خَيالات ديسمبر

28 3 3
                                    

تجلس بجوار النافذه وهي تراقب الطرق شاردة تتذكر يومها الأول في شهر ديسمبر
و تري تلك الليلة الشتوية البارده أمام عينيها ..
منذ شهرين ..
وهي تجلس في المقهي  تتحدث الي قهوتها وتشكو إليها من الوحدة و تتمني لو كان لديها رفيق ليشاركها حديثها و احداث يومها  سمعها أحدهم واقترب منها و حاول أن يتودد لها وبدأ كلامه قائلا " انتي جيتي الحي جديدة هنا "
اومأت برأسها قائلة " اه "
سألها " عايشه لوحدك ؟"
ردت " اه لوحدي "
سألها " اسمك ايه "
ردت " مريم .. وانت اسمك ايه "
قال " يحيى "
= انتَ تعرف كل الاماكن هنا
- اه انا جيت هنا ايام الكلية و بعدين كملت هنا واشتغلت
= الوقت اتاخر لازم اروح
- انتي ساكنه قريب من هنا
=عمارة ٣٧
- ممكن اوصلك
= مفيش مشكله
ثم ذهبا معا الي بيت " مريم" و أخذ المطر ينهمر فوقهما و هم يتحدثان حديث تعارف طويل ملئ بالشغف من كلاهما وعندما وصلا الي بيت مريم قال لها يحيى : ممكن اشوفك تاني ؟
مريم قالت بحماس " بكرة الساعه ٧ "
ابتسم يحيى وقال " هستناكي تحت البيت ..تصبحي على خير "
= وانت من أهله
و صعدت مريم الي بيتها وأخذت تتبختر على سُلم بيتها اللذي كانت تراه أكثر شئ مرهق في حياتها حتى وصلت إلي منزلها و رن هاتفها
و ترد لتجد من يقول لها " مريم متنسيش تاخدي الدوا "
فقالت بقلة اهتمام " حاضر " و أغلقت الهاتف على الفور وخلدت الي نومها وهي متحمسه للقاء يحيى و قلقة في الوقت ذاته و بينما هي شاردة في أفكارها غلبها النوم و استيقظت اليوم التالي وهي مليئة بالحماس و أعدت أدواتها لتذهب الي الجامعه و بينما هي تأخذ قهوتها يرن هاتفها فتتجاهله و يرن مرة أخري و تتجاهله مرة أخري ثم تصل لها رساله " متنسيش تاخدي الدوا يا مريم "
و تنظر إليها مريم بتجاهل ثم تأخذ حقيبتها و تخرج الي محاضراتها الصباحية اللتي تكرهها و تجلس كعادتها شاردة لا تهتم بما يقال في المحاضرة ولكن هذه المرة مريم سعيده و متحمسه للقاء اليوم و تفكر فيما ترتديه الليلة 
و انتهت محاضراتها اليوم و ذهبت الي بيتها مرة أخرى لتستعد لمقابلة يحيى وارتدت معطف أسود اللون وهو لونها المفضل و في تمام الساعه السابعه كانت تنتظر أمام بابها كمان اتفقا بالأمس و بعد دقائق وجدته أمامها و ابتسمت له وقالت " ازيك"
رد " الحمد لله انتي ازيك يومك كان عامل ازاي "
= زي كل يوم وانت؟
و بينما هم يتشاركا احداث يومهما بدآ جولتهما حول الحي لكي يجعلها يحيى تتعرف علي كل ما فيه و بعد ساعات انتهت جولتهما حول الحي ووقفا معا عند منزل مريم يتحدثان و عندما أنهيا حديثهما كانت مريم كادت تطير فرحا و عندما صعدت إلي منزلها رسمت صورة ليحيى وقررت أن تهديها له غدا خلدت الي النوم إلي أن جاء اليوم التالي و مر مثل كل يوم و جاء موعد لقاء يحيى وهو الجزء المفضل في يومها
و ذهبا ليشربا القهوة معا و يتشاركا احداث يومهما كعادتهم و بينما حل الصمت بينهما أخرجت مريم رسمتها ليحيى من حقيبتها وهي مبتسمه
تفاجأ يحيى و ابتسم لها وقال : انتي اللي رسمتيها ؟
= عجبتك ؟
-جدا
ابتسمت له مريم و شردت في تعبيرات وجهه المعبرة عن إعجابه برسمتها
مرت ايام و اسابيع وهم يتجولا معا كل يوم تقريبا و كل يوم يزداد تعلق مريم به و اصبح هو الجزء المفضل في يومها و ظلت معه عده اسابيع بل شهرين على هذا النمط ولكنها كانت لا تمل منه ابدا
احدي ايام فبراير الاولى ..
استيقظت مريم على صوت أحدهم يرن جرس الباب بقوة و بسرعه و ركضت مريم لتفتح الباب مسرعة لتجد اختها " سُمية" على الباب و يملأ الغضب وجهها قائلة لها : مريم انتي مين قالك تسيبي المصحة ؟
= انا مش عايزة اقعد فالمكان ده المكان ده كئيب جدا وانا مش بحبه
- مش بمزاجك انتي لسة فترة علاجك مخلصتش و يا تري بتاخدي الدوا اصلا ولا ده كمان قررتي تسيبيه
= انا مش عايزة ارجع اخد الدوا .. انا دلوقتي مبسوطه اكتر من الاول يا سُمية انا قابلت يحيى
- مين يحيى ؟
= اتعرفت عليه من شهرين و هو اللي عرفني كل حاجه هنا و بقينا صحاب و كل يوم بنتمشي مع بعض
- انتي لازم ترجعي معايا دلوقتي
= لازم اعرفك على يحيى
- مريممممم
= انا هفضل مع يحيى يا سُمية .. والله لو عرفتيه هتحبيه جدا هو شخص لطيف اوي كمان
- هشوف اخرتها معاكي
= وكمان انا رجعت الكلية
- احنا مش اتفقنا هنأجل الكلية لحد فترة العلاج ما تخلص
= سُمية انا مبقتش محتاجه علاج
سُمية بلهجه مصحوبه بالقلق والشفقة : مريم انتي بتاخدي الدوا ؟
لم تجيبها مريم و ذهبت المطبخ لكي تحضر لهما الافطار
و كانت مريم لا تتحمل انتظار لحظه لقاء اختها سُمية و يحيى و كان الحماس لا يفارقها
و جاء الموعد المُنتظَر و ارتدت مريم ملابسها و انتظرت هي و سُمية يحيى على باب منزلها كعادتها كل يوم
تأخر يحيى وهذا ليس المعتاد منه و كانت مريم قلقة من أن يكون كلام اختها صحيحًا
و ظلت تحدث نفسها قائلة " معقول كلام سُميه صح ؟ انا مش عايزة ارجع المصحة تاني.. مش هقدر ارجع هناك تاني"
بعد مرور ساعه..
- طب اتصلي بيه
=معرفش رقمه
- اومال كنتوا بتتقابلوا ازاي ؟
=كل يوم كنت بنزل استناه الساعه ٧ قدام البيت
- طب احنا ممكن نروحله ؟
= معرفش عنوان بيته
- ازاي يا مريم كل ده بتخرجي معاه ومتعرفيش عنه حاجه
= هو شكله كده مش هيجي
و صعدت مريم مع سُمية الي البيت و تصاحبها خيبات أمل أن تكون سُمية صائبة في رأيها
و خلدت سمية الي النوم بينما مريم شاردة و غرقت مريم في بحر افكارها و طلع النهار و استيقظت سمية ووجدت اختها بحالة سيئة فاقتربت منها و اخدت تربت على كتفيها و تمسح بيديها على رأسها و تنظر لها بشفقة على حالها قائلة " مريم اسمعي كلامي احنا لازم نرجع و صدقيني كل حاجه هتتحل و هتبقي احسن "
= سُمية قولتلك مش عايزة ارجع..و متقوليش أنه مش موجود انا هستناه يجي مش همشي و اسيبه
و مر اسبوع و ظلت مريم تنتظر يحيى كل يوم في الساعه السابعه و شعرت أنها مفتقده يحيى كثيرا و مفتقده حوارهما معا يوميا و أنهما كانا يتشاركا احداث يومهما معا و كانت تبكي كل يوم اشتياقًا له
و ذات يوم كانت سُمية تنظف المنزل و وجدت بعض الرسومات اللتي رسمتها مريم و كانت تتأمل فيهم و كانت مريم ترى تعبيرات وجهها من بعيد وهي تبدي إعجابها برسومات مريم و اقتربت مريم منها لتشاركها لأنها كانت تحب أن تري اعجاب الناس برسوماتها وعندما اقتربت وجدتها تتنقل بين الرسومات رسمه تلو الأخرى حتى استوقفت مريم صورة فقالت لِ سُمية بِ حزم : سُمية استني
-في ايه ؟
=جبتي الصورة دي منين
-انا لقيتها وسط دول
= الصورة دي انا رسمتها ل يحيى وادتهاله من شهرين
- انتي متاكده ؟
مريم  بغضب مصحوب بِ بكاء : أيوة بقولك متاكده
-  مريم اهدي
= بقولك الرسمه دي كانت معاه يا سُمية
و ركضت مريم نحو غرفتها و اغلقت الباب وظلت تبكي و سُمية كانت تجلس أمام باب غرفتها تحاول تهدئتها من خلف الباب و تحاول إقناعها أن كل شئ سيكون على ما يُرام
بعد بضع ساعات خرجت مريم من غرفتها معلنة استسلامها وأنها ستعود مع سُمية الي المصحة و هي تشعر بالاسف تجاه نفسها
الان ..
وصلت مريم الي المصحة و بدأت سُمية في الحديث مع الطبيب المعالج لها و جلست مريم بعيدا عنهم تتأمل ذلك المكان الكئيب اللذي تكرهه " المصحة"
و خرجت سمية لها بعد أن أنهت حديثها مع الطبيب و ربتت على كتفيها و احتضنتها وقالت لها " هكلمك كل يوم و هفضل جنبك .. متنسيش تاخدي الدوا "
و كانت مريم لا تُبالي بكل ما يحدث حولها هي فقط عالقه في ذكرياتها الخيالية اللتي ألفه لها مرضها
مريم مريضه تُعاني من الهلاوس و التهيؤات و الاضطرابات الدائمة ..تُعاني منها منذ فترة طويلة عقب وفاة والديها أصيبت بصدمة و نتج عنها انها أصبحت محاطه بعالم خيالي من تأليف مرضها هي فقط تراه وتسمعه و به بعض المواقف مع أشخاص لم تتعامل مريم معهم قط
و اخدها طبيبها الي غرفتها و بدأ يطمئنها أن كل شئ سيكون على ما يرام و يحاول أن يخفف عنها صدمتها اللتي حكتها له اختها سُمية و يعرض عليها أن كانت تريد أن تتحدث له ولكنها هزت راسها رافضه و قالت إنها متعبه و تريد أن تخلد للنوم
و خرج الطبيب وبدات مريم في البكاء على خيبات أملها المتتالية و كل العلاقات الوهمية اللتي عاشتها طوال حياتها اللتي جعلتها تفقد ثقتها في البشر جميعهم و تشك أن كل ما تراه ليس حقيقيًا
و غلبها النوم وهي تنظر الي صورة يحيى اللتي قد رسمتها له من قبل و استيقظت في اليوم التالي هادئة بعض الشئ و بينما هي في الحديقه الموجوده في الطابق الارضي للمصحه تتناول افطارها خـُيل لها أنها رأت شخصا تعرفه.. بل تعرفه جيدًا ايصًا فتركت ما في يديها و اتجهت نحوه راكضه
= يحيى!
فالتفت لها .. بتكلميني ؟
= يحيى انا مريم
فقال لها : انا عارفك كنت بشوفك معانا هنا بس مكنتيش بتتكلمي مع حد
=يحيى انا كلمتك كتير قبل كده برة المصحه
فقال لها : انا عمري ما شوفتك برة المصحه و انا اسمي فريد مش يحيى
= متاكد اننا متقابلناش قبل كده !
- أيوة متاكد
فأخرجت مريم الرسمه اللتي كانت رسمتها لِ يحيى قبل ذلك و بدأت تحدق برسمتها و تحدق بملامحه و تتعجب و تهمس لنفسها قائلة : كيف حدث ذلك ؟
ثم قالت هامسه: لا يهم
ثم قاطعها فريد قائلا : ممكن تقعدي معايا
=اكيد
و بدآ حديثهما الاول و عرفت مريم أن فريد هو زميلها في المصحه اللذي كانت تراه من بعيد و لم يسبق لها و تحدثت معه من قبل و ظل الحوار بينهما مستمر حتى حل المساء و جاء موعد النوم عرفت مريم أيضا أن فريد جارها في نفس الطابق و يقيم في الغرفه المجاورة لها
ف دخلت مريم غرفتها و شعرت أن الشعور ذاته يتكرر ..نفس شعورها وقت مقابلة يحيى ..هي فرحة كثيرا و تشعر نفسها فراشه محلقه في سماء ليلها
وقفت أمام مرآتها قائله لنفسها : انتي تاني ؟ ثم ضحكت و قالت :مش مهم المهم أن مريم مبسوطه ..

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jan 31, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

خَيالات ديسمبر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن