ثلاثية عناصر الخوف المبهمة (1-الحب)

262 21 22
                                    

أخاف من الحب لأنه من أكثر الاشياء عبثية في الحياة، وقد رأيتُ بعض مما يطلق عليها قصص الحب تنتهي بشجار علي بعض السكاكر أو سوء تفاهم أو بدون سبب أحياناً، لم أتخيل يوماً في حياتي أني قد أقع  في شباك إحداهن مثل الفأر عندما تترك له قطعة الجبن في المصيدة، وكان هاجس الخوف لدي هو أن أتعلق بأحدٍ ما....فأنت يا عزيزي لم تذق جزاء لذة  التعلق، فماذا ستفعل إن تعلقت وخُذلت،وبماذا ستشعر عندما تترك وحيداً، حائراً، ضعيفاً، في منتصف طريقٍ كنت تنوي استكماله سوياً بجانب أحدٍ ما.
ولكن في يوم ما أُخذت علي حين غرة من إحدي حاملات المصيدة بجُبنها، ولكني لم أكن ممن أُحب الجُبن قط ورغم هذا انغمست في جُبنها.

ربما قد يتملكك الفضول لتعرف كيف قادتنى الحياة إلي ما أنا عليه الآن، أجلس وحيداً في جحري الصغير منعزلاً عن العالم أجمع، أتأمل وجوه العابسين في الشارع من خلال نافذتي المحملة بالاتربة وشباك العنكوت كأنها لم تُفتح منذ زمن بعيد، أستيقظ علي نغمات  عبدالحليم حافظ وهو يردد (في سكة زمان راجعين....في نفس المكان ضايعين) من اغنية شوف بقينا فين ياقلبي، وانا أصب كوب القهوة المفضل لي، وانفس دخان سجارتي خارج رئتاي، قانطاً علي حالي، ويرن صدي صوته داخل عقلي كأنه يَحيك في معطف صوفي بحبل ذكرياتي

دعني الان آخذك في جولة داخل هذه الذكريات،
فأتذكر وأنا في عمر الشباب كنت شخصاً إنطوائياً في ثوبٍ إجتماعي (اي أني إنطوائي ولكن إذا وجد أحدهم سبب جيداً للتفاعل لا يستطيع أحدا أن يُوقفني عن الحديث)، لم يكن لى صديق قط، وكان الجميع يخاف من الاقتراب مني بوصفي أني غريب الأطوار ولكني لم أكن أهتم فلست بحاجةٍ لهم ولا من البلهاء مفرطي المشاعر، اهتم بدراستي وبنفسي ولا أهتم بغيرهم،  ألوذ بهم فى وحدتى وكانت ( وحدتى)  خير صديق لى.
ولكن في يوم ما في فصل العلوم رأيتها كانت متوسطة الجمال ذات بشرة قمحاوية متناسقة القامة ووجنتيها الورديتان يشبهان الخوخ في حمرتهما ودورانهما، وعيون تميل للون العسلي، ترتدي فستاناً بنيًا يشبه المريلة المدرسية في التسيعينيات إلا أنه أرقي وأجمل وإن طلبت منّي أن أذكرها في جملة واحدة فستكون (فتاة احلامي إن كان لي فتاة أحلام)،كانت الشمس متعامدة علي نصف وجهها الأيمن فتلاقت أعيننا البريئة فتخللني شعورٌ قوي هزّ قلبي كزلال أريكا التشيلي.
كان فصلها يشترك مع فصلنا في نشاط العلوم لوجود معمل واحد فقط في المدرسة، سحرتني إبتسامتها الدافئة لم أكن اعرف ماهيةُ ما أشعر به لكني كنت واثق بأني لست علي ما يرام هنالك شيئاً ما في الجانب الأيسر لي، به خلل ولا أعرف ما هو، وفي اليوم التالي رأيتها مع إحدى صديقاتها علي باب المدرسة وكانت تبتسم نفس الابتسامة التي تشعرك بالطمآنينة كأن العالم ينحصر حولها كأنها حبيبة نجم الشمال في سيف النار، وشعرت بما شعرت به في معمل العلوم ولكن الشعور هذه المرة كان أقوي، وكنت أنتظر جرس إنتهاء اليوم بفارغ الصبر وعندما ذهبت للبيت بحثت في محركات البحث ولكن رأيت بعض الكلمات التي كانت من ضمن الخرافات بالنسبة لي مثل الحب والتعلق والكره والجن والوحوش الاسطورية وغيرها فأنا لا أؤمن بما يؤمن به البلهاء مفرطي المشاعر،وأصبحت أنا زعيم البلهاء، فتعمقت في القراءة وعرفت أني الآن فيما يطلق عليه الحب وذهبت في اليوم التالي أنتظرها علي باب المدرسة وعندما قاربت علي الدخول أوقفتُها وسألتُها هل تشعرين بشيء في جانبك الأيسر ولكنها نظرت لي نظرة تحمل الدهشة وعدم الفهم وفي نفس الوقت نظرة إعجاب مخفية وقالت لي ماذا تقصد؟
قلتُ لها: عندما أنظر إليكِ يحدث خلل لا أعرف ماهيته في الجانب الأيسر لي وخصوصا في القلب وعندما بحثت عنه عرفت أنه ما يُدعي بالحب فهل تشعرين بهذا الخلل المسمي بالحب ذاك؟  فإبتسمت وكأنها الشمس في سماء صافية بعد نزول مطرها وابتسامتها تشبه قوس قوزح تطاير الفراشات حوله كأنها كوكب زحل في المجموعة الشمسية وقالت في هدوء لا أعرف !، شعرت به أول مرة رأيتك بها في المعمل ولم أشعر به ثانية سوى الآن وأنت قادم نحوي ولكني أعرف ماهيته أما أنت بكل ما تملك من ذكاء يجعلك تتفوق علي جميع الطلاب في المدرسة، و لا تعرف ماهيته لأنك أحمق.
لا أعرف لماذا سعدت بنعتها لي بالأحمق مع ابتسامتها الخفية رغم أني إذا سمعتها في موقف طبيعي كنت لأزجر صاحبها وقد أتعارك معه، لكنها سحرتني بسحرها وكان سلاحها يكمن في ابتسامتها الخفية (گالبدر في دجى الليالي)،  ومنذ وقتها وقد وقعت في شركها، گحب الحمل لأمه وحب الوالد لابنته وحب قيس لليلاه، إذا صح القول لقلتُ أني كنتُ الجسدَ وهي القلب.
لايستطيع أحدنا المواصلة بدون الآخر، فكنا في منافسة دائما علي التفوق في المدرسة ودائما ما أتفوق عليها، ونقضي أوقات فراغنا بالقراءة سويا ونتناقش في محتوايات ما نقرأه، وعشنا أجمل أيام حياتنا حتي جاء يوم إعلان النتيجة الثانوية والتحقتُ أنا بكلية الطب والتحقت هي بكلية الهندسة ثم تمت خطبتنا وبعد سنتين اكتمل زواجنا، وكانت دائما ما تشاركني يومها وكنت أنا أيضا، أنتظر رجوعي للبيت حتي احكي ليها بالتفصيل عن يومي، ودائما ما تضحك علي بلاهتي وحماقتي حين كانت ترسم رسمة ما أو تقوم بحل معادلة ما وأنا لا أستطيع حلها لكوني كنت دائما المتفوق في مدرستنا وأنا أقسم لها أني في طب لا أحتاج إلي هذه الأشياء لهذا لا أعرفها وكانت تجبرني على الإعتراف بغبائي وكنا نقهقه من الضحك بعد هذا ونذهب لمشاهدة فيلم ما وهي بين احضاني گصغير الكنغر في جيب امه، وكنا دائما نقضي يوم عطلتنا مع أمي ودائما ما تسألني بدافع من الحب تجاهي عن زوجتي وإن كان سيوجد لي طفل يحمل إسمي ويملأ حياتي فرحاً وسروراً، فكنت أُجيبها دائما أننا لا نفكر في الانجاب الآن وأننا نعيش لبعضنا ولانملك ما يجعلنا مسؤوليين عن أحدٍ آخر،وأننا في غاية السعادة هكذا.
وهكذا استمرت حياتنا في نآزر بعضنا  البعض إلي أن طرق بابنا المصير الموحد لكل ما هو فانٍ، وگعادة الواقع يصدمنا دائما بما نخاف منه، فجاء الحتفُ من عالمه الآخر ليسلبني أعز ما أملك،وليذكرني بأنّ النهايات السعيدة لاتوجد سوى في الكتب والأفلام، كانت دائماً تتكأ عليّ في كل شيء وتشعر بالأمان دائماً فقط لوجودي وأنا قد خذلتها،  أعلم أنه ليس بيدي حيلة ولكن كيف أكون طبيب ويأتي فيرس ليفتك بها بعد أن طرحها سقيمة، بجسدها الواهن لا تستطيع حتى أن تحمل كوب الماء. 
ظلت طريحة الفراش ثلاثة أشهر رأيتُ فيها معني الخوف الحقيقي والعذاب المصاحب لرؤية حياتك تطاير شذراتها أمام أعينك وأنت تجول وتدور لتنقذ أي شيء منها رغم كل محاولاتك، لم أستطع سوي مشاهدتها وهي تفارقني للأبد، نظرت لى وهى تهمس  بصوت خافت ممزوج بالألم  وتذرف الدمع من عينيها ويسقط على وجنتيها المحمرتين (لاتقلق ستظل روحي بجانبك للأبد).
جاء فيرسٌ لعين واخذها مني فيرس لا يري بالعين المجردة بسبب صغر حجمه، فيرس بحجم الذرة، أخذها مني وانا طبيب، أُخذت محبوبتي، عشيقتي، شريكة دربي، أُخذ مني الامل، أُخذت مني الحياة و الحب، لماذا هي!؟ لماذا لم يأخذني أنا؟ لماذا لم يأخذنا معا؟ هل كنت بهذا الضعف وهذه الهشاشة؟ هل كنت مقصرا في حقها؟ كيف ومتي ولماذا اخذت مني؟!  والان ماذا افعل؟ لماذا  ظللت علي قيد الحياة رغم أني في عداد الموتي؟ قلبي يتمزق كأنه يأبى البقاء داخل سجن جسدى.
أريد  أن  أصرخ بأعلى صوتى على أمل أن يحرر جسدى ( قلبي).
أصبحت خاوياً من الحياة كأننى كوكب هائماً  فى الفضاء بعد أن فقد شمسه،  نادتنى الوحدة كأننى ابن خطيئتها  الذى تاه عنها لوقت طويل وكأنها ظلت تبحث عنى منذ  أن التقيت بشمسى،  عادت لتكتنفنى فى أحضانها الباردة وكأنها تخبرنى
لم يبق لك شيئاً غيرى.

هل علمتم الان كيف يكون الظلام والوحوش الأسطورية اشياءًا عبثية بجانب الحب، لا أعرف لمتي سأظل علي هذه الحالة ولكني أفعل ما بوسعي من تدهور صحي ونفسي كي أذهب لها في اقرب وقت، افكر في الإنتحار من حين لآخر، ولكني أجبنُ من أن أقوم بها.
(مازلت أنتظر رؤيتك كي أعانقكك في جحيم الآخرة إن وصل الأمر لذلك)

ثلاثية عناصر الخوف المبهمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن