- فادي صاحب البطاقة الوطنية عدد 986758 مدعو إلى النافذة عدد 3 لإستكمال بيان وثائق راتبه
ينفض عن نفسه ملامح الحيرة و ينتفض من مكانه كالسهم و يتوجه للنافذة هندام مرتب تغلب عليه الألوان القاتمة ، محفظة يد صغيرة بها لائحة لمفضلاته من الكتب تتدلى ، شعر بني مائل إلى السواد يوحي بشباب غضّ ، و ساعة يد تتسارع عقاربها أكثر فأكثر كلما نظر إليها ... يفكر مليا في أمر الكتاب ناسيا الراتب مع خبر كان ترتجف يداه بردا و هو يعمر الوثيقة أمام نافذة البنك ثم يسلمها للموظف ، يستلم راتبه و يرحل بسرعة...
يقف أمام باب البنك ينظر يمنة و يسرة ليحدد وجهته ثم يجري مسرعا نحو محطة قطار المدينة للإلتحاق بالقطار المتوجه إلى مدينة الضباب التي كسى سكانها العمى لسنوات طوال .
يصعد القطار إثر وصوله و يجلس مجاورا لفتاة لا تصغر عنه الا ببضع سنين او ربما بنفس عمره بين يديها محفظة كبيرة في باطنها الكثير...
-معذرة يا آنسه ، لست متأكدا حقا و لكن هل القطار متوجه إلى مدينة الضباب ؟
-اممم سيوصلنا القطار إلى المحطة عدد 3 و من هناك يتجه قطار المحطة إلى مدينة الضباب ولكن ...
-عذرا ... و ... لكن مذا؟
-أأنت متأكد من ذهابك لتلك المدينة هذه الفترة ؟ أرى أنه الوقت الغير مناسب و لكن ربما أنت في حاجة إلى الذهاب و لك في المدينة ضرورة
-مذا تقصدين بعبارة 'إنه الوقت الغير المناسب' تبدو غريبة حقا
-أما سمعت عن الملصق الإشهاري الذي يدعو سكان البلاد لزيارة مدينة الضباب للحصول على فرصة قراءة كتاب من أندر الكتب تم إصداره على يد السيد مانيس ذلك الرجل الذي أثار ريبة الناس لعقود من بينهم أنا حتى...
-و من هو السيد مانيس ؟
-كيف لا تعرفه و كل النشرات التلفزية تبث أخبارا عنه إنه ذلك الرجل الذي تحدى المرض العضال و كان أول ساكن لمدينة الضباب يتحدى المرض الخبيث رغم كبر سنه كما أنه قبل سنة عالج سكان مدينته من العمى الذي أصابهم جراء ضباب الأوكسيدا و ليس بالغريب أن نسمع أنه مؤخرا ...
-نعم أدري ... أعرف جيدا هذا الرجل حتى أنني كنت أشاهد نشرة الأخبار هذا الصباح و سمعت أنه نهض من فراش الموت مجددا ، مسكين حقا ذلك الرجل ، نسمع عنه بين الفترة و الأخرى أنه يعاني من مرض ما و لكن في كل مرة يذهلنا و ينتصر عليه ... أتمنى له عمرا طويلا
- دع عنك هذا الكلام ! أما تعرف أن ذلك كله مدبر من الدولة بإتفاق مع السيد مانيس أكثر رجل مخادع بالبلاد ! إسمع ... لست على إستعداد للحديث حول الموضوع هنا أمام العامّة سيعرضني ذلك للتتبعات...
-حسنا أرى أن الموضوع في غاية الحساسية ... أتفهم ذلك ... امممم ... أين أنت متوجهة الآن؟
- أنا ذاهبة إلى بيت رفيقة لي بالجامعة لا يبعد كثيرا عن العاصمة ، أنزل بمحطة القطار 4 و أكمل السير بضع خطوات على الأقدام لأصل
- حسنا ، سيكون من الأفضل أن احصل على رقم هاتفك إذن لنتحدث أكثر عن الموضوع و سأخبرك بتفاصيل رحلتي ما دمتي على معرفة بقصة السيد مانيس .
- يبدو ذلك محرجا قليلا ، أرى أنك محب لتفاصيل الأشياء و لك الحق في ذلك ، محادثاتنا الهاتفية لن تكون إلا حول السيد مانيس و علاقته بمخططات الدولة تمام ؟
- طبعا و ما شئني بك مثلا ؟ أن نتفق حول موعد غرامي نتحدث فيه عن كيفية وقوع أحمق في حب قبيحة أو أن أرسل لك باقة من الأشعار الغزلية وقت المساء أبدي فيها كيف أنك أوقعتني في حبك منذ أول سؤال ؟
- مالك تبالغ هكذا ؟ إعلم جيدا أنني لم أكن أقصد ذلك أبدا و أنني ...
( مسافرينا الأعزاء نعلمكم بتوقف القطار الأن مباشرة بالمحطة 3 يرجى إستخلاص معلوم الرحلة قبل النزول *شكرا )
- بسرعة من فضلك ! رقم هاتفك يااا ...
- أنوار ، إسمي هو أنوار ! هاهو الرقم خذ ، إحفظ الورقة في محفظتك فستحتاجني لاحقا
- أنوار دمتي سالمة ! بااي
ينزل من القطار بعد أن خرج من صراع الركاب على مكتب الإستخلاص بالقطار كالناجي من الحرب ممسكا الورقة الصغيرة بين يديه يفتح محفظته مرتعدا من البرد و يدخل أصابعه بين طياتها ليضع الورقة ...
تطير الورقة بعيدا ...
يجري فادي كالمجنون متبعا إياها يراها من بعيد كجذاذة صغيرة في الهواء ثم لسوء حظه تتلاشى و لا يستطيع لحاقها أكثر
يقف لاهثا بين زحمة الناس ينظر حوله و يلاحظ شيئا غريبا على وجوههم ...
أنت تقرأ
محيط - Ocean 🌊
General Fictionأنت محيطي ... ما أقصده أنك الشخص الذي سيحيطني بذراعيه ، يلملم جروحي و يكفكف دموعي ... أتدري ؟ ربما أنت محيط حقا ، محيط يغوص الكثيرون في أعماقه و أحتمال غرقهم مسألة لست أدري عنها ...