قلبي مدينة محطمة

2 1 1
                                    

قلبي مدينة محطمة -9

ستصلك رسالتي .. أعتقد ، إنها توافق ما كنت تبحث عنه في المنشور الذي وضعته على صفحتك .. لا اسألك ما الذي تريده من هذه القصص ، انا فارغ جدا ، لست أدري كيف استطعت ان أكتب لك رسالتي التي كتبت من خلالها كل ما عشته من أسى ! .

« قلبي مدينة محطمة .. مدينة يقتسم فيها ألاف الغلابى نفس الاحياء الباردة التي تنتهي بجدارات مهشمة ، مدببة الجوانب .. مدينة يتناحر فيها ألاف الهامشيون والمنكوحون والسكارى على رغيف خبز .. على قبلة .. على ورقة نقدية .. وعلى عشرات الاشياء الرخيصة !
مدينة يتحارب الاحياء فيها مع الموتى  على لحظة خلود .. او لحظة مجد في عز عمر طويل من الالام !
.. قلبي يشبه مدن الافلام التي تصور الحرب تتهاوى عماراتها الشاهقة باستسلام تحت جنون الصواريخ والمدافع .. تتهاوى كما لم تكن .. او كاوراق الخريف الحزينة

لقد مات هذا القلب منذ زمن ..

نشأت في عائلة لم اعرفها .. افترقا والدي وتكفل جدي وجدتي في تربيتي .. جدي شخص بطولي شارك في الثورة يسبح كثيرا ويحمد الله على اللاشيى الذي وهبه له ، لو رايته يحمد الله ذاك الحمد لحسبته يسعد ربراب ، لكنه ماكان يسعد ربراب .. كان عجوزا اخطأه الموت ملايين المرات يعيش على نفقة المجاهدين يلبس عباءة بيضاء واسعة ، له لسان سليط هو راسماله ، في راسه الاف الحكايا التي لم يجد من يسمعها منه فسخرني الله له لأسمعها رغما عني .. جدي هذا شخص اكرهه لم اسمع منه يوما كلمة ابوة ، كل الذي سمعته منه هو نقمه على ابنه الذي اختار امي التي لم يرضاها هو له ،
جدتي بارت فالدنيا كي الدوبل سيس .. كنت تظنها انت امراة نبيلة كالجدات التي تحكي عنهم كتب القراءة ، لكني هنا لأقول لك انها تعيش على ذكرى زواج ابي ابنها من أمي .. لاوضح لك فهي أسوء مما تتخيل مع احترامي لأبي الذي عرفته لاحقا
طردت من هذا الجحيم وانا في سن العاشرة .. المعلمة كانت تكرهني .. جن جنونها ذات يوم و ضربتني .. ضربتني ضربا مبرحا .. لكني هربت و شتمتها بكل ما املكه في رصيدي من الشتاىم التي حفضتها من الشارع ومدرجات الملعب ،.. سمع جدي بذلك واعتبرها اهانة وطردني اول لعله تخلص مني
همت على وجهي اقلب عن ابي وامي .. اتغدى على ما تتركه موائد الاغنياء من اكل واضطر احيانا الى الاكل من النفايات .. هذا لم يكن يؤلمني بقدر ماكان يؤلمني حظي البائس
عملت حمالا في سوق الخصر ، كنت أجني كل يوم مصروف لابأس به.. كان بالنسبة لطفل بعمري انجازا .. آكل ما اشتهي و البس ما احب وابيت في المسجد .. مر الحال كذلك لسنة ونصف ، إلى ان تم ظبطي من طرف دورية شرطة متلبسا بالسرقة من سطح احد البيوت .. كلفتلي المحكمة محاميا ولم يحضر والدي او امي او لعل الاستدعاء اخطا عنوانيهما .. الناس تبكي لحظة صدور الاحكام ، لكني لم اكن مندهشا او خاىفا .. لم يكن يشكل الامر عندي مشكلة مادام اني لم اتعرض للضرب كما كنت اظن بل وجدتني في محكمة جميلة اقابل اشخاصا انيقين ببدلات مكوية وربطات عنق حريرية افضل من الذين كنت اقابلهم في السوق بسراويلهم التي يرتدونها دون حزام تكاد تسقط
دخلت السجن وفهمت لاحقا انه مخصص للقصر .. تعرضت للحڨرة .. لكني مع ذلك تعلمت اشياءا جيدة .. مثلا في كل يوم مخصص للباروار الكل ياتيه والده او اخاه او عزيزا لرؤيته .. يبكى المسجونون كلهم إلا انا كلأطرش في الزفة لاحدث .. يعودون محملين بتلك الڨفة التي سهرت امهاتهم ليلتها يبكين فلذات اكبادهن ، ومن كل اكل يضعن نصيبا .. كنت آكل كل ذلك اليوم من عند كل واحد نوعا .. انهم في هذه الحالات عاجزين عن الاكل .. يتذكرون اخوتهم واصدقاىهم الذين هم خارج القضبان .. يوما بعد يوم اصبح يحرجني سؤالا يتكرر علي كثيرا :
_ونتا معندكش لي يجيك ليوم
كنت كل مرة اكذب ، لكن هذا السؤال اصبح يهزمني مرة بعد أخرى
انقضت العقوبة
كانت سنتان
جردتني مما بقي من الطفل الوديع بداخلي
في السجن صمت أول رمضان .. والأمر لم يشكل فرقا عندي

خرجت أهيم على وجهي .. عدت حمالا كما كنت ، لكني كرهت فوضى السوق ، أشار علي أحد الأصدقاء بالعمل في مقهى بمدينة غير مدينتي .. وظبت بعض الاغراض .. التحقت بالمقهى سارفار ..كنت أبيت فيها .. أصبحت مع الوقت بيتي ، عرفت في المقهى  أسوء أنواع البشر ، لكني كنت مظطرا للعمل
تعرفت على حميد ِ.. شاب وسيم , لم يبلغ الثلاثين من العمر .. يبدو انه شخص طيب .. أحبني , ولازلت مندهشا لماذا أحبني ... عرفني على أصحابه .. علمني كيف اتفادى أبنائ العاهرات الذين يتسمرون حول كأس شاي لمدة خمس ساعات !
...سمع قصتي فبكا ولما علم أني وصلت للاولى متوسط لما كنت في السجن فرح وثمن هذا .. دفعني لإستكمال دراستي بالمراسلة .. سجلت نفسي وتكفل هو بكامل الاتعاب ..
ذهل لما اكتشف أني لم ألتقي بأبي و أمي طوال حياتي .. قال أنه سيتدبر الامر وعرفت لاحقا ماذا كان يقصد !
مرت السنة وانتقلت فيها ... كان الامر عاديا بالنسبة لشخص مثلي كان ينكح الفصول بمعدلات مرتفعة وكان بالنسبة له حدثا فتظاهرت بالفرح أمامه ... أشعر أن هذا القلب مات , لكني احاول ان أبدو شخصا طبيعيا ! .. رغم ذالك استمريت .. لم يبخل علي كان يأخذني معه في الأمسيات إلى أساتذة يعرفهم .. كان يشتري لي الكتب والمجلات ، كان أيضا يستخرج لي الإستدعاءات ويفرح لما أذهب إلى الامتحان .. حتى وجدت نفسي أتخطى مرحلة المتوسطة و أصل إلى الثانوية
ذات مرة .. جاءني و البسمة على محياه ... سلم علي .. قال انه عرف عنوان أبي ...
ذهبت إلى حيث ارسلني ... دققت الباب , فتحت  سيدة جميلة ... كدت أحضنها لولا أني تذكرت أنها ليست أمي ... توجست مني .. حسبتني متسولا
سألتها عن ابي
قالت : خرج ... مرهش هنا
سلمت عليها وانصرفت

عدت في الغد .. ترصدته حتى تأكدت من أنه هو
أقسم إنه يشبهني .. حتى في مشيته .. لعله شقي مثلي .. لكن زوجته جميلة .. هل أمي لم تكن بجمالها ...
دققت .. خرج الي عنقته لكنه كان باردا في استقباله .. لم يبادلني العناق حتى .. لو بالغت قليلا لكان دفعني , أظنه عرفني ... قلت  له
واش راك أبا ؟

أطرق رأسه ... ثم دعاني لأدخل .. تحدثنا قليلا , قال أنه سيدعو أبناءه ويعود .. وقال :
دقيقة ونجي
سمعت كلاما يعلو وينخفض ثم نحيبا وصراخا فعرفت أنه غير مرحب بي ... انصرفت مسرعا .. تلفت ورائي رأيته يتبعني بنظراته ظننت أنه سينادي علي ... لكنه لم يفعل

لم أعد للمقهى .. فكرت  العودة لجدي والبكاء عند قدميه .. لكني تجاوزت هذه الفكرة السخيفة ...  شربت بما ادخرته من عملي كل انواع الخمر الرخيصة والثمينة .. دخنت الحشيش ... تدهورت صحتي و نفذ مالي واصبحت متشردا حتى اغمي علي ذات ليلة , استفقت في المستشفى وحميد يقف على رأسي ... لم يوبخني ِ... وقف معي و أعادني للمقهى وأوصى خيرا  بي
في خضم هذا الشقاء على تعرفت على مريم كانت اصغر مني  و سعد حميد بي كثيرا ... علمني كيف أحدثها و ماذا سأفعل اذا اختليت بها
مريم كانت جميلة ورقيقة ولم تسألني عن ظروفي ... تخطت هذا الى العناق والقبل
كنت سعيدا جدا معها .. حتى أني مارست الجنس معها لأول مرة وقالت انها مرتها الأولى ... كنا خجولين  من بعضنا لكنها كانت تجربة خيالية ... أشعرتني بوجودي رغم لقاءاتنا القليلة والخاطفة .. لم لكن اعرف عنها شيئا ولم ارد ان أعرف .. كلما اشتقت اليها ذهبت الثانوية التي تدرس بها منتظرا خروجها
سمعت  ان جدي مات ... سافرت .... تجنبت كل شيئ وكل مافعلته هو أني قصدت قبره و خربت الشاهدة و تبولت على قبره !
عدت ..
بعد ايام التقيت بمريم .. قالت أن جدها أيضا توفي , اعتبرنا الامر صدفة ... قبلتها ونسينا الأمر
قررت البحث عن أمي ... أوصلني حميد إلى عنوانها , وخوفا من إن يحدث معها ما حدث مع أبي تكفل هو بالحديث مع زوجها .....
جاءني إلى المقهى ...حدثني  بل هددني ... قال إن أمي نسيتني و قال أني سإخرب حياته ...
برحمة الوالدين خليني طرونكيل !
هكذا قال !
أخبرت حميد فحبس دموعه وانصرف
نسيت أمرها ... قال أنها نستني .. نسيتها أنا أيضا !
ومات جزءا أخرا مني
اجتزت البكالوريا ونجحت ... فرح حميد فرحا عظيما .. حتى أنه اقام لي كورتاج كأني عريس
سنة من بعدها .. بلغني أن أمي انتقلت وزوجها إلى الصحراء  ... شعرت بشيئ كالحزن .. لكني تذكرت كيف نستني كأني خطأها ..
ولأن المصائب لا تأتي فرادى .. مرض والدي ، سمع حميد بذلك .. أصر علي أن أزوره .. وقال : انه آخر ما بقي لي .. من ذاكرتي المحروقة ..

عدته .. كان في غيبوبة .. كان نحيلا وهزيلا .. نظر الي لكنه لم يكن في وعيه
وجدت مريم هناك .. لعلها اليوم ليست صدفة
ذهلت فقد كان والدها
صعقت هي وانفجرت بالبكاء لما اخبرتها
اصفر وجه وجه حميد
ارتعشت وهربت
طيلة اسبوع لم اتعرف علي .. شربت كثيرا ..
سمعت بوفاته
اياما من بعدها سمعت بوفاته .. لم اتفاجأ .. كنت متأكدا انها ساعة رحيله
ذهبت اعزي مريم ، او لست ادري هههه نظرت الي مطولا ثم انفجرت بالبكاء وهربت ... اختلطت مشاعرها اتحبني كأخاها ام كعشيقها .. تحملني المسؤولية ام تحملها لوالدها الذي رحل   .. حميد اخبرها بكل شيئ

ذهبت الى المقبرة .. تعرفت عليه .. بت اسكر عند قبره وفي الصباح تبولت عند رأسه واتلفت شاهدته وانصرفت .. النذل لم يسأل عني طيلة حياته .. لم يودعني حتى .. ورطني مع اختي وذهب

اليوم انتظر بفارغ الصبر جدتي اللي بارت فالدنيا كي دوبل سيس حتى تموت لأتبول على قبرها وانهي هذا المأساة .. هذه التراجيديا الشقية !

لقد اجتررت هذا الحديث ياسيدي لأقول لك ها أنا و اني سأنهي دراستي هذا العام واتظاهر بالفرح كنوع من التكريم لحميد .. حميد البطل .. بطل قصتي رغم أني اعلم ان هذا لايشكل فرقا عندي فحياتي انتهت قبلا  ومريم عشيقتي واختي سمعت انها اصبحت مجنونة .. اقدر ظروفها حقا .. فحتى العطايين لم يرحموها ولم يفهمو قصتها وكيف انها لم تخطأ بل القدر شاء لها هذا

أيها الشخص الذي لا اعرفك ، والذي تتلقى رسالتي في هذه الأثناء ... قلبي مدينة محطمة .. مدينة يقتسم فيها ألاف الغلابى نفس الاحياء الباردة التي تنتهي بجدارات مهشمة ، مدببة الجوانب .. مدينة يتناحر فيها ألاف الهامشيون والمنكوحون والسكارى على رغيف خبز .. على قبلة .. على ورقة نقدية .. وعلى عشرات الاشياء الرخيصة !
مدينة يتحارب الاحياء فيها مع الموتى  على لحظة خلود .. او لحظة مجد في عز عمر طويل من الالام !
.. قلبي يشبه مدن الافلام التي تصور الحرب تتهاوى عماراتها الشاهقة باستسلام تحت جنون الصواريخ والمدافع .. تتهاوى كما لم تكن .. او كاوراق الخريف الحزينة
لقد مات هذا القلب منذ زمن بعيد »

سمير
عنابة
تاريخ الرسالة : أوت 2020

لعبة القـدر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن