"لم تُخـلق تلك العينان لتشكو يأسها
ولم أخلق إلا لتقبيل محجـرها "أطلت أحرفـه على فُـؤادي ، فتجلجل ومـاله من أنـاةِ
يسـترِق أذرعـي الواهِنة مستغلًّا تبعـزق ذاتـي فيختتم كابُوسـي الجامح بقـبلةٍ لعيني . لم يفارقني السّكـون طيلة غسقي وظلت عيناي ساكنة حتى أطلّ عليها فلقي ..
ثلاث سنوات، حين لاذت الشمس بالغروب كي يتلوها القمر بالتجلي ..
قُرِع ناقوسٌ ما أدري أكان لحلول جنازة أو لآداء صلاةٍ ماقد كان عزيزي آنذاك هرًّا ضئيلًا شردًا بشعرٍ أشعث يلازم كل ماشٍ ويتبع.. مقحمًا ومورطًا ذاته بالمآزق، وحين كنت أنا أصوب خطاي نحو زقاق ما تغلقه شاحنة نقل اعتادت نفسي على المكوث به تتبعني هو بلا دراية مني.. كان ساذجًا ملآنًا بالوهن حتى عجز عن مناولتي الشجار حين أغدقته ضربة تراجعت ساقاه أثرهاثم ارتطم بالشاحنة ..
«آنت ملعونٌ أو ماشابه ! لم تتبعني ؟»
التقط أنفاسه التي باتت ثقالًا على رئتيه فأقفل عينيه بلا حيلة منه ..
«أضعت سبيل عودتي للبيت وأنا أتجول هنا منذ الظهيرة.. وها أنا ذا مضروب من معتوه أبله يحسبني أتبعه !»
لذا رأيته حينئذ يتأجج رغبة لكمي
ثار ثائر في قفصي الصدري وهاج جسدي لأمسك ساعده المرفوع وأثبته، توالت أنفاسه الخائرة على أهدابي حتى رأيت رعشة مقلتيه وأجهشت مدامعه بالبكاء .. أفلتت ذراعيه بلا وعيٍ مني .."إذا لست سوى أرعن جبا.."
«أنا مشرد الآن !! هربتُ من بيتي منذ الغداة والآن أنا لا أدري ماسبيل العودة ! »
ميؤوس منه هذا.. دفعته كرة ثانية وتدليت من جسده وأمسكت منكبيه بلهيب كفي وصحت
"مالذي يجعلك تغرب عن بيتك!"
حدق بعيني بجزع وعلت ذراعاه بلا قوة محاولة منه في إبعاد كفيّ، شعرت بأنفاسه كذلك تخور ..
حل بجسدي السكون لما لامسني نفَسه المشجون..
أثناءٌ هي حتى قلب عينيه فدفعته كرة ثالثة ولم تكن له مُكنة على الحراك ثم أخذت هاتفي ملتقطًا له بضع صور، قد كنت مئتلفًا على نفي الأناس من زقاقي والتقاط الصور لهم ثم إرسالها لشقيقتي ..
وعلى غير عادتها حين عاينت صوره أمرتني بالعودة إلى المنزل.. معه !
أبصرته عاجزًا عن الحركة يرمقني بنظرات قانطة فماكان لي سوى انتشاله والخضوع لأمرها ..