مواجهات ..

131 7 17
                                    

منزل عائلة الدوق نورمبرج وعلى خلاف منزل الماركيز قاتم كئيب كعادة أفراده.. ولكن كان هذا اليوم أشد قتامة على قلب نورا من المعتاد.. منذ أن أرسل تلك الرسالة الممتلئة بالأكاذيب أصبح يرى العالم باللونين الأبيض والأسود .. يحاول جاهداً أن يقنع نفسه بأن هذا كان الأفضل لهما ! هي سيخيب أملها به إن اقتربا أكثر على أي حال.. لذا سيكون أكثر سعادة إن هو أحبها من مسافة بعيدة كما كان الحال دائماً .. طرق الباب عليه مرة أخرى وأطل كبير الخدم بهيئته الهادئة والرصينة من خلف الباب ليقول :
- سيدي الشاب ! كبار عائلة الدوق نورمبرج مجتمعون اليوم وسيتناولون العشاء سوياً .. لذا أرسل الدوق لتنضم إليهم ..
ازداد الثقل على قلب نورا وكأن الأمور تتنافس على أن تزداد سوءاً .. هل يهرب؟ هل يتظاهر بأن رسالة من الإمبراطور قد أتت إليه بشكل عاجل؟ أم يرفض الانضمام إليهم؟ فهو على كل حال قد تمرد في عيون العائلة ..تمرد آخر لن يضر! تنهد بتعب ليلقي إيجابه على الخادم المنتظر هناك .. هو بطريقة أو بأخرى سيلتقي بهم إن آجلاً أو عاجلاً لذا تعجيل الأمر لن يغير شيئاً .. على أي حال هو يشعر بشعور تعيس هذا اليوم لذا فليواجه كل التعاسة دفعة واحدة.. طلب من الخدم تجهيز ردائه للوليمة ..تفحص شكله في المرآة بعد أن استعد وكأنه يعطي نفسه جرعة شجاعة قبيل النزول إليهم .. كان أفراد عائلة نورمبرج مجتمعون حول المائدة يتبادلون الأحاديث وبانتظار تناول الطعام حتى دخل عليهم نورا ليعم الصمت ويزداد الجو المحيط كثافة وضيقاً .. انحنى لتحيتهم بهدوء وأطلق أحدهم تعليقاً صارخاً يقول :
- ماذا أرى؟ الابن الضال قرر العودة للديار؟
تظاهر نورا بالابتسام ساخراً وجلس دون أن يلقي لردود أفعالهم بالاً .. تحدث رجل آخر بهدوء :
- أما آن الأوان لتعود لرشدك ؟
ابتسم نورا بتهكم هذه المرة وقال بسخرية :
- ياللعجب !! فأنا لم أفقد عقلي بعد !!
غمغم الجالسون باستنكار وتحدث آخر قائلاً :
- ستبلغ السن القانوني عما قريب .. عليك أن تكون جديراً باللقب الذي سترثه ..
التفت نورا إليه ضاحكاً ساخراً بما أن كل كلمة ينطقونها تدعو للدهشة :
- أي دور تخططون إعطائي إياه هذه المرة ؟ أما يكفي أني أصبحت فارساً للبلاط الملكي كما تريدون ؟
نظروا لبعضهم مستهجنين لردة فعله وهتف أحدهم بوالده موبخاً:
- يا للوقاحة !! ألبرت! لقد دللته كثيراً حتى أصبح سليط اللسان هكذا.. كان عليك أن تحسن تربيته ! كيف لا يحترم كبار العائلة !!
بعد أن سمع نورا توبيخهم واتهامهم لوالده همّ واقفاً وتحدث بنبرة غاضبة :
- إن كان يجب أن يلام أحد في هذا ليس والدي بل أنتم! أي مما سأقوم به سيكون بنظركم بلا جدوى ومجرد مضيعة للوقت! لعلمكم لم يعد يهمني أمركم فلتظنوا بي ما شئتم ولكن اتركوا والديّ وشأنهم .. وأما اللقب يمكنكم إيجاد طفل آخر غيري يمكنه أن يلبي توقعاتكم !
بعد أن أنهى كلامه بادر بمغادرة الغرفة إلا أن والدته الرقيقة تشبثت بذراعيه بضعف ورجته أن يعود !! أمسك يديها بلطف وأفلتها معتذراً على عصيانها وغادر المكان .. ما إن خرج حتى تبعه رئيس الخدم ليخبره بتلقيه رسالة الماركيزة.. أخذها نورا بسرعة وبلا أي تعابير مخالفاً بذلك الشيء الذي بداخله والذي ينذره بسوء آخر .. هرع إلى حيث كان متجه إلى غرفته ما إن وصل حتى قرأها وكانت كل كلمة وكأنها طعنات تدمي قلبه .. ضحك بتعب .. بسخرية .. يا لله .. حتى فتاته فشل في إسعادها !! ألا يمكنه فعل أي شيء بشكل صحيح ولو لمرة واحدة !! غطى عينيه بكلتا يديه وثقل العالم كله فوق صدره تائهاً لا يعلم إلى أين يكون المصير !! كان بإمكان ذلك أن تكون فرصة سعيدة في طريقه ولكنه وكما عادته فرط بها .. وهو يعلم أنه سيندم على ذلك طوال عمره !!

A stepmother marchén - fan madeحيث تعيش القصص. اكتشف الآن