شرح ٢

235 7 0
                                    

هذا حديث عظيم من الأحاديث الجامعة الواسعة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي حصل من جبريل بأنه تعليم للدين، ووصف جبريل بأنه معلم؛ لكونه سأل عن أمور يسمع الصحابة الجواب عنها، فأضيف التعليم إليه؛ لأنه إنما جاء سائلاً ليعلم غيره لا ليتعلم هو، فهو عالم بذلك، ولهذا كان يقول: (صدقت) بعد أن يبين النبي صلى الله عليه وسلم الأشياء المسئول عنها.
ومن فوائد الحديث
~حسن أدب المتعلم أمام المعلم حيث جلس جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمام النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجلسة الدالة على الأدب والإصغاء والاستعداد لما يلقى إليه ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه .
~جواز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم باسمه ، لقوله : " يا محمد " . وهذا يحتمل أنه قبل النهي أي : قبل نهي الله تعالى عن ذلك في قوله : (( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا )) [ النور : 63 ] . على أحد التفسيرين ، ويحتمل أن هذا جرى على عادة الأعراب الذين يأتون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فينادونه باسمه : يا محمد . وهذا أقرب ؛ لأن الأول يحتاج إلى التاريخ .

~جواز سؤال الإنسان عما يعلم من أجل تعليم من لا يعلم ؛ لأن جبريل كان يعلم الجواب ؛ لقوله في الحديث " صدقت " ولكن إذا قصد السائل أن يتعلم من حول المجيب فإن ذلك يعتبر تعليما لهم .
ومن فوائد هذا الحديث : أن المتسبب له حكم المباشر إذا كانت المباشرة مبنية على السبب ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " . مع أن المعلم هو الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لكن لمّا كان جبريل هو السبب لسؤاله جعله الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ هو المعلم .

~بيان أن الإسلام له خمسة أركان ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بذلك وقال :" الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ،وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " .

~أنه لابد أن يشهد الإنسان شهادة بلسانه موقنا بها بقلبه أن لا إله إلا الله .
فمعنى" لا إله ": أي لا معبود حق إلا الله ، فتشهد بلسانك موقنا بقلبك أنه لا معبود من الخلق : من الأنبياء ، أو الأولياء ، أو الصالحين ، أو الشجر ، أو الحجر ، أو غير ذلك حق إلا الله ، وأن ما عبد من دون الله فهو باطل ؛ لقول الله تعالى :(( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير )) [ الحج : 62 ] .

~أن هذا الدين لا يكمل إلا بشهادة أن محمدا رسول الله ، وهو محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي ، ومن أراد تمام العلم بهذا الرسول الكريم فليقرأ القرآن وما تيسر من السنة وكتب التاريخ .
ومن فوائد هذا الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله في ركن واحد ؛ وذلك لأن العبادة لا تتم إلا بأمرين :
الإخلاص لله : وهو ما تضمنته شهادة أن لا إله إلا الله .
والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : وهو ما تتضمنه شهادة أن محمدا رسول الله ؛ ولهذا جعلهما النبي صلى الله عليه وسلم ركنا واحدا في حديث ابن عمر حيث قال : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ......" وذكر تمام الحديث . ومن فوائد هذا الحديث : أنه لا يتم إسلام العبد حتى يقيم الصلاة ، ولإقامة الصلاة أن يأتي بها مستقيمة حسب ما جاءت به الشريعة ، ولها ـ أي : لإقامة الصلاة ـ إقامة واجبة وإقامة كاملة .
فالواجبة : أن يقتصر على أقل ما يجب فيها .
والكاملة : أن يأتي بمكملاتها على حسب ماهو معروف في الكتاب والسنة وأقوال العلماء .

الاربعين النوويهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن