روحه تتآكل .. كان ذلك الوصف الوحيد لشعوره البائس .. يكمل حياته كواجب فقط هارباً من حياته نفسها.. إلا أنه الآن متحمس للمرة الأولى بحياته .. في حياته الكئيبة كان هناك بصيص ضياء يطل برقة على عيناه الزرقاوان.. شعاع وردي لطيف شبيه بزهرة أفكاره التي باتت لا تفارق ذهنه .. بل وكأن وجودها أصبح السكينة لروحه المرتعشة .. ( شولي نوار نوفينشتاين ) كان اسم زهرته الجميلة ..
مضى وقت طويل منذ طلب جلالة الملك بمراقبتها .. أصبح ذلك الأمر بمثابة هدية لطيفة من الكون إليه .. لذا كعادته سيستعد ليبدو لائقاً كالسيد الشاب لمنزل الدوق نورمبرج .. والذهاب إلى الحفلة المقامة التي ستقصدها الماركيزة الشابة أيضاً ..على الصعيد الآخر كان منزل الماركيز نوفينشتاين يعج بالفوضى كالعادة .. وإن قل وجود الضوضاء عما كان من قبل إلا إن حماس هذه العائلة كفيلة ببناء إمبراطورية جديدة .. تحاول الماركيزة الشابة فض الشجار الذي اندلع بين ابنة الماركيز و شقيقها الأكبر إلياس الذي لا يبدو أنه قد كبر على الإطلاق .. وفي الوقت ذاته تنادي على الخدم لتستعد للحفلة وتلقي بالأوامر جيئة وذهاباً .. تتنهد بتعب شديد وتلقي برأسها على مقعدها وهي تأمر خادمتها أن تمشط شعرها .. أمضت وقتاً ليس بقليل وهي تفكر بحياتها .. بالأشخاص الذين ستقابلهم .. بالمسرحية التي عليها أن تقوم بأدائها .. عن القناع الذي ظلت ترتديه طوال اتخاذها ذلك القرار .. هي متعبة جداً وتعتقد أنها ليس بإمكانها الإستمرار بذلك أكثر .. كان بمقدورها الإستسلام ولكن ضميرها لم يمنحها الإذن لفعل ذلك .. ولهذا هي مضطرة لصبغ نفسها مجدداً بالأكاذيب وبتملق النبلاء لعلها توفي بوعدها لزوجها الراحل .. مضت الساعات المتبقية سريعاً بعجلة أفرادها المشغولين .. وتقدم الحبيب المزيف للماركيزة -التي اتخذته كدرع لكيلا تضطر للاستماع إلى تذمر والدتها المستمر- ماداً ذراعيه ليصطحبها معه إلى الحفلة ..
مضت الحفلة على ما يرام يتشاطر الأفراد بأفكارهم وبتملقاتهم المزيفة .. كل منهم يضع قناع كدرع يحميه ممن سيقابله .. الماركيزة تمثل دورها بإتقان كعادتها .. وكعادته هو فقط يراقبها ك شولي الحقيقية ! يراها تلك الطفلة اللطيفة التي ضحت بحياتها وأيامها في سبيل إنقاذ عائلة الماركيز وأطفاله .. الفتاة اللطيفة التي التمست جراحه ولاحظتها وأدخلت شيء من اللطف بداخله .. يحبها!!! هو جداً يحبها ! ولكن على هذا الحب أن يوأد .. أن يستأصل من أعمق جذوره.. بل عليه ألا يتواجد أبداً ..
انخرط ببعض الأحاديث لبرهة حتى أنه لم ينتبه إليها حين تسللت بهدوء من بين الجموع إلى الطابق العلوي .. حين رأى أن مرافقها لا يزال بمكانه ظن أنها قد ذهبت إلى الحمام أو ما شابه ولذا بقي يراقب بهدوء كعادته والتحدث مع من حوله لألا يثير الشبهات .. أما شولي .. شعرت برغبة عارمة للهرب .. أحست بأن أيدي الحاضرين تطبق بشدة على عنقها .. أرادت استنشاق بعض الهواء لعله يطفئ براكين الإرهاق بداخلها.. كانت الشرفات تتواجد فقط في الطابق العلوي لذا سمحت لنفسها بدخول غرفة مظلمة بعيداً عن ضوضاء وأعين الجميع .. فتحت بهدوء الشرفة .. تلألأت النجوم فوقها بحيوية أدخلت السرور إلى قلبها .. ابتسمت بسعادة بعد أن أدخلت كمية كبيرة من الهواء البارد إلى رئتيها .. شعور كهذا كان كل ما تحتاجه .. عادت للداخل قليلاً لتجلس على الأريكة المقابلة تماماً للشرفة .. تطلعت بهدوء نحو القمر المكتمل المضيء الذي بعث بضيائه لداخل الغرفة وأنار لها قليلاً من المكان .. بقيت سارحة بخيالها لفترة من الوقت ولشدة تعبها والشعور الذي غمرها بلطف غفت بهدوء في ذلك المكان الهادئ ..لم يتمكن من احتمال هذه الأجواء لمزيداً من الوقت .. ولأن الماركيزة أخذت وقتاً أطول مما ينبغي اندفع للخارج بكل سرعة فهو الخبير بذلك الأمر على كل حال .. شعر بروحه تتجدد حينما لامسته النسائم الباردة .. تمشى بالحديقة لبرهة من الوقت حتى لاحظ الشرفة العلوية التي تتطاير ستائرها برفق مع النسيم .. لذا أراد اختبار قدراته في التسلق ككسر للروتين.. ولهذا وكعادته هو فقط ووحده من يمكنه ذلك .. قفز بسرعه متسلقاً لأعلى ضارباً بكل تعاليم الأرستقراطيين بعرض الحائط .. تسلل بهدوء وشعر بالزهو بنفسه أنه لم ينسى ذلك حتى بعد مرور بعض الوقت .. إلا أن ملاكه الذي سلب فؤاده، سلب عقله بعنفوان شديد هذه المرة.. رأى زهرة أيامه تنام بجمال يفوق الوصف .. وقف في مكانه دون حراك .. صامتاً .. لم يجرؤ أي مما حوله بحثه على الإقتراب أو إصدار أي صوت .. ولكن .. لبرهة قليلة .. بصوت خافت جداً أشار إليه قلبه أن ينساق إليها .. أن تقاد خطواته كما تنقاد مشاعره بتوق إليها.. مضى بخطوات تكاد لا تكون حتى وقف فوق رأسها يتأمل بغبطة شديدة جمالها الخلاب .. يشعر بقلبه يعتصر حتى كاد أن يختنق.. ليته يستطيع أن يكون بهذا القرب منها دائماً .. ليت بإمكانه إظهار نفسه بكل فخر أمامها .. أرادها أن تكون له ولكنه ملطخ جداً لأن تنغمس تلك الحسناء بوحل أفعاله .. نزع بهدوء شديد معطفه الدافئ وأحاط جسدها الرقيق به إلا أن طبيعة تلك الأخرى الحذرة نزعتها من غفوتها لتستيقظ على الفور .. كان قريباً منها !! قريباً إلى درجة أن صورتها تنعكس بوضوح في عيناه الزرقاوان .. العينان اللتان اخترقتا قلبها بشدة لسبب لم تفهمه .. وفي هذه اللحظة المليئة بشتى المشاعر انتفض قائماً واعتذر بصوته الذي يطرق الأفئدة بعذوبته :
أعتذر بشدة سيدتي الماركيزة لم أرغب بإزعاجك !أرادت الوقوف على عجل حتى أن المعطف فوقها قد انزلق وهي تردد :
لا بأس سيدي أنا آسفة كنت ...إلا أنه قاطعها بنبرة لم تجد لها تفسير .. نبرة هادئة حانية ك يده التي التقطت المعطف وثبتته بإصرار فوق جسدها ليحثها على الجلوس ويقول :
ليس عليك الاعتذار سيدتي .. لم أعلم بوجودك هنا ومن حقك أخذ بعض الوقت لتستريحي فيه .. رجاء اعذري وقاحتي وأعدك أني لن أقاطع استراحتك مجدداً ..وقبل أن يسمح لها بالشرح أو فهم الموقف بشكل جيد كان قد رحل بسرعة كما قد اقتحم المكان بسرعة أيضاً .. ظلت في مكانها مشدوهة لم تستوعب ما حصل .. حاولت أن ترتب نفسها قليلاً التقطت المعطف الذي حصلت عليه بالإجبار وما كان منها إلا أن ضحكت على الموقف بالكامل .. لفته جيداً حول يديها وكان ينبعث منه رائحة الحطب .. شيء كتلك الرائحة كان ما أحسته تجاه ذلك الوسيم المجهول .. دافئ .. شعرت بطمأنينة كبيرة تلف قلبها ومواساة رحيمة تربت برفق فوق جبينها .. لا تعلم لم ولكنها كانت وكأنها قد شحذت قوتها من جديد وعلى استعداد لمواصلة المسير غير مدركة بالحرب الذي اشتعلت نيرانها بقلب المندفع مسرعاً هناك ..
أنت تقرأ
A stepmother marchén - fan made
Fanfictionهذه أحداث خيالية من وجهة نظري : ماذا لو أن شولي تعرفت على نورا في حياتها الماضية ؟ ماذا لو تشابك مصيرهما عند كبرهما للحظة مثلما تشابك في صغرهما؟