاجة ولن يجد من ستكون شريكة حياته قولا وفعلا.

فالموت خطف منه روحه العزيزة على قلبه.

نهاية الفصل

722 كلمة.

هذه القصة قصيرة ومخصصة لمسابقة لحن الإلهام #مسابقة_لحن_الإلهام.

الأغنية: love story... indila

إلى الأبدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن