نرجسية كومبارس
تأليف
حسين عبد الحسن محسنهناك غريق في قهوتي يجذِّف بملعقة ذائبة ، والسُّكَّر لا يذوب إن لم تكن الشفاه على ما يرام ، التفتُّ إلى جميع الاتجاهات خشية أن يراني أحد وأنا أَمُدّ سبابتي إليه لإنقاذه ، آه يا لها من ملامح تخلق النصر لها ولا تَنْتَصِر ، يهزمها الجميع ولا تُهْزَم ، رصاصة هامشية تمسح على رأسه وتبتعد ، كُسِرَت سَاق حصانه بحادث يتخطى الهواء والسرعة وحواجز اللمسات الأخيرة ، عابر السبيل وعابر العدوى يلهمان مرآته التي تتساقط منها أحجار ضاحكة ، يَشمّ رائحة اِنسكابه من مسافة متوازية الأضلاع ، ولأني أُحبّكِ اهجريني ، فأنا لا أشبه العشاق في شيء صدقيني ، آخر ما أرجوه منكِ أن تنطقي اسمي وداعًا ، ثم ماذا ؟! ثم هيا ودعيني ؛ إن ما نعتاده نتقن التحكم فيه كالدموع مثلًا ، أستطيع أن أُرتِّب تساقط دموعي كعنقود عِنَب ، ولأن الغريزة للحياة والعقل للعدم أحببتكِ بلا شعور وبلا وعي ، أتذكرين حين مازحتكِ وضحكنا ، قلتُ لكِ : لو سرتُ على حبل مشدود بين أعلى قِمَّتَين لنظرتُ إلى الأسفل لعلي أراكِ فأحافظ على توازني فلا أسقط ، حينها كم كنتُ أمزح جَادًا كُلّ الجِدّ ؟! أتذكرين كم كنتُ خجولًا مُحْمَرّ الوَجْه أتقمص دور اللحظات الأخيرة من حياة الذي مات اِختناقًا ؟! لن تتذكري ، كم مرة عَلَيَّ تذكيركِ كم أنتِ تنسين ؟! بينما كنتِ تستحمين بمياه النسيان كي تزيلي وسواس التجاعيد كنتُ أستحمّ في ساعة رملية أترقَّب عودتكِ بفارغ الصبر وبممتلئ الذاكرة ، تبختري وأطلي من ثقوب الرِّيح والخيمة مثل راقصة التفاصيل الصغيرة ، داعبي شَعْركِ وانظري إلى الوراء ، هناك دِيك أبيض صغير يتنحنح وهو يرفع شرائط الشروق الحمراء عن عينيه ، في مَرْبَط الوهم يعاقر كأسي خَمْره ويوبخ ما يرمى من القمح كَخُبْز وكَعْك قبل أن يغدو دَقِيقًا ، فالجائع مثلي يا حبيبتي لا يجيد الانتظار ، مغامر يتفرَّق بين الروابي وينحدر من خَصْر الجبال والسهول إلى خَصْركِ الذي ضعتُ فيه كقاموس لغة اِندثرَت ، سألتُ نفسي هل ستسعفني لغة الجَسَد لأمارس شيئًا من التورية كأن أُلَوِّح لها بيدي فإن قالت هو التوديع قلتُ كَلَّا هو الترحيب ؟! مُتْعَب من كُلّ شيء ، مُتْعَب من فطرتي في التعبير عن واقعي الخيالي ، بيني وبيني جِسْر من جذوع أشجار نَخِرَة ومهندس معماري يقيس دهشة أقدامي التي اِتَّخذَت شكل دَوَّار الشمس على وَقْع خطواتكِ ، عندما تكون الأرض والقمر ونافذتي المفتوحة على اِستقامة واحدة تظهر وحدتي كعارضة أزياء الستائر ، لن يُغَرِّد بُلْبُل هذا الصباح إِلَّا بَعْدَ أن يَدهن حنجرته بِحَلِيب الخشخاش ، أتسلق النخلة كي أستعيد ما فات مني من عِنَاق تحاصره إشارات المرور من كُلّ جَانِب ، ولا أجني التمور إِلًّا نبيذًا ، لدي شَرْشَف من تقلص الهواء الرطب على سرير فزاعة للكوابيس ، إن قلبي مسرح للهاربين من الصراحة ، كم ثَأْر لدي تركته يتأمل خيبته على ضفاف الميتافيزيقا ؟! لا مَطَر ، وجفاف دجلة يوحي باكتشاف عريق ، لا مَطَر ، وجفاف الجَبِين يشير إلى نَدًى عذريّ يأبى الوصال ، لا مَطَر ، والسمكة لا تبكي إن لم يكن اللقاء على اليابسة ، لا مَطَر ، وصلاة الاستسقاء يتيمَّم لأجلها الغَمَام ، تعرَّض فستانكِ لنور القمر أكثر من اللازم فاهترأ ، وكما عادت سندريلا حافية القدم عدتُ حافي القدمين أبحثُ عن حذائيَّ لعلي إن وجدتهما أجد صاحبهما ، في العراق أرى بائعة الكبريت تبيع السجائر أيضًا ، وكُلَّمَا شَعَرَت بالبَرْد أشعلَت سيجارة وتخيَّلَت جَدَّتها ، في العراق ينام الحَمَام مُحَلِّقًا فلا شجرة تخلو من الكمين ، وفي العراق هناك أطفال يرشون المِلْح على الحَلْوَى خشية أن تؤلمهم أسنانهم ، وفي العراق تهتزّ الأراجيح خالية ، اِحترامًا لأطفال لا وقت عندهم لِلَّعِب ، وفي العراق يبيع الباعة المتجولِين أعضائهم ، وفي العراق لا تُذَكِّرنا الموسيقى إِلَّا بِبَائِع الغَاز ، يحكمنا ألف نمرود مقابل إبراهيم واحد سَئِمَ من معجزة أن تكون عليه النَّار بَرْدًا وسَلَامًا .
25 أكتوبر 2022