أسطورة العشق الغريب

6.9K 306 275
                                    

لا يدرك الشّخص قيمة الشيء إلى أن يفقده، فهكذا هي طبيعتنا نحن البشر، عندما كانت السّعادة رفيقة دربنا قلنا أنّنا تعساء لكن بعدما حلّ البؤس علينا أصبحنا ندّعي السعادة كي نجتنبَ سخرية البشريّةِ جمعاء.

الزّمن تغيّر كثيرا وقد غيّرني معه أيضا فها أنا ذا جالسة أمام نافذة المنزل، أحدّق بالبحر الذي تفصلني عنه مجموعة من المنازل ذات البنيان العثماني القديم بينما أتأمّل القصبة بحنين عجوزٍ تعيش على استرجاع ذكريات شبابها الذي أمضته بين أزقة هذا الحي العتيق.

أغمضتُ عيني فجأةً، ثم استنشقت الهواء البارد عسى لأنفي أن يدرك رائحة رمضان لكن حرفيا رمضان هذه السّنة لا رائحة له فالأجواء بدت مختلفة، لقد بدت كئيبة على عكس ما كانت عليه في زمنٍ مضى.

قبل سنوات من الآن كان شهر رمضان المبارك ذا رائحةٍ خاصة وذا أجواءٍ مميّزة، إذ كنا نشمّ رائحته قبل حلوله بأيّام حتّى، لطالما اعتدنا على تنظيف المساجد والمنازل تماما كما اعتدنا على الاستقرار في سطح المنزل بُِغية تحضير المكونات والتوابل المشكلة للأطباق الخاصة بالشهر الفضيل.

سابقاً نحنُ كنّا ندرك حقيقة الشهر الفضيل كما يجب لذا اعتدنا على تسخير وقتنا للعبادة وتعلّم الدين ثم في سهرةٍ رمضانية أصيلة كنّا نحن النساء نصعد إلى سطوح منازلنا فنقفز من سطحٍ إلى سطح حتّى نصل إلى ذلك البيت الذي يمتاز بأكبر وسط دارٍ فنجلس حول موائد الكعك والشاي التي تتخللها "البوقالات" والقصص المتنوعة إضافةً إلى المدائح الدينية ثم وبطريقةٍ عفويّة كانت كبيرة الحي تحكي لنا عن التراث العاصمي لنقرع نحن تلك الطبول التي تلطّف الجو وتدخل البهجة إلى قلوبنا.

تنهّدتُ بخفّة وابتعدت عن النافذة لأجلس على سريري الذي أصبحَ صديقي المقرّب منذُ سنوات، ثم بعاطفةٍ صادقةٍ حدّقت في لينا وهناء، حفيدتيّ اللتان كانتا تتشاجران لسبب تافه أجهله لكن بمجرد ما بدأ مسلسلهما تخلّتا عن الشجار ورفعتا من صوتِ التلفاز بهدفِ الاستماعِ إلى الأغنية التي تعشقانها.

هما حقّا مهووستين بالمسلسل بينما أنا مهووسةٌ بالتّحدث إليهما نظراً لرغبتي في تحصيل ذكريات جميلة معهما فلا أحد يعلم متى سأفارق الحياة.

يقال أنّ الطبع لا يفارق الشخص مهما تغير وهذا ما حدث معي بالفعل فصحيح أنّني كبرت في السن لكنّني لا أزال مجنونة بيني وبين نفسي، أي لا أزال أُلقّب بالزهرة السوداء، لا تعتقدوا أنّني كنت فائقة الجمال أو ما شابه فقد لقّبت بهذا اللقب لسبب واحد فقط ألا وهو أنّني كنت قائدة الطائشات في هذا الحي العتيق إذ اعتدت على الاجتماع بنسوةِ الحي في سطح منزلي فأجالسهن لساعات طوال دون أن أهتم بحرارة الجو ثم ما إن نالت أشعة الشمس من بشرتي وأصبحت سمراءً إلى حدّ ما لقبني الجيران بالزهرة السوداء.

اسمي الحقيقي هو فاطمة لكن الجيران كانوا ينادونني بالزهرة ففي صغري كنت أدخل البهجة إلى قلوبهم تماما كالزهرةِ التي تنعش الشخص بجمالِها وطيبةِ رائحتها، ولأكون صريحة لقد كانوا ينادونني أيضاً بذهبية لأنّني عُرِفتُ بإعارة ذهبي لنساءِ الحي في المناسبات.

فتى الكمان -مكتملة-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن