كان جالسًا على مقعده في هدوء يراقب الشّبان أمامه، بعد أن حضرُوا في الموعد الّذي حدّده لهم ليلة الأمس بعد رسالتهم اللّطيفة، انتبه لوجود توأم في المجموعة ما جعله يبتسم لا إراديًا، هذا يعني أنّه على موعد مع مرح منقطع النّظير. قطع حبل أفكاره ذاك وقرّر أن يكسر لحظات الصّمت المحيطة بهم فلابدّ أنّها تزيدهم توتّرًا على توتّرهم. قام من جلسته وابتسم في طيبةٍ ليقول بصوته الهادئ:
-يسرني حقًّا أنّكم جئتم في الموعد كنت بانتظاركم حقًّا، والآن هلّا عرّفتموني عليكم؟
تقدّم هنا أحدُ التّوأمين بشعره البنبّي وبشرته الحنطية وقد غلب عليه الحماس ليقول بابتسامة واسعة:
-أنا ألف، أستاذ ملهم وهذا توأمي المعتوه دال.
احتدّت عينا المقصود لتفلت من ملهم ضحكة قصيرة وقد تيقّن من ظنّه السّابق، ثمّ مدّ يده وسلّم على كليهما مرحّبًا:
-تشرّفتُ بلقائكما دال وألف.
همّت إحدَى الفتاتين بالحديث، لكنّ الشّاب الّذي لم يعرّف عن نفسه وكزها في ذراعها قائلًا:
-السّادة أوّلًا!
أتبع عبارته بغمزة لعوب، وقبل أن تعترض بشيء قدّم نفسه لملهم قائلًا بابتسامته الجذّابة:
-أدعى راء يا سيدي وإنّه لشرف لي أن أتعلم على يديك.
ثمّ انحنى بطريقة مسرحيّة قبل أن يصافحه ملهم وقد استغرب من أنّ صاحب النّظرات المتعجرفة هذه قادر على التّحدّث بهذا التواضع، دفع أفكاره جانبًا وهو ينصت للفتاة ذات الملامح الطّفولية والشّعر الأشقر أو البنيّ فهو لم يستطع التّحديد حقًّا وهي تقول بابتسامة لطيفة:
-أنَا تاء يا سيدي.
تنحّت بعدها جانبًا لتفسح لصديقتها صاحبة النّظرات والابتسامة الودودة المجال؛ حتّى تعرّف عن نفسها هي الأخرى:
-أنا همزة، تشرّفت بلقائك.
ابتسم في وجهها بودّ، وراح يفكّر مع نفسه أنّ بمجموعته المتكاملة: مجنونان، متعجرف، طفلة ورزينة، يال سعادته! قادهم إلى القبو حيث يعمل عادة وقد حمل كلٌّ منهم كرسيًّا ليجلس عليه بالأسفل، وما إن استقرُّوا حتّى استفتح ملهم الحديث مخاطبًا إيّاهم:
-هنا أعمل في العادة، قد قمتُ بترقيم الكتب المبتذلة لديّ وفي كلّ مرة أرمي النّرد وأختار الكتاب صاحبَ الرّقم الموافقِ لرقم النّرد الظّاهر.
كانوا يستمعون له في تركيز وحماس شديديْن، قبل أن يقول ألف بابتسامة واسعة:
-إذًا أوّل خطوة لدينَا هي رمي النّردِ!
أومأ ملهم برأسه إيجابًا دون أن يمنع نفسه من الابتسام على تسرّعه، ثمّ قادهم حيث طاولة النّرد، عقدَ حاجبيه في استغرابٍ وهو يراقبهم يجتمعون مشكّلين حلقة؛ قبل أن تتّسع عيناه دهشة وهم يلعبون أمامه:
أنت تقرأ
خلف باب الرداءة
Non-Fictionتترابط مليارات من الأعصاب والناقلات، وتسير ملايين السيالات العصبية في ماكينة الأفكار المسمّاة بالعقل، وكلّ ذلك من أجل أن ينسج فكرة واحدة بسيطة يمكن اختزالها ببضع سطور! إبداع هو ذلك، كما هي الأفكار... ولكن ليس الجميع يحب إرهاق عقله من أجل صنع فكرة...