غلطة الشاطر بألف

11 3 0
                                    

     " أستاذ  حكيم ، سمعت أنك ترفض الألقاب الرسمية ، تقبل مني كأني صديق عزيز هذا الوصف ، واستقبل رسالتي التي أرسلها لإحداهن عبرك ، لا تتجاهلها ارجوك ، لقد تجاهلني كثيرون ، لست أعرف لماذا ألح عليك ، ولكن ليشفى القلب الشقي "

« ..كل هذا حدث بسببك وانت الآن قد تزوجتي واصبحتي أما وقبل هذا كنت زوجة .. انت تستعدين لإدخال ابنك البكر الى قسم التحضيري في الدخول القادم .. انا اتذكر جيدا انك كنت تحبين إسم رمزي وكنت تقسمين انه سيكون اسم ابنك بعد الزواج .. ابنك اسمه المهدي .. سمعت زوجك يناديه امام دكان عمي سليمان .. اتذكر هذا لأحصي كذباتك علي ، يوم كنت اصدقك قبل ان تنطقي .. كل هذا حدث بسببك وانت اليوم سعيدة
حدثت هذه التراجيديا قبل خمس سنوات بالتمام ولازلت أشعر أنها حدثت اليوم ، لم استعد بعد انفاسي وانا اتذكر كيف لخطىي الاول أن ينهي حياتي ...
كنا قد تعارفنا على نحو سنة وكانت زميلتك سعاد التي تغار منك تحرضك علي وحتى يوم جىت لأحدثك كنت تتظاهرين بالخجل وهي بصوت رجولي قالت :

_ أتركنا وشأننا

رغم هذا ظفرت بك وأحببتك و أظنك حتى أنت كنت تحبيني .. انا اعلم جيدا أني وسيم و عيناي ناعستان ، أعلم أني كنت الأكثر حظا بين أقراني..فلم أن محاطا  بالموبوئين .. ، و أنت لم يطل تظاهرك بالرفض .. كنت تخافي أن تخسريني .. لكن كما كنت أتوقع كانت المشاكل الجزء الاصعب في حكايتنا ..
مرة تعرض لي إبن عمك واخبرتك .. شعرتي بالخوف .... تعلمين أني أركب رأسي يابس وأتقاتل معه إن تعرض لي مرة أخرى ، الناس ينتظرون بشغف في المقاهي سماع هذا .. أخبرتيني أن نوقف علاقتنا حتى تهدأ الامور ورفضت أنا وأصريتِ انت .. فغضبت  .. لم نتحدث ليومين
أذكر جيدا تلك الامسية .. كان البرد قاسيا ..الريح تعصف وأشجار الصفاف تحدث حشرجة و موالا حزينا و هي تجابه .. لا أحد في الشارع .. الناس تسمرو في المقاهي ..الكل يرتدي قشابية ..والبرد قاس .. والجليد لايزال يغطي أرصفة الشوارع الاسفلتية التي لم تصلها شمس الصباح الباهتة .. وحدي كنت أجول ،فكرت مئات المرات في الشرب ، ولكن لأني لم اقم بهذا من قبل كنت اعدل عن قراري .. كنت خائفا من عائلتي وكنت خائفا من أبناء المدينة و قبل هذا كنت خائفا من الله .. كنت أستأنس بوساوس الشيطان لأتخلص من هذا الخوف وأفعلها فلم يخيبني ..حملت شرابي..ذهبت الى الغابة المحاذية للملعب  ..شربت رغم البرد والريح ولكن أنت فقط من كنت أفكر فيها ... كنت أستعين بكوكتال من الأغاني .. لم أعد اطيق البقاء بدونك ،لذا شربت وأنا الذي كنت أصلي كل صلاة في المسجد .. لأنها مرتي الأولى شربت كثيرا حتى كاد يغمى علي ، تحاملت ومشيت وانا خائر القوى .. لم اكن اعي حتى ماقوله
اعلم انه رآني الكثيرون ، وفرح البعض ، وقال آخرون :
-الدعاوي
- أبناء اليوم .. جرعة واحدة  تجعلهم ينزلون سراويلهم !
تشاجرت مع النادل في المقهى .. دفعني خارجا ، سقطت ، ثم غادرت وانا أتفوه بعبارات نابية .. هذا ماتذكرته .. ذهبت الى بيتكم ..كنت أصرخ بإسمك .وأهذي بالكثير .حتى جاء إلي إبن عمك .. ثم لحق به أصحابه وربما والدك وبعد هذا لم أعد أذكر شيئا ..
استفقت في الكوميسارية بعدما رشني الشرطي بدلو ماء .. ثيابي كانت ممزقة ، كنت أشعر بالألم في وجهي ..لكني لم أتبين شيئا سوى بقع الدم .. الزنزانة  مظلمة ..الارضية غير مفروشة  برودتها قاسية والظلام حالك .. ودلو الماء ، آآه .. دلو الماء البارد ..!
الشرطي كان غاضبا .. يصرخ علي كلما مر بجانب زنزانتي  ، أردت أن أقول له عدة مرات
_ هل هي  أختك أو قريبتك !!
! ... لقد إزداد ألمي . أخبرته وأنا أبكي أني أكاد ادخل في غيبوبة .. صرخ كثيرا ، ثم استدعى زميله .. قاما بجري الي الكراسي المخصصة للإستقبال .. ربما شفع لي وجهي الطفولي ببعض الشفقة منهم ..أخبرتهم أني أعاني من ألم في بطني .. وأخبرتهم أن حجم يدي مهول .. وأني اسقط مرارا من مكان عال نحو منحدر سحيق .. أردت أن أقول لهم أني في مرحلة الهلوسة بسبب ألم رهيب لم أعرف مصدره
قال لي الشرطي بغضب :
_ أنت لم تصحُ بعد
وقال له زميله :
- لقد بات ليلته هنا ونحن في الصباح !
-ربما هو  مريض
- وجهه .. رأيته ؟!
مابه وجهي .. لم أستطع أن أرفع يدي وأتحسس مكان الالم المنبعث منه .. وبعد هذا لم أتذكر شيئ ..لابد اني دخلت مرة اخرى في غيبوبة
استفقت وانا في غرفة زرقاء فاتحة و طاولة بجانبي و سرير جميل .. استفقت وانا موصول بأنابيب السيروم والكثير من الانابيب الاخرى ..
تقدمت أمي الي وقالت بنبرة حزن وفرح :
-الحمدووله ياربي
-ياوليدي ( واش درت في روحك )
أعلم أنها لم تكن تنتظر إجابتي ..أجابتني دموعها .. هوت بغزارة ..
بدأت أسترجع بعض الاحداث .. تذكرت أني سكرت وتذكرت اللعين  إبن عمك .. تذكرت الكوميساريا ..
خرجت أمي .. تكفل شقيقي بسرد القصة و كان في كلامه بعض القسوة .شعرت أنه سيتكفل بتأديبي من بعد .. أخبرني أني أفلت من الموت بأعجوبة .. كادت الزائدة الدودية أن تودي حياتي ..
-لو حدث تأخير قليل كنت ستموت  !
كيفأاموت .. أنا احبها .. قلت في قرارة نفسي !
صدمني شقيقي لما سألته عن أبي حينما أخبرني أنه هو أيضا هنا بالمستشفى
مابه ؟
قال أنه صدم للكارثة التي قمت بها ..
- طلعله السكر
- شُل !
أجل أصيب والدي بالشلل النصفي ويده التي كان سيرفعها علي أصيبت بالشلل
أخبرني أنه أقسم أن  لا يرى وجهي ...
بعد أيام ذهبت الى السجن وقبلها علمت أني تعرضت لاصابة بليغة في وجهي شوهته .. في السجن نصحوني بالكثير من الاعشاب والخلطات لعلي اشفى
وبعد شهرين خرجت
كنت منهارا لما وقع .. هنا الذي يخرج من السجن تقام له وليمة .. انا والدي اشاح وجهه علي وامي عانقنني عناقا باردا و اخي كأنه كان يستشف في حالتي .. اخبرتني امي ان والدي تبرأ مني .. وقراراته لا رجعة فيها ، هي تعرف زوجها جيدا ..
الاطفال هنا  يسخرون من شكل وجهي .. أصدقاء الدراسة أصبحوا يتحاشوني خصوصا أمام زميلاتهم ، وصديقي محمود أخبرني انه يظن أنها اثار لضربة رونجاس .. وقال لي ربما ( مسعود لبوليسي ) تعمد هذا ..
وأنتِ يوم رأيتني صُدمتِ ولم تطيقِ  النظر في وجهي .. آه .. أعرف انا لست وسيما كما كنت ..،حتى أمي تقول لي لا تطل النظر في ابن أختك الصغير
-تخيفه !
لم تردّ بكلمة .. وأصبحت تهميلنني .. فهمت هذا .. الاساتذة أيضا  يسخرون من شكلي ، والمدير قالها لي ذات مرة وجد زملائي يحدثون الفوضى :
_ أنظر لوجهك ثم  اضحك
وكانت جميلات القسم يتغامزن علي
لهذا إنقطعت عن الدراسة وأنا الذي كنت أنكح الفصول بمعدلات مرتفعة
صدمت جدا يوم سمعت أنك تزوجتي بابن عمك .. صدمت واندهشت .. أحسست بخطئي وتذكرت والدي المسكين
(( قال لي ذات مرة :
لقد مرغت سمعة وشرف العاىلة في التراب ))
الناس يقولون :
- هاه هذا ما جناه على نفسه !
- الامام يستشهد بي في خطب الجمعة
الكل هنا يتهمني ولا احد يحملك انتي ما حدث
اليوم انا لا اصدقاء ، ولا عاىلة ، حتى الكلام اصبحت لا اتحدث كثيرا .. فانا مكسور وهش من الداخل
الاطفال يعايرونني بوجهي و يرمون علي الحجارة ، وفي الحافلة لا احد يجلس بجانبي لذا انا لاسافر .. وحدها امي تسألني :
_ هل تعشيت ..
فارد بصوات واهن : ليس بعد
وأنا ألمح ابي مرمي في زاوية المنزل وهو الذي كان مهابا اذا تحدث حدقت به العيون وانصتت اليه الاذان
لا أحد في العائلة سيغفر لي ما قمت به .ولا احد هنا يقول لازال صغيرا
نصحوني بشهادة طبية تثبت عجزي لكي أتقاضى منحة أصحاب الإعاقات ، لكن لما رأت عاملة مصلحة الضمان الاجتماعي وجهي صُدمت،  وزميلتها  بدأت تسألني أسئلة ساخرة وهي تضحك مع صديقها على شكل وجهي وهي تظن أني بهلول ....لعنت هذه المنحة .. واستسلمت لليأس
أنا الان ألف لفافات الكيف في الاماكن المظلمة ، وادخل منتصف الليالي ، ولا اهتم لشيئ .. أنا فاقد للأمل ، أتذكرك بين الفينة والاخرى لما ارى زوجك وابنتك اتذكرك لاعرف مدى بشاعتي و حجم خطاي .. لاتذكر الجحيم الذي انا فيه وكيف انقلبت حياتي بهذا الشكل الهيستيري المجحف
كل هذا حدث بسبب أن قلبي خفق بحبك ... انت اليوم سعيدة ، وأنا أموت في اليوم ألف مرة ! »

يونــس
تيزي وزو _ الجزائر | 2019

لعبة القـدر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن