لعبة القدر

20 7 1
                                    

" العزيز حكيم ..
لست أدري إن كنت ستهتم لرسالتي ، لكني وقد عرفت عنوانك ، أبعث إليك بجزء من ذاكرتي المحروقة ، جزء سأتخلص منه حالما أنهي كتابة هذه الجمل غير المرتبة ، ستجد أخطاءا كثيرة ، ربما ستغضب من لغتي ، لكني أريد منك فقط أن تستقبلها كما هي ، ولا تتصرف فيها .. من يدري لعله سيأتي يوما ما ترويها لأحفادك ، أو لعابر لا تعرف عنه سوى إسمه الأول "

« نحن في شهر أوت .. كل شيئ هنا ينتعل ظله كما يقول الشعراء ، الشمس تبقى لساعات ثابتة في كبد السماء بنفس اللهب وتختفي بسرعة مساءا والناس لايتجولون ،لكنهم يحفظون اخبار بعضهم كأنهم أقامو في بيت عقدا من الزمن .. وتمتد الاراضي القاحلة حتى حدود البصر صفراء حزينة تنتظر نبيا لايرد الله له دعاءا يتضرع في هزيع الليل الى مولاه ان يخرج منها رواسيا و حدائق ..
هاتفتني أمي : لابد أن تعود
وتقطع صوتها .. كان يصلني مبحوحا رغم المسافات ... عرفت ان امرا مريبا طرأ على الدوار ..لقد الححت معها ولم اسمعها الا وهي تقول : لازم تجي .. لازم
طم
ايام الحزن هنا كثيرة والبائسون يحفلون دوما بخيبة تنسيم مآسيهم وأبي انتصف عمر الستين .. لايزال بريق عينيه الرماديتين يخفي وهنه .. لازال بنفس هيئته الاولى كما يحكون أسود الشعر كأن الشيب يهابه ...في هذا العمر لايزال يحمل سبحته ويصلي الفجر كما عهدته و لايبتسم الا في مجالس الكبار .. مجالس الاعراس او الجنازات ..
ابي يشبه هذا الدوار الذي يتقشف في الفرح و لايعترف بالحزن ويفرط في الاستغفار فاكها كان او غاضبا

وصلت مفزوعا من امر لم اعرفه .. لم اتصل باحد فقد اطفئت الهاتف .. اريد ان اصدم دفعة واحدة
الشوارع كانت خاوية .. بعض الاطفال الاشقياء بملابس ممزقة يتقاذفون كرة وقد حالت ارجلهم الحافية الى اللون البني
دققت بيت المهدي فلم يجب .. اجاب صوت نسائي :
مراهش هنا
ارتعشت وقصدت حانوت عمي سليمان .. سألته
ماذا حدث في الدوار
لاشك انه كان يعرف اني لم اكن هنا
قال بصوت واهن :
زينة بنت السي الطاهر قتلت روحها - وقبل ان اسأله ان كان صادقا او كاذبا اردف -
((آخر الزمان .. أصبحت المرأة ترفض الرجل .. مابه الحاج محمد ! .. راجل ونص ، سباق للخير وتقي .. مابه؟! ))

غاب وعيي فترة بينما أكمل عمي سليمان خطبة الجمعة خاصته وهو يبرز خصال نبي الله الحاج محمد و لعله نسي ان الحاج محمد هذا رجل أشيب برجل وعكاز وثمانون سنة يريد بنت العشرين
انصرفت
امي كانت حزينة .. بدأت تشتم في زينة
زينة فقط لم ترد ماارادوه لها

التقيت بالمهدي .. وجدته حزينا سلم علي .. اشعل سجائره المتتالية و قلت له :
((ليتني خطبتها))
..، وبعد الحاح قال
(منذ اليوم الذي رحلت فيه انت بدأت المشاكل تنهال علينا ..لم أشأ ان اخبرك ، كنت اعلم انك ستعود وكنت اريدك ان تبقى بعيدا عن مشاكلي .. لم أشأ أن أقحمك في أمر اعلم أنه سيرهقك .. أعلم أنك لم تكن لتدير لي ظهرك .. لكن المكتوب ...ولو عدت ماذا كنت ستغير !
ابي كان مشاركا في زيجة سيحاسب عليها
كان الحاج محمد يدين بمبلغ كبير لوالد زينة ولم يستطع والدها ان يسدده وانت تعلم ما تعرضو له في السنة الاخيرة من حادث المرور الذي خسرو فيه سيارتهم وخسائر التجارة .. الحاج محمد رجل خبيث .. اجتمع باصحابه وكان ابي فيهم واستشارهم في خطبة زينة مقابل ان يتنازل عن الاموال التي يدينها لوالدها ورأى اصحابه انه كرم لطيف منه لابد ان يكون في السر والشيوخ كما تعلم يبحثون عن حجة مثل هذه ليعايرو زوجاتهم ولينكحو ما طاب لهم من الفتيات ..
ووالد زينة لم يكن بيده حيلة ورضخ للطلب .
اتصلت بي واخبرتني و قالت لابد ان تخطبني ..
صحيح لا املك شيئا لاتوجه الى بيتهم .. انا عاطل حتى عن العمل .. حدثتها كثيرا ولكنها كانت تبكي وكانت مصرة
التقيتها اياما من بعد وكانت يئست من رجائها لي ..كانت صامتة طول الوقت و لم تقل كلمة .. وقلت لها لعل فيه خير و ابوك لايملك مالا يكفي لسداد دينه ..
قبل اليوم كانت تسب والدها وكانت تقول :
هؤلاء الرجال جبناء يتورطون ثم يدفعون بشرف بناتهم فاتورة .. كانت تقول هذا وتبكي .
وقلت لها : كم سيعيش .. عام او عامين ؟؟
ظلت صامتة ومات الصوت بداخلها وانصرفت جمادا ولم اعد اذكر الا صوتها يأتيني في الهاتف كموال حزين :
_ لو كان متدينيش نتا ندير في روحي حاجة ..( إن لم تتزوجني سأعمل شيئا في نفسي )

وجاءت الايام الاربعة قبل العرس وجاءت النساء يجهزنها لتفقد عذريتها تحت رجل على مشارف الموت والعجائز والمطلقات يستشفن لحالها وأمي تقول لي :
ياوليدي المرأة ليس لها سوى بيتها وزوجها .
هل كانت امي تقبل زيجة كهذه لاحدى بناتها ؟ .. أبدا !
وفي ليلة الاربعاء ويصبح الخميس اختارت زينة قدرها وجودوها صباح الخميس معلقة في شقتها ...
سكت المهدي برهة وسالت دموعه ثم تشجع وواصل :
(اتصلت بي عشرين مرة..تلك الليلة كنت سكرانا ،لم أشأ أن أرد على التليفون ..
لابد انها ماتت غاضبة علي أو لعلها كانت تريد ان تهرب معي وانا لم اجب والوقت داهمها
كانت زينة شجاعة وفضت العقد .. كنت جبانا وكذلك كان والدها )

تركت المهدي ..لم أجد كلماتا أواسيه بها .. لعل انصاتي له كان مواساة ! بت الليلة اجوب الشوارع .. وقال لي احدهم :
((رايحة للنار .. ماولاش يستعرفو بالرجال .. ولم اشعر الا وانا اطبق يدي على رقبته ))
وخالي بلعيد وجدته صباحا في المقهى يحدثهم كانه مفتي عن حكم المنتحر .. قال لي لما رآني اندهشت لوقاحتهم بسخرية :
-((أظنك تعاطفت معها ..))
واردف : ((لايستحق الحاج محمد فاسقة مثلها ))
امطرته بسيل من الشتائم الجارحة وقلت له :
((زوجه ابنتك أو زوجتك إن لم تستحيي ))
وأمسكت عضوي التناسلي وانا أسبهم كلهم وانصرفت . لم يلحق بي أحد ولم يكلمني بعدها شخص .
أبناء العاهرات لا تأخذهم عين الرحمة وكلهم لن يرضو بهذه الزيجة لاخواتهم وبناتهم .. ابناء العاهرات فقط يصطفون مع الأقوى .. يجدون له الأعذار
والد زينة لازال في المستشفى وامها انهارت عصبيا وهي مثل المجنون كل من تلقاه تحدثه عن ابنتها .. وهي تقول كما اخبرتني امي ان ابنتها ستعود .. تقول أنها أخبرتها بهذا في المنام
ستة ايا من بعد وانتحر المهدي .. واكتملت التراجيديا .. قال ابي انها لعنة حلت بنا منذ متى كانت المرأة تنتحر عندنا
لم امشي في جنازة المهدي .. حزمت حقائبي ورحلت في تلك الامسية التي قصدني فيها شخص لم اره في حياتي سلم علي كأنه صديق غاب زمنا ثم عاد وعزاني في صديقي مهدي
ولبس الحزن رداءا اسودا وغادرت الدوار على عجل ولا زال شيطاني يأمرني بالقصاص لزينة والمهدي الذي لحق بها على امل لقاء بعيد عن أعين الدجالين و القوادين والذين يزينون الباطل ويدوسون على الضعفاء »

سامي
سعيدة _ الجزائر | 28_08_2019

لعبة القـدر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن