البدايه

1K 60 14
                                    

مقدمة
خطوات قويه يصدح صداها في سكون الليل ... يملىء القلوب رعبًا وخوفًا .. يصاحبها خيال طويل يقترب منهم ترسمه تلك النيران المشتعله في كل ركن من أركان المكان التي تنيره بالستنها التي تتراقص بقوة إثر الهواء القوي القادم من بوابه تلك المغارة .. هنا في حضن ذلك الجبل الكبير الذي يضم أخطر الرجال وأشدهم بئسًا
-النهاردة اللي جولته كله يتنفذ ... ومش عايز تأخير عايز أسمع صوت العويل من اهنه أنتو سامعين
                        ...................
          يا بعيد عن العين يا نور العين يا ضي الحق
          طول ما احنا عايشين علي بابك ح ننزل دق
            لحد ما تبان لنا و ليلنا الطويل ينشق
           وان فج نور فجرنا تضحك قلوب العباد
                  واهين يا وجع البعاد
            يا بعيد عن العين يا ساكن جوه ارواحنا
             وجع البعاد في ليالي الشوق يطوحنا
              نحلم نلاقيك .. لكن الريح يسوحنا
           هوه احنا نوحنا غير لما الوجع فينا زاد
                        واه يا وجع البعاد


البداية

في احدى مدن الصعيد وخاصه تلك المدينه الجميلة وبالتحديد في احدى القرى الصغيرة التي مازال اهلها يتمسك بالعادات القديمة الباليه رافضين رفضًا تامًا اي شكل اخر غير ما توارثوه عن ابائهم وأجدادهم مصدقين ان كل ما يحدث حولهم من تمدن ما هو الا شر كبير ولن يأتي من خلفه الا الخراب
تسير بخطواتها الخجله تحمل فوق رأسها ذلك السبت الكبير .. تشعر بالاجهاد ورغم ضئاله حجمها الا انها تحمله بثبات وقوه
لقد تأخرت اليوم في السوق كثيرًا ومؤكد سوف توبخها خالتها "نصره" على ذلك لكن ليس بيدها شيء .. وهل كانت هي السبب في تلك المشاجرة التي حدثت بين "مجاهد" أبن الشيخ مندور وبين ذلك الشاب الغريب؟ .. والذي على أثرها تحول السوق لساحة حرب كبيرة جعلت الخضروات تتبعثر على الأرض وفي كل مكان أمام عيون البائعين المتحصرين عليها ... مرت دقائق والكل يضع يده فوق قلبه وهم يرون "الشيخ مجاهد" يخرج عن هدؤه المعتاد ويتعدى بالضرب على أحدهم ... وبعد هدوء تلك الحرب بدء البائعون في لملمه بضاعتهم وهم يحسبننون على من كان السبب .. لكن ما لم تفهمه هي نظره مجاهد لها قبل ان يغادر السوق .. وكأنه يقول لها ( أنتِ السبب) كشرت ملامحمها قليلا وقالت لنفسها
( وأني مالي انا ماشيه في حالي وبشتري الخضار  مالي اني ومال الخناج)
لوت فمها كالاطفال وقالت بحزن:
-كل حاچه من تحت راس رجه .. موت ابوي وأمي والعاركه اللي في السوج ويمكن كمان انا سبب حرب العراج .. ربنا يريحكم من رجه ونحس رجه
...............
وصلت أخيرا الي أمام البيت ونادت بصوت عالي:
-يا خالتي .. يا خالتي نصره تعالي حططتيني السبت تجيل.
خرجت نصره بجسدها الممتلئ قليلًا وقالت ببعض اللوم:
-كل ده في السوج يا رجه .. مفيش مره تروحي السوج وترچعي على طول من غير لكاعه
ساعدتها على وضع السبت على الأرض وقالت وهي تمسد رأسها من ثقل السبت وقالت:
-كانت في عاركه كبيره جوي في السوق وعلى مرچع السوج زي الاول اخدوا وجت ... ذنبي اني ايه بجى.
لوت نصره فمها وهي تقول ببعض اللوم المرح:
-مش باينه من الأرض ولسانك تتلفحي بيه
رفعت رقه شفتيها الي الاعلى وقالت ببعض اللوم المرح:
-طالعه لخالتي .. يا خالتي
ومرت من جوارها وهي تقول بتوضيح:
-هغير خلجاتي واچي اعمل الغدا
-لع خلصي صلاه واغسلي الخلجات دي هلال چاي النهارده وعايزه الدار يلمع من النظافه
أوضحت نصره سريعًا .. فأومأت رقه بنعم ودخلت الي غرفتها وهي تفكر .. "هلال" قادم اليوم سوف تعود الي الصمت من جديد .. سوف تشعر بالاختناق من جديد .. رفعت عيونها الي سقف الغرفه وهي تقول بتوسل:
-مليش غيرك يا كريم أرحم جلبي الضعيف
حين انتهت من صلاتها .. أرتدت جلباب بأكمام طويله وربطت شعرها بمنديل صغير ووضعت الوشاح الطويل حول رقبتها تحفزًا لقدومه ... غادرت الغرفه .. ومباشرة جلست أمام ذلك " الطشط " الكبير حتى تحاول الانتهاء من الغسيل سريعًا
كانت نصره تعد الطعام وهي منشغله تمامًا عن تلك الواجمة .. والذي يتحول حالها تمامًا في وجود هلال
........................................
-رايه .. رايه
بصوت عالي نادت الست جليله على تلك الفتاه التي تقف فى حديقه منزلها .. تحاول الوصل الي احدى عناقيد العنب التي تتدلى بشكل مغري أمامها لكن حين وصلها صوت جليله
التفتت تنظر اليها بخجل وقالت بصوت ضعيف:
-اني اسفه يا ست چليلة راچعه للشغل اها
وتحركت خطوتان لكن صوت جليله عاد من جديد:
-لع .. تعالي يا رايه انا عايزاكي
وعادت الي داخل المنزل الكبير الذي يشبه السرايات .. لتسير رايه خطواتها في اتجاه السرايه وهي تفكر .. ماذا تريد منها الست جليله الان؟ ماذا فعلت؟ هل النظر الي عناقيد العنب أصبح جرم وعليها ان تعاقب عليه الان؟
عبرت باب السرايه الكبير وعيونها تشاهد كل شيء بأنبهار وكأنها تدخل اليها لأول مره .. لكن حين بدأت تقع الست جليله في مرمى بصرها أخفضت نظرها أرضًا حتى وقفت أمامها وهي تقول:
-خدامتك يا ست چليلة.
ظلت جليله تنظر اليها وهي تفكر ..هل ما ستقوم به صحيح؟ أم إنها تخطأ لكن؛ ماذا بيدها ؟ إذا كانت تريد ان تصل لما تريد عليها فعل ذلك .. شمخت برأسها كما أعتادوا عليها حين تتحدث وقالت:
-امك لساتها تعبانه؟
-على حطه يدك يا ست ناس
اجابت رايه وهي تنظر أرضًا كما هي .. لتقول جليله من جديد:
-معرفاش لسه توفري فلوس علشان علاچها
ظلت رايه صامته لعده ثوان ثم قالت بحزن شديد:
-والله يا ست چليلة بشتغل كتير بس العين بصيره والايد جصيره
أومأت جليله بنعم وأبتسامه سعادة ترتسم على ملامحها وهي تقول:
-إذا كان جدامي شغلانه ليكي هتكسبي من وراها كتير وتجدري تچيبي لأمك الحكيم وأكل مليح .. هتجولي ايه؟
رفعت رايه عيونها تنظر الي جليله وقالت بعدم تصديق:
-صُح الحديت ده يا ست جليلة
أومأت جليله بنعم ف أقتربت منها سريعًا وجلست على ركبتيها أمامها وهي تقول برجاء وتوسل:
-انا من يدك دي ليدك دي
رفع جليله رأسها بسعادة وها هي سوف تتخلص من ذلك القلق الذي يسكن قلبها .. عليها أن تنهي الامر قبل ان يحل ظلام ذلك اليوم والا لن تستطيع السيطره من جديد على القرية ومن فيها .. فالجميع ينتظر ذلك اليوم خاصه بعد ما حدث
منذ سنه والجميع كان مجتمع في ذلك الصوان الكبير الذي يقيمه عائله دبور .. ويقوم كبيرهم سليمان دبور بذبح الذبائح وتوزيعها على الفقراء تحت إشراف أبنه الوحيد شامل .. ويحضر المنشدين ليحيون تلك الليله بالإنشاد في حب رسول الله ﷺ بعد ذلك الهجوم الذي حل عليهم من قطاع الطريق ساكني الجبل .. واختفاء ثلاث فتايات لا يعلم مصيرهم الا الله ... قررت جليله في ذلك الوقت انه قد حان الموعد ان تلقي بشبكتها على اهل البلد .. وتحقق ما كانت تحلم به .. وهو سحب البساط من أسفل قدمي شامل دبور ووالده وأن تصبح هي سيدة البلده بلا منازع رغبه منها في كسره كما كسر قلبها .. وبالفعل جلعت بعض من أتباعها ينشر شائعه كونها صعدت الي الجبل حتى تتافهم مع ساكنيه على حل لكل حالات الخطف تلك .. وانها لديها سلطه قويه وكبيره من الجان الذي ساعدها على الصعود الي الجبل والنزول سريعًا دون ان يلاحظ اهل البلده وقد وصلت لحل بالفعل والجميع سيكتشف ذلك في وقته.
وككل يوم في نفس المعاد يمتلئ الصوان أمام بيت الحج سليمان دبور وتذبح الذبائح .. بحضور رجال البلده وفي غياب تام للنساء .. ولكن الجميع في ترقب لرؤيه ما سيحدث هذا العام بعد ما قامت به جليله .. والذي يصدقه البعض ويكذبه البعض ويرفضه تمامًا البعض الأخر أقترب مجاهد من مكان وقوف شامل وقال بهدوء
-السلام عليكم يا شامل دايمًا عامر بحس الحچ سليمان وحسك يا صاحبي
أبتسم شامل وهو ينظر الي أبن الشيخ مندور صديقه الصدوق .. منذ الطفوله وقال بترحيب:
-وعليم السلام يا شيخ مچاهد حلت البركه على الصوان.
أخفض مجاهد عيونه أرضًا وهو يقول بخجل رجولي .. وأدب الشيخ تيمور الذي يراه يتجسد أمامه كلما وقعت عينيه على مجاهد.
-أنتم اهل الكرم يا شامل بارك الله لكم في اموالكم وعمر الحچ سليمان
ليبدء مجاهد مباشره بعد رده الخجول على كلمات شامل في مساعده الشباب في توزيع الطعام على الطاولات .. وبدء بكبار البلد وعلى رأسم العمدة .. والحج سليمان دبور.. في نفس الوقت الذي أرتفع فيه صوت المنشد
  عيني لغير جمالكم لا تنظر وسواكمُ في خاطري لا يخطرو وجميع فكرى فيكمُ دون الورى وعلى محبتكم أموت وأحشر
   يا سادة قلبي بهم متعلق أبدا وعنكم ساعة لا أصبر
إن نمت كنتم في المنام معي وإن في يقظتى قد كنت فيكم أبصر
لا فرق ما بيني وبين خيالكم إن غاب غبتم وإن حضرتم أحضر
إثنان نحن وفى الحقيقة واحد لكن أنا الأدنى وأنت الأكبر
ولعل لطفك أن يداركني فقد أقللت من أدنى وإني الأحقر
سبحانك اللهم يا ملك الورى إني بجاهك في الورى أستنصر
ولقد جعلت وسيلتي لك سيد أرسلته بالحق دينك يظهر
  وهو النبي محمد دون الورى منك الصلاة عليه ليست تحصر
...............
ظلت رقه في غرفتها منذ وصول هلال الي البيت .. نظراته المتعاليه لها ولكل شيء تقع عينيه عليها تجرح قلبها وكرامتها .. لقد تبدل تمامًا منذ ذهب الي العاصمة وهو أصبح يرى ان بلدتهم لا تليق على مكانته التي لا تعلم ما الميزه فيها هو مجرد محاسب في أحدى الشركات الكبرى .. صحيح هي لا تعلم ماذا تعني محاسب ولكن هي ترى باقي شباب البلده الذين كسروا العادات وغادروا البلده وذهبوا للدراسه والعمل في العاصمه عادوا ولم يتغير بهم شيء حتى لهجتهم كما هي لماذا تبدل هو
وضعت يديها فوق قلبها الذي يأن من الالم .. بسبب نظراته لها وحديثه الذي جرحها ... أغمضت عيونها وهي تتذكرما حدث
طرقات على باب المنزل لحقتها بهروله نصره اليه تفتحه وهي تقول:
-ابني هلال
فتحت الباب والابتسامة تزين وجهها بسعادة كبيره ... حين قابلها هلال بوجه الذي أصبح عابس طوال الوقت .. المتأفف من الجو الحار أحيانًا .. او من التراب الذي يملىء الشوارع .. أو الطرق الغير ممهده .. لكنه ضم أمه ببعض الشوق وهو يقول:
-وحشتيني يا نصره.. عامله ايه؟
ضمته نصره من جديد وهي تقول بسعادة كبيره:
-بجيت كويسه لما شوفتك يا جلب أمك
ربتت على ظهره عده مرات وهي تقول:
-تعالي يا ضي عيني عملتلك كل الوكل اللي أنت بتحبه يا حبيبي
خطى داخل البيت يجر خلفه حقيبته وحين وقعت عينيه على "رقه" القى لها الحقيبه وقال ببرود دون حتى ان يلقي عليها السلام
-اغسلي كل الهدوم اللي في الشنطه
وتخطاها بعده خطوات ثم التفت اليها وأكمل قائلا:
-وياريت تحافظي عليهم لان كلهم سنيهات وغالين جدًا.
قطبت جبينها وهي تشعر بالألم من كلماته ونظراته ... لكن من أجل خالتها سوف تصمت .. أخذت الحقيبه ودلفت الى غرفه الغسيل وباشرت في أخراج الملابس وغسلها
عادت من أفكارها حين أنحدرت تلك الدمعه التي جرحت عينيها وقلبها .. وهي تقول لنفسها:
-ايه اللي غيرك يا هلال؟ وليه يا ولد خالتي؟
زنظرت الي السماء عبر نافذتها الصغيره وقالت:
-أنت فين يا هلال تهوت فين وميتى هترچع؟
...............
وقف الرجال يتحدثون بصوت منخفض خشيه من ان يستمع لهم جبل .. أنهم لا يريدون اغضابه ... أكثر مما هو غاضب .. اليوم من كل عام يصل غضب جبل الي أشده والجميع يحاول تلاشيه ... لكن ما يقوله لهم عسران الان هو درب من الجنون .. لا يعلمون كيف فكر في انه يستطيع فعل هذا؟ فقال أحدهم ببعض الغضب
-أنت عتجول أيه يا عسران؟ أنت خابر چبل هيعمل فينا ايه لو عرف؟
ابتلع عسران ريقه ببعض التوتر وقال:
-اني خابر يا توفيج وخابر كمان ان في اليوم الشوم ده مهيخرجش من مخبئه وأحنا اللي بنعملو كل حاچة .. وعلشان اكده انا بجولكم ان الحكايه في يدنا
التفت ينظر في عيون كل الواقفين حوله وأكمل موضحًا:
-احنا هنتخبى عن عيون چبل ونروح نسهروا عند غوايش وننبسط .. والكل هيجول اننا ادلينا البلد ولما نعاودوا في الفچرية هنجوله ان كل حاچة عال العال.
ضيق عينيه وأكمل بصوت منخفض لكن كانت هناك أبتسامه واسه تزين ثغره:
-ومع كل الانبساط ده كل واحد فيكم هياخد فلوس كاتير جوي جوي .. وكمان اني هاخد اللي اني عايزه.
لمعت عيونهم بعد حديث عسران وبدأو في التفكير بشكل جدي في الأمر حتى عاد توفيق يقول:
-أنت إكده بتجلل من خطر چبل و دماغه الواعيه .. لكن أني معاك .. بس أرمي بياضك يا عسران.
ليخرج عسران من جيب جلبابه حقيبه صغيره وفتحها ليخرج منها الكثير من المال وقال:
-الخير كاتير يا توفيج .. كاتير جوي.
وبالفعل تم توزيع المال .. وذهبوا جميعًا حتى ينفذوا ما أتفقوا عليه
...........................
وبداخل أحضان الجبل كان يجلس "جبل" في إحدى الأركان مغمض العينين ... قلبه الذي أصبح مثل حجاره الجبل أو أشد قسوه .. يبكي الان بحصره .. وتلك الذكرى البعيده تعود من جديد .. ويعود  معها الألم والحزن من جديد ويشق القلب بنفس السكين .. وتلك الصوره الاخيره التي جعلت جبل يسكن الجبال ويصبح من سكانه واهله .. حتى أصبح زعيمهم تعود اليه بكل قسوه .. خاصه وصوت دحروج الذي يأتي له من بعيد يقول:
               جالولي جلبك مات
               جولت الزمن جساه
                مليان وجع وآهات
              ولا جادر اجول الآه
ليتأوه "جبل" بصوت عالي وكلمات دحروج تترد داخل قلبه وصدره .. تجعل الذكريات بكل ما تحمل من ألم وحصره تعود لتتجسد أمامه من جديد وأكانها تحدث الان

يسير بين الأرض يباشر العمل فيها .. هكذا يظنه كل من يراه لكنه في الحقيقه يقف ليتابع تلك الجنية الصغيره التي تساعد والدتها في جمع المحصول .. يتأمل عيونها العسليه وخصلاتها البنيه التي تظهر من أطراف وشاحها .. ضحكتها التي خطفت أنظاره من اول لحظه .. ثم خطفت قلبه دون رجعه.
هو "جبل التهامي" أبن كبير البلده وعمدتها وقع صريع غرام "رموز"
كان يذهب الي الأرض كل يوم في عاده أصبحت يوميه بعد أن كان يرفض تمامًا أن يذهب الي هناك .. ويقول بأنه يرتاد المدرسه في مركز المحافظه وسوف يصبح مهندسًا ذات يوم .. الان أصبحت الأرض و المحصول الذي يجمع من الأرض أهم من كل شيء
مرت الأيام وهو يتابعها من بعيد .. يتأمل حركاتها .. حتى حفظ قلبه سكناتها وهمساتها .. كان يتابعها من بعيد وهو يفكر .... ان اليوم هو الاخير عليه ان يعود الي دراسته في الغد .. ولكن كيف يعود فهو لم يكن نفس الفتى الذي حضر منذ اسبوعين .. لقد أختلف كل شيء .. أخذ نفس عميق وهو يشجع نفسه على الاقتراب منها .. أن يحاول التحدث معها .. عليه ان يقول لها كل ما بداخل قلبه قبل أن يسافر
وقف خلفها وقال:
-أجمعي المحصول بسرعه
أنتفضت واقفه تنظر اليه ببعض الخوف والكثير من الخجل .. ليقول من جديد:
-ولا أنتِ فاكره أنك علشان جميله وحلوه فاكره اننا هنسيبك تدلعي ومش هنعاقبك
أبتسمت بخجل وهي تغطي وجهها بطرف وشاحها .. ليعود من جديد ليقول:
-رموز انا عندي كلام كتير عايز أقوله ليكي هستناكي عند الساقية الكبيرة.
أومأت بنعم وهي مازالت تغطي وجهها بوشاحها ليقول من جديد:
-اوعي تتأخري عليا .. انا هستناكي.
وتحرك من امامها ينادي على الغفير الذي يقف عند بداية الأرض وقال:
-انا راجع على دوار العمده.
ليركض الغفير خلفه في محاوله منه للحاق به بعد أن صعد الي فرسه وبدأ بالركض بعيداً وخلال ثوان لم يعد في مرمى بصر الغفير الذي أكمل ركض حتى بيت العمده ظنًا منه انه يتوجه الي هناك.
أوقف حصانه وقفز من فوقه ليقف على الأرض بسعادة كبيره .. اليوم سوف يتحدث معها يخبرها بكل ما بداخل قلبه والذي كان يخبئه منذ أكثر من ثلاث سنوات .. فهو فقد قلبه منذ ذلك اليوم الذي رأها تركض خلف إحدى الفراشات البيضاء .. أمام بيتهم .. كان بداخل سياره العمدة عائدًا من العاصمه ... بجلباب مزرقش وضفيرة طويله تتطاير خلفها بسعادة وأبتسامتها التي تشبه الفجر الوليد الذي يزرع الأمل في القلوب دون مجهود ومنذ تلك اللحظه تعلق قلبه الصغير بها .. ينتظر أيام الاجازات بشوق كبير .. ويكتفي فقط طوال أيام أجازته بمتابعتها من بعيد .. ثلاث سنوات يزداد بداخله ذلك الاحساس ... انه متعلق بها بشكل لا يستطيع عقله المراهق ان يفهمه .. ويفسره أيضًا
عاد من أفكاره على صوت خطواتها المتردده تقترب منه .. ليعتدل في وقفته ينظر إليها كانت تخبئ وجهها بطرف شالها .. وحين وقفت أمامه قال هو بلهفه:
-ازيك يا رموز؟
رفعت عيونها اليه وقالت بهمس:
-كويسه يا سي چبل.
نظر جبل من حوله يتأكد ان المكان خالي وقال بسعادة:
-انا مبسوط إنك جيتي ومتأخرتيش على جبل .. انا عايزه أقولك كلام كتير علشان مسافر بكره.
كانت تطلع في وجه بعيونها البريئه والتي تفعل الافاعيل بقلبه .. قلبه الصغير الذي لا يعرف بالتحديد هل ما يشعر به الان هو حب .. أم مجرد إفتنان بعيونها البريئة
-ولما هروح العاصمة هجبلك هديه حلوه زيك.
لتبتسم رموز بخجل ... وعلى أثر تلك الابتسامة أبتسم جبل بسعادة وبدء يخبرها بكم يحبها وتعلق قلبه بها .. منذ أول مره رأها تركض خلف الفراشه البيضاء وكانت هي تستمع اليه وهي تبتسم من خلف وشاحها التي تخبه به وجهها .. أقترب منها خطوه وأكمل قائلا:
-عايزك تيجي هنا كل يوم خميس بعد العصر وتستنيني .. توعديني؟
أومأت بنعم .. لتتسع أبتسامته وهو يمد يده ليأخذ مشبك شعرها وقال:
-هاخد ده تذكار تفضل معايا علشان أحس انك معايا ديما ولما ارجع هجيبلك الهديه اللي وعدتك بيها.
مرت الأيام وكانت "رموز" تذهب الي الساقية الكبيرة كل خميس بعد صلاه العصر .. تنتظر هناك .. لا تعلم إذا كانت تنتظر جبل أم انه مجرد فضول لتلك الهدية الذي وعدها بها.
وفي إحدى الأيام وهي في طريقها الي ذلك المكان كالعادة ... وبداخلها إحساس ان اليوم هو يوم اللقاء .. لا تعلم سبب ذلك لكن أصرارها على الذهاب رغم أعتراض والدتها ووصفها "بالهبلاء" و بأن النداهه سوف تخرج لها في يوم ما .. جلست أسفك الشجرة الكبيرة تنظر الي الساقية وهي تدور وخرير الماء يجعلها تشعر براحة لا تستطيع وصفها .. التفتت الي الخلف وكانها شعرت ان هناك شيء ما خلفها لكنها لم تجد شيء فعادت لتنظر الي الساقية من جديد لكنها صرخت بصوت عالي وهي تجد أمامها ثلاث شباب من أهل البلده ينظرون لها بعيون يملئها الشر .. وقبل أن تصرخ هجم احدهم عليها يكمم فمها بوشاحها و بالباقي منه ربط ذراعيها والاخر مزق ملابسها وبدون رحمه او شفقه تناوبوا الثلاث عليها بوحشيه وقسوة ... ثم تركوها الثلاث فاقده للوعي تنزف بشدة دون أن يشعر بها أحد ... لكن الامر لم يتوقف عند هذا الحد .. توقفت سيارة جبل عند الساقية وترجل منها سريعًا متلهفًا لرؤيتها .. وأن يجدها تنفذ ما طلبه منه وبين يديه الهدية التي وعدها بها .. لكن الصدمه هي ما كانت في انتظاره والالم .. وحصره ضياع الحلم وهو يرى من سكنت قلبه ممده أرضًا ممزقه الملابس والدماء تسيل بين ساقيها وفمها مكمم بوشاحها وعنقها
ليسقط أرضًا على ركبتيه والدموع تسيل فوق وجنتيه بصدمه .. ظل ينظر اليها وقلبه يتمزق الي اشلاء بلا رحمه .. أقترب منها وهو يقول بصوت باكي:
-رموز .. رموز انا جيت ... انا ..جي.. جييت يا رمو .. رموز ميييين .. مين اللي عمل فيكي كده؟ رمووووووز
ولم يشعر بنفسه إلا وهو يضمها بين ذراعيه يصرخ بكل القهر الذي يشعر به مما مرت به وحدث لها وخسارتها التي قسمت قلبه وشوهت روحه وقلبه .. صرخ حتى يعلم كل من على الأرض بموت ملاك برئ هتك عرضه وتألم دون رحمه او شفقه .. ليصل صوته لبعض الماره الذين أقتربوا منهم وحين رأوا ما يحدث ليركض أحدهم وبدء يصرخ بصوت عالي
-چبل أبن العمدة جتل رموز ... چبل أبن العمدة جتل رموز
ولم يكن أمام العمدة اي حلول .. كان لابد ان يسلم ع للشرطة أو يتركه يهرب بعيدًا ... وهذا ما حدث رغمًا عنه ف حين أخذ القرار وذهب لغرفه أبنه حتى يخبره بذلك لم يجده
بدء الجميع يبحث عنه الشرطه من جه.. والغفر من جه أخرى .. وبعض شباب البلده الذين صدقوا قصه قتله ل "رموز" من جه
عاد من أفكاره حين وصله صوت دحروج يقول من جديد ويده تمسك بمشبكها الذكرى الوحيده الباقيه له منها:
                في ناس عيشاها ظلم وچور
                وناس افاعلها كلها فچور
                وناس عايشة في ذكر الله
                 عشان عرفاه طريجه نور
اليوم هو ذكرى وفاه "رموز" ذكرى انتهاء حياتها وحياته .. بل أنها ذهبت الي الرحمن الرحيم .. لكن هو ظل على قيد الحياه .. جسد يكبر ويشتد عوده يومًا بعد يوم منذ وصل الي هنا .. حين وجده "بكير" كبير المطاريد .. وأخذه معه الي عمق الجبل .. وحين علم بما حدث معه قرر ان يبقيه بجانبه .. ويهتم به عامله وكأنه أبنه و الان أصبح هو كبير المطاريد .. وانتقامًا من كل أهل البلده امام وفاه رموز يقتل ثلاث فتايات بعد ان يتم اختطافهم و الاعتداء عليهم كما حدث في رموز .. وليجعل الجميع يتزوقون كأس الالم كما تزوقه هو ... ويزيق تلك الفتايات نفس كأس الخوف الذي شعرت به "رموز" قبل وفاتها
وكان هذا انتقامه مما حدث معه في الماضي وما يدفع اهل البلده كلها ثمنه الان
............
حين أنتهى الجميع من تناول الطعام .. وتمايل الجميع مع صوت المنشد في مدح النبي والابتهال الي الله .. وقف شامل أمام مجاهد وقال بأستفهام:
-من ميتى يا ابن الحچ مندور تتعارك في السوج؟
أخفض مجاهد رأسه بخجل رجولي وقال بصدق:
-اللي حوصل يا شامل مجدرتش أسكت عليه
أبتسم شامل بمرح فهو يعلم جيدًا بحب مجاهد ل رقه .. ولا يتحمل أن ينظر اليها اي شخص .. لكن ما لا يعرفه لماذا لم يتقدم الي خطبتها .. لكنه لم يستطع أن يكبح جماح سؤاله
-روح أخطبها يا مچاهد وريح جلبك وروحك
رفع مجاهد عينيه ينظر الي شامل ويديه تتمسك بسبحته بقوه وقال بصدق:
-الله وحده عالم أني اتمنى ده يوحصل النهارده جبل بكره بس هلال ولد خالتها مش في البلد
-وصل النهاردة يا شيخ وانا شايف يا صاحبي انك تروح له على طول ومتتأخرش بكفياك وچع جلب
لمعت عيون مجاهد بسعادة شعر به صديقه .. ليقول مجاهد:
-وأنت يا شامل ميتى هتحجج حلمك وتتچوز اللي في بالك؟
أغمض شامل عينيه ببعض الالم وقال بحزن:
-الحچ مش جابل بيها يا مچاهد وانت خابر زين اني مجدرش أعمل اللي يغضبه .. لكن كماني مهجدرش اتچوز غيرها زي ما هو رايد
أشفق مجاهد على صديقه وهو يرى الالم الواضح في عينيه وحديثه .. لكنه لم يكن في يده شيء يقدمه له سوا الدعاء بأن يريح الله قلبه بوصال قريب مع من تعلقت بها روحه وسكنت قلبه
..............
وقفت رايه خلف الست جليله التى تباشر نقل والده الاولى الي مستشفى المحافظه ..متكفله الثانيه بكافه المصاريف ..  لقد أقترب منتصف الليل .. وتريد أن تنتهي من كل هذا حتى تتفرغ لما سيحدث غدًا.. وليس هناك حجه لأختفاء رايه أفضل من بقائها مع والدتها التي يتم نقلها للمستشفى الان
أبتست جليله وهي ترى أمام عيونها خطتها تتم كما تريد وتحلم ... وحين انتهوا من كل شيء أمام نظرات الجميع .. الذين يتحدثون عن كرم جليله التي تكفلت بعلاج والده رايه ... والليله التي أوشكت على الأنتهاء وجميع بناتهم بخير
كم كان يسعدها كل تلك الهمسات التي يصل بعضها لها تأكد لها نجاح خطتها ... حين أنتهى كل شيء ورحلت سياره الاسعاف التي من النادر حضورها الي تلك القريه الصغيره او حتى لشبيهاتها من القرى ... وهي تحمل بداخلها رايه
حان موعد الخطوه التاليه .. وهذه الخطوه ليست هي من ستقوم بها .. ولكن عليها ان تستعد للخطوه الاهم
...............
توقفت سياره الاسعاف عن سيرها بسبب جزع الشجرة الكبير الموجود في الطريق وترجل السائق والطبيب حتى يرفعوه ويكملوا سيرهم صحيح هم يشعرون بالخوف لكن ماذا سيفعل السارقين الذين يستخدمون تلك الطريقه بسيارة إسعاف ... وبهدوء تحرك عسران ومن معه وفي ثواني قليله كان كل شيء قد أنتهى حين عاد الطبيب الي السياره بعد رفعهم للجزء لم يجد رايه في السيارة ظل يتلفت حوله بأندهش وصدمه ... لكن تأوه المريضه جعله يصعد الي السيارة ويغلق الباب ... انه يخاف حقًا من تلك الطرق .. منذ كان صغير يستمع عن قصه النداهه وأنها تسكن جوار اي نبع ماء .. وتحب الظلام وليس هناك ظلام أكثر مما هم فيه الان وبجانب تلك الترعه إذاً فقد ندهتها النداهه فلا يوجد تفسير لأختفائها غير ذلك.
................
في صباح اليوم التالي الكل كان يتحدث عن ما قامت به الست جليله من أجل بنات القريه .. وكم هي قادره على حل مشكلات البلده .. بدلًا من العمده الذي أصبح منذ حادثه أبنه لا يهتم بشيء ... وبدلًا من الحج سليمان الذي يزعم انه كبير البلده وبيده حل كل أمورها ولم يستطع حل تلك المشكلة  .. اليوم الست جليله فعلت ما لم يستطع اي رجل من أهل القريه فعله .. بناتهم بخير ومرت تلك الليله المشئومه بسلام .
كل هذا الحديث وصل الي شامل الذي قطب جبينه بحيره وسؤال مهم يلح داخل عقله (ماذا فعلت جليله حتى تطفىء نار الانتقام داخل قلب جبل حتى يمر يوم الانتقام بهدوء ودون قتل وأختفاء)
ولم يجد لهذا السؤال جواب واضح .. لكنه أبدا لن يصدق ان لها خدام من الجن وأن لديها قدرات وكرامات .. لكن الكارثه الكبرى هم أهل القريه الذي يسيطر على عقولهم الجهل والخرافه.
لذلك قرر انه عليه ان يجتمع مع شباب القريه الذي يثق في رجاحه عقلهم حتى يستطيعوا التصدي لما هو قادم .. فمؤكد الكثير والكثير من الاشياء سوف تحدث
.................
تقف في ذلك المطبخ الصغير تعد الغداء وصوت ضحكات هلال تخترق ذلك الصمت الذي سكن قلبها منذ حضوره .. انها الان لا تشعر في حضوره الا بالألم والحسره رغم ان قلبها الخائن مازال ينطق بأسمه ... ولكن عليها ان تتحمل من أجل خالتها .. عاد صوت الضحكات من جديد لكن مع طرقات على باب البيت ... وصوت هلال يعود من جديد ولكن تلك المره يرحب بالشيخ مجاهد .. لا تعلم لماذا شعرت بأن قلبها يضرب بقوه داخل صدرها .. هل للموقف الذي حدث بالأمس سبب في ذلك ... لكن ما ذنبها هي في تلك المشاجره التي حدثت بالأمس
دخلت نصره الي المطبخ وهي تقول:
-اعملي شاي للشيخ مچاهد يا رجه.
أومأت بنعم وهي تترك ما بيدها وتبدء في صنع الشاي .. أفكار كثيره تعصف بها وبروحها التي تعلقت بهلال منذ كانت صغيره لكن ما أصبح عليه الان هي لا تتحمله .. انه لا يراها ... ولا يشعر بها ليس من الان ولكنه منذ بدء يرتاد الي مدارس المحافظه ثم التحق بالجامعه في العاصمة وهو تبدل حاله من ذلك الطفل الصغير الذي كان دائم الضحك والابتسام .. وأيضًا الاهتمام بها الي ذلك المغرورو المتعجرف
أنتبهت من أفكارها على صوت "نصره" وهي تقول:
-الي واخد عجلك يا مدهوله .. الشاي انجطع جلبه من كتر الغلي
أغلقت "رقه" النار عن الشاي وأفرغته في الاكواب ومدت يدها بالاكواب لخالتها وهي تقول بخجل:
-حجك عليا يا خالتي معرفش مالي النهارده
حركت "نصره" فمها الي الجانبين بتلك الحركه الشهيره وغادرت المطبخ وهي تقول:
-الي واكل عجلك يتهنابوا يا بنت أختي
حاولت تجنب التفكير في كل ما تغير في "هلال" وعادت بتركيزها لما كانت تفعله
وبتلك الصاله متوسطه الحجم يجلس مجاهد على إحدى الأرئك وبجواره هلال الذي يتحدث بسعاده كبيره على كل التطور والحداثه التي يعيش فيها الناس بالعاصمه .. وأحساسه بالاختناق هنا مع هذا الجو الخانق بين عدم وجود شبكة محمول ولا أنترنت والتراب الموجود في كل مكان وكان مجاهد يستمع اليه وهو يشعر بالاختناق من كل ما يقوله .. كيف تبدل وتغير لهذا الشكل المقيت
أجلى صوته وقال بهدوء:
-اني چايلك النهارده يا هلال علشان أطلب يد الأنسه رجه بنت خالتك على سنه الله ورسوله
صمت هلال لعده ثوان وهو يفكر ويحاول ان يستوعب ما قاله مجاهد .. هل هو حقًا يطلب منه الان يد "رقه" ابنه خالته .. تلك الفتاه الصغيره التي تربت معه منذ كان عمرها سنتان بعد وفاه والديها.. مؤكد هو يمزح انها صغيره
لكن كلمات مجاهد أخرجته من أفكاره وهو يقول:
-بيت ابويا الشيخ مندور اني عايش فيه لوحدي بعد ما الشيخ الله يرحمه ولو حصول جبول هچهزه من كله وعايزها بشنطه خلجاتها بس .. ومهرها اللي تطلبوه واحلى شبكه لچل عيونها.
شعر هلال ببعض الغيره لم يعرف سببها ورفض تصديقها فقال بهدوء:
-أنت عارف الاصول يا شيخ مجاهد لازم أسألها الأول وهبقى أرد عليك.
وقف مجاهد وهو يقول بأبتسامة سعيده لم يستطع مدارتها انه أتخذ تلك الخطوه وأخيرًا:
-طبعًا ده الشرع ربنا .. هستناك تردلي خبر.
وغادر وأغلق الباب خلفه ليلتفت هلال ينظر الي المطبخ مكان ما تقبع تلك الصغيره .. وعقله يفكر ماذا سيفعل الأن؟
..............
غادر جبل مخبئه الخاص ... وبرغم جسده العضلي الكبير الا انه يسير بضعف لكن هذا لا يراه سوا روحه المجروحه فقط .. لكن لا احد كان يعلم ان القادم سيجعل تلك الروح المجروحه سوف تقهر تلك الجبال التي تحيط بهم دون رحمه او شفقه
وقف ينظر في كل سكان الجبل ولاحظ عدم رجوع رجاله حتى الان .. لم يسأل أو يفكر في تأخرهم لكنه صعد الي حصانه ونغزه بقدمه ليركض الحصان سريعًا ودون هواده .. كل هذا كان أمام الرجال الذين لا يعرفون قصه جبل رغم كل تلك السنين التي عاشاها معهم .. الا ان سره مازال يسكن ضلوعه فقط حتى من يقوموا بتلك الافعال كل عام لا يعلمون لماذا يفعلوا ذلك لكنهم يأخذون من جبل مكافئه كبيره ولذلك ينفزون دون سؤال
..............
وكالنار في الهشيم كل الالسن تتحدث عما فعلته جليله للبلده كلها ... عن انتهاء سنوات الحزن والشقاء وبركات جليله وقدراتها التي غلبت رجال المطاريد وساكني الجبال .. وأيضًا كرمها مع رايه وذلك الامر بالتحديد ألم قلب شامل الذي كان يقف عاجز امام عملها في بيت جليله والغيطان لكنه لم يستطع ان يغضب والده بفعل اي شيء خارج إيرادته وليكتمل وجع قلبه انها غادرت القريه وذهبت مع والدتها الي المحافظه من أجل علاجها .. بمفردها .. اي الم هذا
.............
دخلت نصره غرفه "رقيه" التي تجلس في منتصف سريرها تخيط إحدى ملابسها وقالت  بأبتسامة حانيه:
-چالك عريس يا بت يا رجه
سقطت إبره الخياطة من يدها وهي تشهق بصوت عالي لتقترب منها "نصره" سريعا وجلست بجانبها وقالت:
-الشيخ مچاهد إبن الشيخ مندور .. عايز يتچوزك .. دار الشيخ مندور مستنياكي يا بت يا رجه
ثم وقفت سريعا رغم امتلاء جسدها وانحنت أرضًا تخرج حقيبه قماشيه كبيره من أسفل السرير قائله وهي تفتحها:
-انا كنت من وجت للتاني اشتري جماش واخلي عزيزه الخياطه تخيطهم واشيلهمك هنا
كل هذا و"رقه" جالسه في مكانها تنظر الي الامام بصدمه وكلمات "نصره" تأتي لها من بعيد وكأنهل حلم بعيد .. مجاهد تقدم لها جلس مع هلال يطلبها منه وهو غير ممانع لذلك والدليل انه أخبر "نصره" حتى تخبرها وتسألها رأيها
انحدرت دموعها رغمً عنها ... لكنها أنتبهت من أفكارها على يد "نصره" وهي تربت فوق ساقيها وهي تقول:
-لو اجولك فرحتي بچوازك يا بت يا رجه ده اليوم اللي كنت بحلم بيه .. وبچواز هلال كماني لكن هو بجا لسه ملجاش بنت الحلال اللي في دماغه
وبدأت في أخراج كل الملابس التي كانت تخبئها داخل الحقيبه القماشيه .. وهي تقول:
-ها يا رجه ايه رأيك علشان أجول لهلال وهو يجول للشيخ مچاهد
لم تشعر بنفسها وهي تومئ بنعم لكن صوت زغاريد "نصره"جعلها تنتبه لما فعلت فخبئت وجهها بيديها وهي تبكي بحزن بعد ان خرجت "نصره" سريعًا وهي تقول بصوت عالي:
-وافجت يا هلال وافجت.
..................
مر اليوم ولم يعود رجاله ... ولم يستمع لصوت العويل والصراخ الذي يريح قلبه وروحه .. خرج من غرفته وهو يصرخ بصوت عالي:
-عسرااااان .. توفيييييييييج .... نبراااااااوي
لكنه لم يستمع الي رد .. لكن كل رجاله وقفوا امامه فجميعهم يعلمون نوبات غضبه وكيف تنتهي .. لكن عدم عوده الرجال الي الجبل منذ أمس جعلهم جميعًا يشعرون ان القادم لن يكون سهلًا أبدا ولن يمر على خير
كان ينظر الي الوجوه الخائفه امامه وقال بصوت هادر:
-الرچالة لسه مرچعوش؟!
احنوا الجميع رؤؤسهم دون رد ليصرخ قائلا:
-اللي هيرچعلي بيهم ليه مكافئه كبيره
ليركضوا جميعًا كل منهم يصعد الي فرسه ويركضون في كل الاتجاهات حتى ينفزون ما قاله جبل .. والجميع يدعوا ان يجدهم فمن سيعود من غير اي أخبار عنهم سيناله غضب جبل
مرت ساعه دون أي جديد الا غضب جبل الذي وصل الي أشده ..واذا كان الرجال يظنون ان ما هم فيه الان الخوف بعينه هم لم يروا شيء حين دلف نبراوي وهو يلهث ويقول:
-عسران خانك يا چبل .. والكل هَرب
قطب جبل حاجبيه وتطاير الشرر من عينيه وأقترب من نبراوي خطوه واحده ليخبره نبراوي بكل شيء من قبل ان يسأل ليزئر أسد بصوت عالي ثم قال:
-أچهزوا كلكم ... النهارده النار هتاكل الكل.
...................
وقفت "جليله" عند باب بيتها الكبير والذي لا يشبه اي من بيوت القرية .. تنظر الي كل اهالي القريه الذين يهتفوا بأسمها يشكرونها على زوال الهم والخوف .. وانها انقذت بناتهم مما كان يحدث كل عام لترفع يدها تحيه لهم ثم قالت بصوت عالي:
-أني معملتش حاچة .. كله بأمر ربنا وانا كنت سبب
ليعودوا يهللوا من جديد بصوت عالي ... لتبتسم بسعاده ها هي خطتها تحقق لها ما كانت تريده ... لترفع يدها من جديد وهي تقول:
-اني علشان أوجف الشر.. وأوجف بحور الدم اللي بجالها سنين أني انأذيت چامد .. لكن كله فداكم يا بلد.
ليعود التهليل والزغاريد والكل يعرض عليها المال والطعام من كل الانواع لتحيهم بمسكنه ودلفت الي بيتها .. وحين وقفت امام أحد رجالها قالت:
-النهاردة عايزه البلد كلها تتكلم عن الاذى اللي بيحصولي بسبب اني وجفت كل اللي كان بيحصول فاهم؟
أومأ الرجل بنعم وغادر من الباب الخلفي كما دخل
لتجلس على الكرسي وهي تعود بذاكرتها الي ذلك اليوم الذي وقفت فيه امام شامل تترجى عطف قلبه عليها وأن يتقدم الي خطبتها ويوقف زواجها من الحج أسماعيل الكلاف .. لكنه وقف أمامها بقوه وصلابه واخبرها انه يراها مثل أخته وانه غير قادر على ان يراها زوجته وأن قلبه ليس ملكه
وبعد كلماته حكم عليها بالعذاب لخمس سنوات كامله عاشتهم مع الحج "أسماعيل الكلاف" وزادت صدمتها وحصرتها حين عرفت ان من تسكن قلب "شامل" تلك الفتاه المعدمه "رايه" فأشترطت على الحج "أسماعيل" أن يحضر تلك الفتاه بالتحديد لتخدم في البيت .. حتى تكسر قلب شامل وتخبره ان من تحبها هي مجرد خادمه لديها .. ولكن كل هذا لم يشفي غليلها او يطفئ نار قلبها وها هي سلمتها لعسران يفعل بها ما يريد .. ولترى الحصره و الالم في عيون شامل وأيضًا سحبت البساط من أسفل أقدام جميع كبرات البلد. ورغم كل هذا لم تنطفىء نار الأنتقام
..................
وصل "عسران" الي أحدى القرى الصغيره والتي تبعد عن قريتهم كثيرًا .. وأخذ بيت في أطراف البلده .. وأخبر شيخ البلد ان زوجته وكان يقصد بها "رايه" مريضه وتعاني من تصرفات غريبه .. وانه يشك ان عليها جن عاشق وهذا ما يجعلها تصرخ بصوت عالي او تحاول الهرب منه... ومن الخوف الرجل صدقه ولم يفكر للحظه في كل ما قيل له .. وسمح له بالجلوس في بيت على أطراف البلده وبعيد عن كل منازل البلد وهذا ما كان يريدة عسران
................
في المساء ارسل "هلال" في طلب "مجاهد" وأبلغه بموافقه "رقه" وحينها عاد اليه ذلك الالم الذي شعر به حين طلبها "مجاهد" لكنه لم يفهم السبب بعد .. لكنه أتفق معه على كل شيء لتعلوا زغاريت "نصره" وتم قرأة الفاتحه وأصبحت "رقه" خطيبه "مجاهد ابن الشيخ مندور" وفي حين كان "مجاهد" يبتسم بسعاده كبيره كانت "رقه" تقف خلف الباب تبكي بألم

قصة وجع البعاد بقلمي سارة مجدي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن