في ليلة شتوية لم يتهاون فيها هواء فبراير عن جعلها ليلة ذات بردٍ قارس، أوراق الشجر تتحرك بلا توقف، بل إن الأغصان الكبيرة بدأت تتهاوى هي أيضًا، يعصف الهواء بالقلوب فيُقلب فيها الذكريات والأحزان، وكل الذكريات سواء كانت سعيدة أم لا تصبح حزينة، يستمر الهواء بالعبث فيعصف بالأفكار، غير رحيم الهواء بالبشر، يشعرهم ببرودة الطقس وبرودة قلوبهم من فرط الحزن.
أمام إحدى الحانات المستترة في أحد الشوارع الجانبية وقف عمر مشعلًا لفافة تبغ محاولًا تدفئة نفسه بدخانها رغم أنه يعلم أنها بلا فائدة لكنه يهون مرارة الإنتظار في هذا الطقس، ينفث دخانها في ضجر ناظرًا إلى ساعته كل لحظة تقريبًا.
دقائق وظهرت سيارة توقفت أمامه نزل منها أصدقاء عمر، نزل يزيد أولًا وصافح عمر بادله عمر نظرة غاضبة
- ما هذا التأخير؟ تعلم أهمية الليلة لا أريد أي خطأ
- ليس لي دخل، فارس هو من تراجع عن النزول لكن كامل أقنعه أخيرًا
أومأ عمرونظرا كلاهما نحو كامل الذي كان يساعد فارس في النزول، خرج فارس من السيارة واستند على عكازه وسار به بضع خطوات بصعوبة، تقدم عمر ويزيد كي يساعدوه لكنه رفض المساعدة كما رفض مساعدة كامل، تركوه على راحته، فتح كامل الباب وأدخل فارس ودخل بعده، هم يزيد بالدخول لكن عمر أمسكه من ذراعه، نظر له يزيد بريبة
- ماذا هناك؟
- لن تدخل ومعك سلاحك
زادت دهشة يزيد
- لا أدخل أي مكانٍ بلا سلاحي وأنت تعلم، إني أستحم ومسدسي بجواري
- ليس هنا، لا أضمن ما سيحدث بالداخل
- هل تظن أن فارس سيتكلم؟ نحن نحاول معه منذ شهرٍ تقريبًا، منذ وقوع الحادث وهو لا يفصح عن شيء، لا فائدة مما تفعل سيموت بتلك الحال
- موت فارس لا يعني فقط موت صديق لنا، رغم أن من المفترض أن يعني لك الأمر أكثر من هذا لأنه صديقك أولًا، لكن موته أو بقاؤه في تلك الحال يعني انهيار شركاتنا، فارس يدير الشركات كلها ومن الصعب بل من المستحيل أن نستطيع فعل ما يفعله هو، اهدأ وأعطني سلاحك بدلًا من أن تستيقظ ولا تجد في حسابك البنكي ما يكفي كي تدفع فاتورة المياه كي تستحم.
لم ينطق يزيد بشيء واكتفى بإخراج سلاحه معطيًا إياه لعمر ممتعضًا، أخذ عمر السلاح وفرغه من الرصاص ووضعه في جيبه، ابتسم في وجه يزيد الحانق
- ابتهج يا يزيد، الخطة محكمة لا تقلق، بضع ساعات وسنخرج كلنا سعداء وسيعود لنا صديقنا فارس المرح والسعيد وسينسى الحادث كله
مد عمر يده مشيرًا ليزيد بالدخول ثم دلف كلاهما إلى داخل الحانة.
في الداخل كان كامل وفارس جالسان على البار، لم يخلع فارس نظارته الشمسية حتى بعد دخولهم، فور دخول عمر أشار للعامل فتغيرت الأغاني من الصاخبة إلى الهادئة، تعجب بعض الموجودين لكنهم سرعان ما عادوا إلى لهوهم، جلس عمر بجوار فارس بينما جلس يزيد بجوار كامل، وضع عمر يده على كتف فارس وهزه مازحًا

أنت تقرأ
ما أخرجته الحانة
Historia Cortaعندما يكشف لك أحد وهو ثمل عن أسراره، من الأفضل ألا يكون معك سلاح.