𝐓𝐡𝐢𝐫𝐝 𝐃𝐨𝐨𝐫 | البَابُ الثَّالِث

222 12 16
                                    

"People you love, hurt you the most"
..
مَرَّت عَلَى تِلكَ الحَادِثَةِ بِضعَةُ أَشهُر، حَيثَ حَاوَلَ كُلٌّ مِن جُون وَرُوز التّأَقلُم وَالتّخَطّي بِالرّغمِ مِن صُعُوبَةِ ذَلِك، حَتّى أَنّهُمَا لَم يُفَكّرَا فِي إِنجَاب طِفل آخَر بِسَبَبِ عَدَم تَخَطّيهِمَا لِمَا حَدَثَ، وَلِأَنّهُمَا لَا يُعِيرَان اِهتِمَامًا كَبِيرًا لِذَلِك، فَعَلَى حَسَب جُون، حَملُ رُوز الأَوّل كَان مُفَاجِئًا وَلَم يَكُن يَنتَظِر مِنهَا طِفلاً، لَكِنّه لَم يُمَانِع ذَلِك.
..
"العَالَمُ قَاسٍ، وَكَذَلِكَ الحَيَاة، لَكِنّهَا تَستَمِرُّ رَغمَ كُل شَيء، هَذَا مَا أُحَاوِلُ التّمَسّكَ بِه، لاَ أُرِيدُ أَن أَنهَار، وَلاَ أُرِيدُ أَن أَدَعَ رُوز تَنهَارُ هِي الأُخرَى، أَعلَمُ بِأَنّ مَا مَرَرنَا بِهِ لَم يَكُن هَيّنًا، لَكِن يَجِبُ تَقَبّلُ الأُمُورِ وَالوَاقِع، هِيَ لَم تُخطِئ بِشَيء، رُوز أَروَعُ شَخصٍ عَرَفتُهُ فِي حَيَاتِي، دَائِمًا مَا تُحَاوِلُ القِيَامَ بِالأَشِيَاءِ بِشَكلٍ صَحِيحٍ، دَائِمًا مَا تُحَاوِلُ إِسعَادِي وَهِيَ بِالفِعلِ تُسعِدُنِي، لِذَا لَدَيهَا مَكَانٌ خَاصٌ وَمُمَيّزٌ فِي قَلبِي وَلاَ يُمكِنُنِي تَركُهَا لِدَوّامَةِ الاِكتِئَابُ، كُلّ مَا أُرِيدُهُ هُوَ رُؤيَةُ اِبتِسَامَتِهَا وَسَمَاعُ صَوتِ ضَحكَتِهَا، فَذَلِكَ يُحيِينِي رَغمَ كُلّ الأَجزَاءِ التِي لاَ تَزَالُ مَيّتَةً بِدَاخِلِي."
- جُون ستِيوَارت.
..
"حَلّ الصّبَاحُ مُعلِنًا بِدَايَةَ يَومٍ جَدِيد، اِستَيقَظتُ بَاكِرًا كَالعَادَة، دَائِمًا مَا أَستَيقِظُ قَبلَ شُرُوقِ الشّمس، لِأَنّ أَجوَاءَ الصّبَاحِ البَاكِرِ تَرُوقُ لِي، هُدُوء، هَوَاءٌ نَقِي، كُوبُ قَهوَتِي، هَذَا كُلّ مَا أَحتَاجُهُ لِتَصفِيَةِ ذِهنِي، فَأَنَا بِصَرَاحَةٍ أَكرَهُ الذّهَابَ إِلَى العَمَل وَأَكرَهُ مُقَابَلَةَ النّاس، لِأَنّهُم يُسَبّبُونَ لِي صُدَاعَ الرّأس، نَهَضتُ مِن السّرِيرِ لِتُقَابِلَنِي رُوز وَهِي نَائِمَةٌ كَالطّفلِ الصّغِير، مَلاَمِحُهَا البَرِيئَةُ لاَ تُوحِي بِأَنّ لَدَيهَا 27 عَامًا، اِبتَسَمتُ بِخِفّة لِأُغَادِرَ الغُرفَةَ وَأَبدَأَ يَومِي بِشَكل طَبِيعِي، قَصَصتُ القَلِيلَ مِن شَعرِي لِأَنّهُ طَالَ مُؤخّرًا ثُمّ اِستَحمَمت وَجَفّفتُ شَعرِي، جَهّزتُ قَهوَتِي ثُم خَرَجتُ إِلَى الشُّرفَةِ لِيَستَقبِلَنِي الجَوّ المِثَالِي، شَعَرتُ بِأَنّنِي فِي نَعِيمِي الخَاص حِينَ اِرتَشَفتُ القَلِيلَ مِن قَهوَتِي بَينَمَا كَانَت نَسَمَاتُ الهَوَاءِ النّقِي تُدَاعِبُ خَصَلاَت شَعرِي، لَيتَ هَذِهِ اللّحظَةَ تَستَمِرّ إِلَى الأَبَد، الطّبِيعَة أَعَزُّ أَصدِقَائِي مُنذُ الطّفُولَة، الطّبِيعَةُ لَم تَخذُلنِي يَومًا! سَأَكُونُ دَائِمَ الاِمتِنَانِ لَهَا.. صَحِيح، مَن هَذَا الذِي خَرّبَ أَجوَائِي لِلتّو..؟"
قَالَ جُون فِي نَفسِهِ لِيَلتَفِتَ مِن مَكَانِهِ وَيَجِدَ رُوز وَاقِفَةً مِن بَعِيد، نَاظَرَا بَعضَهُمَا بِدَهشَةٍ لِوَهلَة، فَلَيسَ مِن عَادَاتِ رُوز الاِستِيقَاظُ بَاكِرًا، فَجأَةً اِنتَبَهَ لِكَأسِ الشّاي الوَاقِعِةِ عَلَى الأَرضِ وَالمَكسُورَة، وَالتِي كَانَت السّبَبَ فِي اِلتِفَاتِه.
"رُوز..؟"
"جُونِي.. صَبَاحُ الخَير!"
"صَبَاحُ النّور عَزِيزَتِي.."
قَالَ جُون بِاِستِغرَابٍ لِتَستَغرِبَ رُوز هِيَ الثّانِيَة
"مَا بِك.."
"لَا شَيء.. فَقَط مُستَغرِبٌ لِرُؤيَتِكِ مُستَيقِظَةً فِي هَذَا الوَقتِ.. أَعنِي اُنظُرِي إِلَى نَتَائِجِ أَفعَالِكِ."
قَالَ جُون مُشِيرًا إِلَى الكَأسِ الوَاقِعَةِ أَمَامَه لِتُنَاظِرَهُ رُوز بِاِنزِعَاج
"هَل تَسخَرُ مِنّي يَا هَذَا!"
"وَمَاذَا إِن كُنتُ كَذَلِكَ يَا هَذِه ؟"
قَالَ جُون مُحَاوِلاً كَتمَ ضَحكَتِه لِتَنزَعِجَ رُوز وَ تَقتَرِبَ لِتَشُدّ إِحدَى خَصَلاَتِ شَعِره لِيَنفَجِرَ الأَخِيرُ ضَاحِكًا
"هَل حَقًّا تَظُنّينَ بِأَنّكِ تُؤلِمِينَنِي وَبِأَنّنِي سَأَبكِي مِثلَكِ أَيّتُهَا الطّفلَة ؟!"
قَال جُون بِضَحِكٍ لِتَعبَسَ رُوز لِوَهلَة، نَاظَرَهَا بِخِفّة لِيَستَوعِبَ بِأَنَّ حَجمَهَا حَجمُ طِفلَةٍ أَمَامَهُ بِحَق وَيَضحَكَ لِلمَرّة الثّانِيَة
"طِفلَةٌ وَقَصِيرَة ؟! مَا هَذَا يَا رَجُل!"
قَالَ جُون لِتُنَاظِرَهُ رُوز بِاِنزِعَاج وَتَشُدّ خَصَلاَتَ شَعرِهِ بِقُوّة لِيَضحَكَ أَكثَر
"حَسَنًا حَسَنًا! أَنَا آسِفٌ!"
"أَنتَ دَائِمًا تَسخَرُ مِن طُولِي!"
"ذَلِكَ أُسلُوبِي فِي التّعبِير عَن حُبّي!!"
قَالَ جُون لِتَصمُتَ رُوز وَتَحمَرّ وَجنَتَاهَا لِوَهلَة، لاَحَظَهَا الآخِر لِيَبتَسِمَ بِجَانِبِيّة
"هَل أَنتِ بِخَير ؟ لِمَاذَا سَقَطَت مِنكِ الكَأسُ عَلَى كُلّ حَال ؟"
"نَعَم.. فَقَط شَرَدتُ لِوَهلَة وَلَم أَشعُر بِنَفسِي أُسقِطُهَا."
قَالَت رُوز لِيُنَاظِرَهَا جُون بِهُدُوء
"مَالذِي يَشغَلُ بَالَكِ رُوز ؟"
"لاَ شَيءَ جُوني.. أَنَا حَقًّا بِخَير!"
"حَقًّا ؟"
"أَجَل!"
"فَهِمت، لِنُنَظّف المَكَانَ عَزِيزَتِي."
رَدَّ جُون مُبتَسِمًا بِهُدُوء لِيَشرَعَ هُوَ وَرُوز فِي تَنظِيفِ الفَوضَى الصّغِيرَة التِي تَسَبّبَت فِيهَا، فَجأَة شَعَرَت رُوز بِالغَثَيَان لِتُوشِكَ عَلَى السّقُوط لَو لَم يَنتَبِه لَهَا جُون وَيُمسِكهَا.
"رُوز! هَل أَنتِ بِخَير ؟!"
قَالَ جُون بِقَلَق لِتُنَاظِرَه رُوز بِتَعَب
"نَعَم.. لَم أَنَم جَيّدًا لَيلَةَ أَمس.."
"رُوز عَزِيزَتِي.. لَم يَكُن عَلَيكِ الاِستِيقَاظُ بَاكِرًا إِن كُنتِ مُتعَبَة."
"لَكِنّنِي.. أَرَدتُ قَضَاءَ الوَقتِ مَعَك.."
قَالَت رُوز بِتَعَبٍ لِيَبتَسِمَ جُون وَيُرَبّتَ عَلَى شَعرِهَا بِهُدُوء
"أُقَدّرُ ذَلِكَ وَلَكِن صِحّتُكِ أَهَم، كَمَا أَنّنَا سَنَقضِي الوَقتَ مَعًا لَاحِقًا اِتّفَقنَا ؟ تَمَسّكِي بِي الآن."
قَالَ جُون لِيَحمِلَ رُوز وَيَتّجِهَ بِهَا إِلَى غُرفَتِهِمَا، وَضَعَهَا عَلَى السّرِيرِ ثُمّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبِينِهَا
"كَمَا تَوَقّعت.. حَرَارَتُكِ مُرتَفِعَة."
"أَ..أَنَا بِخَير لَا-"
"اِرتَاحِي اليَوم."
قَالَ جُون مُقَاطِعًا رُوز بِهُدُوء، لِتُنَاظِرَهُ الأُخرَى بِاِستِغرَاب
"يُمكِنُكِ أَخذُ إِجَازَةٍ اليَوم، كَمَا أَنّنِي سَأَبقَى مَعَكِ."
"لَكِن عَزِيزِي.. مَاذَا عَنِ عَمَلِك ؟"
"لَا تَقلَقِي، يُمكِنُنِي قَضَاءُ بَعضٍ مِنَ الوَقتِ بِرِفقَتِكِ إِلَى أَن أَتَأَكّدَ بِأَنّكِ قَد أَصبَحتِ بِخَير."
قَالَ جُون بِنَبرَةٍ دَافِئَةٍ لِتُمسِكَ رُوز يَدَهُ وَتُمعِنَ النّظَرَ فِي عَينَيهِ، اِنتَبَهَ لَهَا لِيَضحَكَ بِخِفّة.
"أَنتِ لَطِيفَة.. وَكَثِيرًا! دَعِينِي أَعتَنِي بِكِ!"
قَالَ جُون بِاِبتِسَامَة وَاسِعَة لِيُرَبّتَ عَلَى شَعرِ رُوز بِلُطفٍ وَيُغَادِرَ الغُرفَة.
"هَذَا شُعُور.. دَافِئ.. لَم أَشعُر بِهِ مِن قَبلُ إِلاّ مَعَ جُون.."
قَالَت رُوز فِي نَفسِهَا لِتَبتَسِمَ بِدِفءٍ وَتَقُولَ بِصَوتٍ خَافِت
"Je t'aime.. tu es le meilleur, John."
(أُحِبّك.. أَنتَ الأَفضَلُ يَا جُون.)
..
مَرّ الوَقتُ بِسُرعَة، حَيثُ قَدّمَ جُون الأَدوِيَةَ اللّازِمَة لِرُوز وَجَهّزَ لَهَا طَعَامًا خَفِيفًا وَصِحّيًّا لِتَأكُلَهُ فِيمَا بَعد وَيَطمَئِنّ عَلَيهَا، فَهُوَ عَلَى كُلّ حَال كَانَ سَيَختَارُ البَقَاءَ مَعَهَا وَالعِنَايَةَ بِهَا أَكثَر لَولَا جَدوَل أَعمَالِهِ المُزدَحِم.
"صَبَاحُ الخَير جَاين، هَل كُلّ شَيءٍ جَاهِز ؟ حَسَنًا."
قَالَ جُون بِهُدُوءٍ لِيُغلِقَ الخَطّ وَيَتّجِهَ إِلَى الغُرفَة لِيَطمَئِنّ عَلَى رُوز قَبلَ أَن يُغَادِر.
"عَزِيزَتِي سَأُغَادِرُ الآن، لَا تَنسَي أَن تَرتَاحِي جَيّدًا وَتَأكُلِي مَا حَضّرتُهُ لَكِ، اِتّفَقنَا ؟"
قَالَ جُون مُبتَسِمًا بِخِفّة، لِتُومِئَ رُوز بِاِبتِسَامَةٍ وَاسِعَة رَغمَ تَعَبِهَا وَتَفتَحَ ذِرَاعَيهَا، نَاظَرَهَا جُون لِوَهلَةٍ لِيَفهَمَ قَصدَهَا وَيَتّجِهَ نَحوَهَا، عَانَقَهَا بِخِفّةٍ مُرَبّتًا عَلَى شَعرِهَا بِلُطفٍ لِيَشعُرَ بِتَشَبُّثِهَا بِه، أَغمَضَ عَينَاهُ لِوَهلَةٍ ثُمّ فَتَحَهُمَا.
"آسِفٌ رُوز."
نَطَقَ جُون بِهُدُوءٍ لِتَستَغرِبَ رِوز
"لِمَاذَا ؟"
"لِعَدَمِ قُدرَتِي عَلَى البَقَاءِ مَعَكِ اليَوم، أَعنِي.. لَقَد أَرَدتُ ذَلِكَ أَيضًا لَكِن لَدَيّ الكَثِيرُ مِنَ العَمَل.."
"جُونِي لَا دَاعِيَ لِلاِعتِذَار! أَتَفَهّمُ كُلّ ذَلِكَ كَمَا أَنّكَ تَفعَلُ الكَثِيرَ مِن أَجلِي وَأَنَا أُقَدّرُ ذَلِك.. أَنتَ رَائِعٌ عَزِيزِي!"
قَالَت رُوز بِنَبرَتِهَا الحَنُون لِتَلمَعَ عَينَا جُون فَجأَةً.
"رَائِع..؟"
قَالَ جُون فِي نَفسِهِ لِيَبتَسِمَ بِدِفءٍ وَيُقَبّلَ رَأسَهَا بِهُدُوءٍ، مِمّا تَسَبّبَ فِي احمِرَارِ وَجنَتَيهَا.
"أَرَاكِ لَاحِقًا رُوز.. فَلتَعتَنِي بِنَفسِكِ."
قَالَ جُون مُبتَسِمًا بِخِفّة لِيُغَادِرَ الغُرفَة، بَينَمَا عَبَسَت رُوز وَأَوشَكَت عَلَى إِيقَافِه بِمَدّ يَدِهَا فِي الهَوَاء، لَكِن فَاتَ الأَوَان
"لَا تَذهَب جُون.. لَا تَترُكنِي.. أُرِيدُ أَن يَدُومَ ذَلِك لِلأَبَد.."
قَالَت رُوز بِصَوتٍ خَافِتٍ وَحَزِين، لِتَستَلقِيَ مُجَدّدًا وَتَدمَعَ عَينَاهَا بِحُزن، شَعَرَت بِأَنّ مَا حَدَثَ قَبلَ قَلِيل مَألُوفٌ بِالنّسبَةِ لَهَا.

ESCAPISM Where stories live. Discover now