2

1.6K 117 15
                                    

ظلت"نور"تتململ بين ذراعي ذاك المجهول و هي تبكي بهسترية فيما أحكم قبضته عليها ثم أمسك و جهها بكلتا يديه و أقترب من أذنها ثم همس قائلا:
-هشششش .. أهدي .. أهدي يا نور .. أهدي متخافيش.
مازالت تتخبط بين ذراعيه وهي تبكي كالمجنونة ثم قالت و الدموع تبرق بعينيها المظلمتين:
-إنت مين ؟ .. عرفت إسمي منين .. عايز مني إيه و دخلت لحد هنا إزاي؟!
سألته و هي ترتجف خوفا:
-إنت مين ؟ .. لو جاي عشان تاخد حاجة من البيت فـ أنا بقولك ماتضعيش وقتك لأنك مش هتلاقي أي حاجة .. فـ من فضلك أمشي .. أنا إنسانة ضعيفة زي ما إنت شايف و مش هقدر أدافع عن نفسي .. أرجوك .. ما تآذنيش.
أغمض عينيه بألم عندما قالت ذلك .. فربت علي شعرها بحنان فشعرت هي بشيء من الأمان بينما قال بهدوء:
-بس .. أهدي .. صدقيني أنا مش جاي آذيكي يا نور .. مستحيل آذيكي أنا بحبك.
وقعت تلك الكلمات في نفسها محل وقعه .. فتجمدت بين يديه وقالت متعثرة:
-قـ .. قلـ .. قلت إ إيه؟؟
مال مرة أخري صوب أذنها ثم قال متمهلا:
-قلت .. أنا .. بحبك.
أحست بتيار جارف إجتاحها فترنحت من كثرة الخدر الذي شعرت به ..
فأمسك بيدها و قادها نحو مقعد يتوسط غرفتها .. أجلسها فوقه ثم جثي علي ركبتيه أمامها وقال بهدوء:
-ممكن تهدي .. أنا مش عايزك تخافي كده .. صدقيني أنا مش جاي آذيكي.
أعادت عليه سؤالها مجددا:
-إنت مين؟؟
صمت قليلا ثم مضي بالقول:
-إنتي تعرفيني .. زي ما أنا عارفك بالظبط .. لكن أنا قررت أكون معاكي بس في ضلمتك .. مقدرش أقولك أنا مين و إلا هتكون نهاية كل حاجة بينا .. بس وعد مني إني من دلوقتي عمري ما هاسيبك .. و هفضل جنبك علطول.
يا إلهي ! .. ما سر هذه الجاذبية ؟! .. كيف يفعل ذلك .. كيف لا أصرخ .. كيف أنصت له كيف أنصاع لأوامره ؟! .. من هو !! ..
أوقظها صوته الرقيق:
-أنا مضطر أمشي دلوقتي .. بس أكيد راجعلك تاني.
ثم شعرت به يمرر أنامله علي وجهها و من ثم أمسك يدها و طبع قبلة ناعمة مطولة عليها .. ثم نهض وقال لها مودعا:
-سلام يا نور !
رحل ذلك المجهول ! .. و ظلت هي صامتة طيلة نهارها .. حتي الليل .. بدأت أجنحة النوم تحوم فوق عينيها و هي غير قادرة علي إبعاده عن ذهنها .. سنكون معجزة فعلا إذا إستطاعت أن تهرب منه ! ...
و لكنها عاندت خيالها و إتجهت نحو فراشها ثم إستلقت عليه .. رتبت الوسادة تحت راسها و أراحت جسدها المنهك ..و لا شعوريا غطت في سبات عميق ! ...

*******************************************************

أشرقت شمس نهارا جديدا .. محملة بأحلام .. أو ربما أوهام .. و لكن الأوهام لم تعرف طريقها أبدا لـ"خالد" .. فـ هو شخصية واقعية يضع إحتمالات لكل أمر .. يزن الأشياء بمهارة فائقة ..
هكذا هو كان و مازال منذ حداثة سنه ! ...

كان بالإسطبل .. منهمكا بالإعتناء بحصانه المريض فلم ينتبه لوجود صديقه"هشام"الذي جاء لتوه بل كانت يداه تربتان علي ظهر الحصان المريض بلطف و حنان وهو يخاطبه بصوت خافت ناعم إلي أن أوقظه صوت"هشام"الذي هتف قائلا:
-أمرك غريب يا صاحبي .. إللي يشوفك و إنت بتعامل الحصان بتاعك بالرقة والرحمة دي يقول عليك إنسان بجد .. علي عكس المسكينة أختك إللي طردتها و رميتها برا بيتها بصراحة أكبر ندل شفته في حياتي ههههههه.
أنتبه"خالد" لوجود صديقه فألتفت إليه و رمقه بنظرة ساخرة ثم تقدم صوبه و سأله بتهكم:
-إنت إيه إللي جابك؟؟
رفع"هشام"حاجبيه بدهشة قائلا:
-واضح إنك بقيت عديم الأخلاق خالص .. حتي مع صاحبك بقي في حد يقابل حد كده يا راجل !
تأفف"خالد"بضجر قائلا:
-هشام .. أنا مش ناقصك و حياة أبوك أنا تعبان أساسا و بقالي يومين مانمتش.
-و إيه إللي مانيمكش يا أستاذ و كنت فين صحيح من إمبارح ؟ .. غطست فين ده أنا قلبت عليك الدنيا.
لاحظ"هشام"العبوس علي وجهه لكنه سرعان ما إستبدله بإبتسامة خفيفة ثم قال بهدوء:
-طب تعالي ندخل نتكلم في البيت أحسن و بالمرة أخد دُش أحسن أنا مش طايق نفسي.
ثم توجها معا إلي الداخل .. جلس"هشام" بالبهو العاجي الكبير علي أحد المقاعد الوثيرة بينما تركه"خالد"و ذهب ليغتسل و يبدل ثيابه .. فلم تمر دقائق إلا و عاد"خالد" ثم جلس قبال"هشام"الذي بادره قائلا:
-هاه .. قولي بقي كنت فين؟؟
لم يجب .. كان يفكر بدقة بينما بقي وجهه جامدا و حاول"هشام"أن يستشف ما به و لكنه عجز كالعاده فإحتقن وجهه ثم قال:
-يا أخي إتكلم بقي .. مالك في إيه؟؟
نظر"خالد"إليه بيأس .. فكم وجد صعوبة في الأمر .. يريد أن يخبره كي يفصح عما بداخله ليرتاح قليلا في حين أنه خائف من ردة فعله و لكنه تنهد بالنهاية وقال:
-بصراحة .. أنا كنت فـ ...
صمت فجأة و كأنه بدل رأيه فـ باغته"هشام"قائلا:
-كنت إيه كمل !!
فكر"خالد"بحيلة ثم قال بسرعة:
-كنت بجيب دوا للحصانة دورثي.
حدق به"هشام"مذهولا ثم قال:
-نعم ياخويا ! .. بقي كنت غايب عن بيتك و شغلك يوم كامل عشان تجيب دوا للحصانة بتاعتك؟!
أومأ"خالد"رأسه المتعب بالإيجاب ثم قال:
-أيوه .. بصراحة لفيت علي الدوا بتاعها كتير بس كان خلصان في كل حته لحد ما دكتور دلني علي معمل بيطري في إسكندرية فـ رحت أجيبه من هناك.
قاطعه"هشام"بشيء من العصبية:
-إنت فاكرني عبيط يا عم إنت و لا إيه ؟! .. خالد .. إنت مش ملاحظ إن أحوالك متشقلبة من ساعة موت والدك ؟! .. من فضلك قول الحقيقة .. إتكلم يا صاحبي هترتاح .. إنت مارحتش تجيب دوا من إسكندرية .. صح؟!
صمت"خالد"قليلا ثم وجد أن لا جدوي من إنكار ذلك أكثر فقال بيأس:
-صح.
فإستماله"هشام"قائلا:
-أومال كنت هناك ليه ؟ .. كنت هناك عشان نور .. صح؟؟
هز"خالد"رأسه مصححا قوله بينما سأله:
-طيب كنت عندها ليه؟؟
لوهلة تردد"خالد"قبل أن يتحدث و يخبر صديقه بكل شيء ولكنه إستسلم بالنهاية و رضخ لفضوله فبدأ يسرد عليه كل شيء ..
شعر"هشام"بذهول عارم لدي سماعه كلام"خالد" .. فإعتلت الدهشة معالم وجهه ثم إنتظر لحظات قبل أن يقول:
-يا ليلة سودة ! .. إيه إللي أنا سمعته ده ؟! .. معقوله!
أجابه"خالد"بفطور:
-عرفت أنا عملت ده كله ليه؟ .. و عرفت أنا بتحرق و بتعذب من جوايا أد إيه
؟ سنين .. سنين و أنا بفكر فيها لوحدي .. سنين و أنا مبين إني بكرهها لكن بحبها و أنا لوحدي .. عارف .. هي عاملة كده زي الفاكهة المحرمة .. تمام زي تفاحة آدم.
-أه بس خلي بالك .. التفاحة دي هي إللي خرجت آدم من الجنة .. لأنها كانت محرمة عليه .. أتمني تكون فهمت و تبطل جنان بقي.
-وجنان ليه يا هشام ؟ .. جنان عشان بحبها و ...
قاطعه"هشام"بحدة قائلا:
-خالد .. كفاية إللي إنت قلته بقي .. كفاية خلاص .. أنا لحد دلوقتي مش مصدقك إنت إزاي بتفكر كده .. دي مصيبة و هتبقي كارثة لو حد غيري عرف .. أرجوك كفاية و أعقل و بطل تصرفاتك الدنيئة دي.
هب"خالد" بغضب واقفا ثم قال بعصبية:
-بتقول تصرفاتي دنيئة ؟! .. طيب إيه رأيك إني مش هسيبها .. طول ما هي في الضلمة هتبقي ملكي .. دي فرصتي الوحيدة معاها .. نور مش أختي سامع .. مش أختي .. نور حبيبتي.

بزوغ القمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن