فجرٌ أليم

8 0 0
                                    

" لم يتنازع أبناء الجنس الواحد على مُرٍّ عقيم ؟ "
كان هذا سؤالاً طرَحَتهُ نفسي قُبيل فجر حربٍ شمطاء ، أيُّ شيءٍ في العالم يستحقُّ أن تُهدر له الحيواتُ النفيسة ؟! ، أيُّ شيءٍ يستحقُّ أن أعيش ذُعر طلوع شمس يوم ذهاب أبي و خطيبي لحربٍ لا مغزى منها ؟!
وددتُ لو أبكي ، لكن الدموع لن تزيح ألماً يختلجُ صدري و لن تخفف انقباض قلبي !
تِك !
نهضتُ عن مكتبي مذعورة جرّاء هذا الصوت مجهول المصدر ، التفتُّ أبحث عمَّ يكون لكن ظلام الغرفة لم يسعفني ، تصلبتُ في مكاني لثوانٍ كالدهر قبل أن يتردد من جديد على مسامعي ، سارعتُ نحو النافذةِ أفتحها لأُطلّ على الفناء الخلفي لمنزلي فإذا به ذاكَ الذي شغل فكري ، خطيبي و رفيقُ دربي !
صُدمتُ لوهلةٍ ثم ابتسمتُ بحنوّ فبادلني الابتسام ، أشار إليّ بأن أنزل فسارعتُ بالخروج ، لكن دنت منّي التفاتةٌ مفكرةٌ أتبعتها بفتح دُرجِ مكتبي و انتزاعِ كنزٍ منه ثم خرجتُ في هدوءٍ لئلا أوقظ أهل البيت .
ما إن خرجتُ حتى لقيتهُ عند الباب فوقفتُ أمامهُ واضعةً يداي على خصري قائلةً :
- ما الذي تفعلهُ هنا يا أنت ؟
ابتسمَ ضاحكاً و أجاب :
- أزور فتاتي ؟
- قُبيل الفجر ؟!
- أحببتُ أن أجرب دور الحبيب السرّي .
نكزتهُ ضاحكةً و وضعتُ كفي بكفه ليبتسم ثم أخذنا نسير بغير هدف مستمتعين بهواء الفجر و هدوء الوطن الشبيه بالريف السويسري الخلّاب .
ناظرتهُ في حزنٌ ثم ابتسم لأُحادثه :
- تبدوا وسيماً بالزيّ العسكري ، أتعلم ؟
أجاب بنبرة فخر :
- أنا وسيم دائماً !
أجبتهُ ضاحكةً :
- أنتَ محق ! 
ران علينا صمتُ خفيف قطعتهُ منكسةً رأسي و متوقفة عن السير :
- ماذا ستفعل لو طلبت منك عدم الرحيل ؟
ناظرني قليلاً قبل أن يجيب :
- لم تسمينهُ رحيلاً ؟
- لأنك راحل .
- بل أنا ذاهب .. ذاهبٌ و سأعود .
- ماذا لو لم ... ماذا لو أنكَ .. أنا ..
دمعت عيناي فابتسم بحنو مربتاً على رأسي :
- لا تقلقي .
- ... عدني بأن تعود .
- ....
رفعتُ رأسي لتتقابل أعيننا و لازالت يده على رأسي :
- عدني !
- أعدُكِ .. أعِدُكِ بأن أبذل قصارى جهدي لئلا تُذرف من عينيكِ دمعة .
- أنتَ تتهرب .... لكن هذا يكفيني.
ابتسمتُ و ابتسم لابتسامتي،  تحركنا قليلاً لنتخذَ مجلساً على العشب الأخضر الزاهي،  حين بدأت الشمس تلوحُ في الأفق .
أخرجتُ من حقيبتي كنزي الصغير و أهديتهُ إياه ، كانت الكاميرا خاصتي ، الكاميرا التي تحوي جميع ذكرياتنا.
نظر إليّ متسائلاً ، فقلت :
- هذهِ أمانتي عندك ، ردّها إليّ عند عودتك .
- آه ! و أنا الذي ظننتُ أنكِ ستشاهدين صورنا و تبتسمين و تذكرينني حتى عودتي !
- لن أفعل ! لذا يستحسنُ بك العودةُ سريعاً قبل أن أنساك .
ابتسم ضاحكاً :
- ياللقسوة ! حسناً إذاً يجدر بي الإسراع بالعودة ، لئلا أصدم بكِ قد تزوجتي شخصاً آخر !
تجمدت ملامحهُ لوهلةٍ فضحكت :
- تغارُ من شخصٍ ليس موجوداً !
أجاب بغيظ :
- أنتظرك عودتي ، سأردها إليكِ !
- كيف ؟
- أظنُّكِ لم تجربي الغيرة من قبل ! ما رأيكِ أن أعلمكِ ؟
ارتاعت ملامحي و بصوت منخفضٍ أجبت :
- آسفة !
ضحك و كذلك فعلتُ أنا ، فقال :
- سأحتفظُ بها في دُرج مكتبي ، سأغلقُ عليها و آخذ المفتاح معي ، ما رأيك ؟
- رائع  !
ران عليا بعض الصمت و بقيت عيناهُ معلقتان عليّ ، و نظرةٍ طويلة لم أستطع تفسيرها :
- عندما أعود .. لا أريد أن أفترق عنكِ مجدداً .
- أنتَ رومانسيٌ جداً اليوم !
- .. أشتاقُ إليكِ منذُ الآن .
- أعلم !
وضع يدهُ على وجهه في سخرية :
- لا يُمكنُ للشخص أن يكون رومانسياً معكِ !
- و أنا أيضاً !
نظر إليّ فتابعت :
- و أنا أيضاً أشتاقُ إليك !
.
.
.
.
.

فتحتُ عيناي من حلمٍ لا أذكرُ تفاصيله لأجد نفسي أردد باكيةً :
- و أنا أيضاً  ... أشتاقُ إليك ، لكن ...
نهضتُ متوجهةً إلى مكتبي المليء بالأوراق البعثرة و الخربشات العشوائية ، أحكمتُ قبضتي على بعض الأوراق في يأس و تابعت :
- لم لا أستطيعُ تذكُّرك ؟!

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 01, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

غُبِارُ الذّاكِرَة ..!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن