1

3.2K 150 11
                                    

*بزوغ القمر*

"1"

البحر شديد الزرقة كالياقوت المذاب تحت آشعة شمس لاهبة راحت تلقي بآشعتها المذهبة علي الشاطيء ..
بينما"نور" تقف في شرفتها تشد بأصابعها العارية علي السياج وهي تتنشق نفسا عميقا من الهواء الدافيء المعطر برائحة البحر و الأزهار و النباتات المتناثرة هنا وهناك ..
إنها فتاة غاية في الرقة و الجمال .. طاقة من نور كـ أسمها .. رغم العتمة التي إحتلت نظرها .. كم إنها تشعر بسعادة بالغة في حين تواجدها بهذا المكان فيما يشوب الكدر هذه السعادة بسبب إنعدام بصرها الذي فقدته منذ عام بحادث مروع ..
أغرورقت عيناها بالدموع حينما تذكرت تلك الليلة التي فقدت فيها والديها وبصرها أيضا .. تذكرت كيف إنقلبت بهم السيارة لتستقر مهشمة علي الطريق ينفث منها الدخان ..
تذكرت كيف وجدت نفسها وحيدة بعالم مظلم حالك ليس به بقعة منيرة .. و لكنها إعتادت أن تضبط إنفعالاتها و مشاعرها منذ صغرها .. وهي الأن تتعلم كيف تصبح قوية صلبة كالحجر .. فـ هي فقدت كل شيء ولم يكن هناك من يعطف عليها  سوي جدة هي كل ما تبقي لها من العائلة ..
إنها تتردد في أن تفتح قلبها للناس أو حتي للأشياء .. فقد أدركت أن الناس يتقبلون الواثقين من أنفسهم فقط و يرفضون الضعفاء .. كما أيقنت أن الناس لا يميلون إلا للذين يتمتعون بالجمال و الإثارة برغم من إنها آية في الجمال يعجز قلم أبلغ الشعراء عن رسمها بالكلمات إلا إنها تحقد علي هذا المنطق اللعين الذي يتبعه البشر ..
تملك مال .. يحترمك الجميع .. تملك جمال .. يتهافتون عليك !! ..
في تلك اللحظة دخلت الجدة متهادية إلي الغرفة ورأت "نور"سارحة في أفكارها فقطعت حبل أفكارها قائلة:
-يا نور .. إيه يا بنتي هو أنا كل ما هدور عليكي يا ألاقيكي نايمة يا ألاقيكي واقفة كده في الشباك .. أدخلي بقي و تعالي أنا عايزة أتكلم معاكي.
إستدارت"نور"بخفة ثم بحثت عن عكازها بهدوء حتي وجدته .. فأمسكت به و تقدمت صوب جدتها ثم قالت باسمة:
-إيه يا تيتة .. مالك بس زعلانة كده ليه؟؟
-يا بنتي قاعدة لوحدي ليل و نهار و إنتي في وادي تاني خالص.
-معلش يا تيتة.
قالتها معتذرة وهي ترسم إبتسامة ودودة علي شفتيها بينما أخذت الجدة يدها وقادتها إلي خارج الغرفة حيث جلسا قبال بعضهما بغرفة الجلوس .. تنهدت الجدة قبل أن تقول:
-تعرفي مين كلمني من شوية.
سألتها"نور"بإبتسامة عذبة:
-مين؟؟
-خالد أخوكي.
تحولت إبتسامة"نور"إلي مسحة قوية من الألم كست وجهها فقالت بتهكم:
-و كان عايز إيه المرة دي؟؟
ترددت الجدة ثم قالت بعد صمت ثقيل:
-إتصل و قال أن القضية إتحكم فيها.
فسألتها"نور"بلهفة وهي تحدق أمامها للا شيء:
-و كان إيه الحكم؟؟
إقتربت الجدة منها و ضمت يدها الصغيرة بين يديها بحنان ثم قالت بصوت خفيض بدا حزين:
-بقي هو الوصي عليكي و علي أملاكك بما إنك ...
صمتت قليلا ثم تابعت بمرارة:
-بما إنك ضريرة!
لوهلة نست"نور"قوتها و صلابتها فسقطت دموعها علي وجنتيها الناعمتين بغزارة ثم قالت من بين تشنجات صوتها الباكي:
-إزاي بقي هو الوصي عليا ؟! .. إزاي و هو عمره ما سأل فيا .. إزاي هو مش معترف إني أخته بمجرد إني مش شقيقته .. إزاي و هو طول عمره بيكرهني .. إزاي وهو راميني هنا وسايبني معاكي ؟؟ .. إزاااي؟!
إنتهت"نور"من كلامها ثم غرقت في نوبة من البكاء و النحيب فضمتها جدتها إلي صدرها وراحت تربت علي شعرها بحنان قائلة:
-أهدي يا حبيبتي .. خلاص محصلش حاجة أنا هنا أهو معاكي و مش هاسيبك .. من أمتي بتضايقي منه بالشكل ده ؟ .. بس بس .. خلاص أهدي.
زاد بكاء"نور"أكثر فرفعت ييديها المرتجفتين و دفنت وجهها بين راحتيها فقد أصبحت الأمور أكبر من قدرتها علي الإحتمال فـ هي لها أخا .. ليس له قلبا .. لا يكن لها بقلبه سوي الكراهية و كم هي سعادته الأن لأنه حصل علي إرثها الذي هو حقها الشرعي كونها أبنة أبيه كما يحلو له مناداتها .. لم تذكر يوما أنه قال شقيقتي ..
دائما ما ينفر منها و يتجنب رؤيتها .. أيمكن أن يكون هذا أخا ؟ّ!! .. أيستحق اللقب ؟! .. أيستحق أن يكون الوصي القانوني عليها ؟! .. كيف هذا ؟!!

بزوغ القمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن