النهاية

273 39 0
                                    

النهاية
في سواد الليل .. والجميع نيام كان جبل ورجاله يقفون على مشارف البلده كل منهم  مكلف بمهمه معينه وسيقومون بها دون رحمه .. كان يقف بشموخ وهو فوق فرسه يتذكر ما حدث حين خرج بحصانه يركض في كل مكان دون أن يعلم الي اين يذهب بالتحديد لكن قلبه اخذه الي مكانها .. أراد ان يلقي نظره على ذلك المكان كيف أصبح .. مؤكد أصبح مُخيف  من كثره الدماء التي روت الأرض من اول رموز حتى فتايات ليله أمس لكن الصدمه كانت من نصيبه حين وصل الي هناك ولم يجد احد هناك .. ولا صوت عويل أو صراخات متألمه على دماء هدرت بدون ذنب .. لتلمع عيونه بشر كبير لكن وقبل أن يتحرك من مكانه وجد "شامل" و "مجاهد" يقفون امامه ليجد السعادة في عيونهم لرؤيته واقتربوا منه سريعًا يضموه بقوه وشوق .. فلم يجد امامه الا ان يضمهم أيضًا وذكرايات قديمه حلوه تعود اليه تنير بعض من ظلمه قلبه التي سكنته منذ وفاه "رموز" جلسوا جميعًا يتحدثون حتى وصلوا لما حدث بالامس ليعود الغضب يظهر على ملامح جبل من جديد ولم يكن بمفره  .. خاصه حين وصل خبر لشامل وهو جالس معهم ان "رايه" لم تصل مع والدتها الي مستشفى المحافظه .. وما حدث مع سياره الاسعاف والطبيب .. و أخبره مجاهد أن هناك ثلاث شباب أقدموا على الانتحار ولم يستطيعوا انقاذهم لكن الاخير وقبل وفاه اعترف لمجاهد بما فعلوه برموز وانها كانت تظهر لهم يوميًا تخبرهم بأنها اتت لتحصد ارواحهم كما فعلو معها فلم يتحملوا وتخلصوا من حياتهم .. تلك الكلمات نزلت بردًا وسلامًا على قلب جبل لكن ما حدث ل "رايه" وحاله شامل التي تذكره بنفسه قديمًا جعلته يتفق معهم على بعض الاشياء ثم عاد ليصعد الي الجبل
عاد من افكاره على صوت أحد رجاله وهو يقول
-كل اللي أمرت بيه حوصل يا كبير
أبتسم جبل وهويقول بصوت عالي:
-جبولي الرچالة
وفي ثوان كان توفيق والباقي من الرجال الذين أخذوا المال من عسران يجلسون على ركبهم امام حصان جبل وجههم اختفت معالمه من كثره الضرب ليقول جبل بصوت هادر:
-اللي هيجولي منكم عسران وين هرحمه وهعتج رجبته
ليوقل جابر بصوت متقطع:
-كل اللي نعرفه انه راح  (..)
ليومأ جبل بنعم ثم أشار لتندراوي ودحروج وبنداري بالتحرك .. وبالفعل دون كلمه اخرى كانوا ينفذون أمر جبل فهم يعلمون جيدًا ماذا يريد منهم .. وأشار لمجموعه اخرى كذلك تحركوا لتنفيذ الاوامر بصمت
وخلال ساعة واحده كانت القرية بأكملها تخرج من بيوتهم على أثر صراخ بعض الناس والنيران تلتهم الأرض الزراعيه التي تحيط ببيت جليله وبعد ذلك هجم جبل برجاله يمنع اي شخص من الاقتراب من الحريق او محاوله انقاذ اي شخص داخل بيت جليله وكأنه يريد ان يقول للجميع ان ما كان يقال بالامس ما هو الا كدبه كبيره وما عشتوه لسنوات وستعيشوه لسنوات هو الحقيقه الوحيدة المؤكده
.............
وصل شامل ومجاهد الي تلك القريه التي اغبرهم عنها جبل .. واول شخص قابله سأله عن عسران لكنه لم يعرفه .. وسألوا غيره وغيره حتى دلهم أحدهم على شيخ القريه .. وحين سألوه عن عسران أخبرهم بكل ما أخبره به عسران وأيضًا وصف لهم مكان البيت
واخبرهم أيضًا ان تلك الفتاه التي معه منذ ساعات وهي تصرخ تتوقف لبعض الوقت وتعود من جديد للصراخ .. ولم يستطع أحد الاقتراب من الدار بسبب خوفهم من ذلك الجني الذي يتلبسها.
كان شامل يود لو يكون له جناحان بدل ساقيه حتى يصل الي ذلك البيت وبداخله نار مشتعله وعقله يصور له ابشع الصور عما حدث معها منذ ليله أمس وكم الخوف التي شعرت به .. وسؤال ملح الان يتردد داخله .. هل هذا ما كان يشعر به جبل بعد حادث رموز .. الان فقط فهم لماذا كان ينتقم من اهل القريه بالكامل لانه يود ان يقتل كل هؤلاء الرجال الذين شاركوا في اختطاف رايه الان .. والاكثر ان يقتل جليله بيده ويمثل بجثتها دون رحمه
كان مجاهد يركض خلف شامل الذي يسبقه ببعض خطوات أنه يشفق عليه بشده .. انه تخيل ان تكون رقه بدلًا من رايه سقط قلبه أرضًا وشعر بألم لم يتحمله .. فكيف هو الان وهو يعلم انها بين يد ذلك الرجل منذ ليله أمس
حين لاح ذلك البيت امام عيونهم وصلهم أيضًا صرخات قويه وعاليه ثم كتمت فلم يعد هناك عقل داخل رأس شامل الذي ركض بكل ما تبقى فيه من قوه وبضربه واحده من قدمه كسر الباب ليدخل الي ذلك البيت ليجد عسران جاسمًا فوق جسد رايه الضيئل يكتم فمها بيد واليد الأخر يحاول تمزيق ملابسها وهو يقول من بين أسنانه:
-صابرت عليكي كاتير وجلبي مابجاش يتحمل التجل والدلال ده
وبسبب تلك الحاله التي كان عليها لم يشعر بدخولهم .. الا وشامل يضربه بقوه حتى أسقطه أرضًا بعيدًا عن رايه التي ظلت تصرخ بصوت عالي ليقترب مجاهد سريعا يضع عليها جلبابه الذي خلعه سريعا حين أنكشف جسدها له بعد سقوط عسران ... ثم أقترب يساعد صديقه في انهاء أمر عسران حتى يستطيع شامل السيطره عليها وتهدئتها
وخلال دقائق كان الضرب بيهم على أشده قرر مجاهد إنهاء الامر سريعًا  فضرب عسران بالعصاه الخاصه به على رأسه ليسقط أرضًا مغشي عليه وسالت الدماء من رأسه ... ظل شامل واقف ينظر لجسد عسران الممدد أرضًا بغضب لكن مجاهد وقف امامه وقال:
-رايه محتاچاك يا شامل ..  سيب عسران عليا
لينظر شامل في اتجاه رايه التي تتشبث بجلباب مجاهد وهي تبكي بخوف وصوتها قد ذهب من كثره الصراخ واصبحت تبكي فقط دون صوت .. بالم قلبه ودموع عينيه أقترب منها يحاول ان يتصرف بحكمه في موقف كهذا حتى لا يسبب لها ضرر يكفي ما حدث لها
أقترب منها وجثى على ركبتيه جوار ذلك السرير القديم ينظر الي عيونها شديده الحمره وقال:
-متخافيش يا رايه.. أني في ظهرك وهنتجملك من اللي اذاكي .. متخافيش مني انا سترك وغطاكي .. عمري كله فداكي يا بنت جلبي
حمل مجاهد عسران على كتفه بعد ان عاد وارتدى جلبابه وغادر الغرفه في نفس اللحظه التي حمل فيها شامل رايه ووضع عليها ذلك الشرشف المنقوش القديم الذي يغطي السرير حتى يخفيها تمامًا عن عيون الناس .. كانت تفتفض بين ذراعيه كعصفور صغير ذبح دون رحمه ورغم خوفها الا انها تشبثت بجلبابه خاصه بعد همسه المستمر بأنه جوارها وسيحميها ويأخذ حقها مما فعل بها هذا .. والذي لمس قلبها حقًا هو لفظه ل "بنت قلبي" .. وبداخل سيارة شامل الذي يقودها مجاهد كان يجلس الاول على الكنبه الخلفيه وبين ذراعيه رايه كما هي تختبئ اسفل الشرشف .. وعلى الكرسي المجاور لكرسي السائق يجلس عسران فاقد الوعي وأيضًا ينزف من رأسه بقوه
أوقف مجاهد السيارة بعد ان خرجوا من القريه ونظر الي شامل وقال بأستفهام:
-هنطلعوا على البلد ولا على المستشفى يا شامل؟!
-المستشفى يا مچاهد أطمن عليها الاول وعلشان أهل البلد ميعرفوش حاچة عن اللي حُصل لها .. اللي حُصل ده هيفضل بيناتنا وبمعمرك يا چاهد حد يعرف
-مش هرد على كلامك الماسخ ده يا ولد الحچ سليمان علشان مجدر الحاله اللي أنت فيها
رد مجاهد على كلمات شامل ببعض اللوم وعاد ليدير السيارة متوجها لأقرب مستشفى
...................
كان جميع اهل القريه يقفون حول البيت الذي يحترق ويخرج من داخله صرخات تصم الاذان وما زاد المشهد رعبًا هو خروج جليله من البيت والنار تشتعل بها من كل مكان وصوت صراخها يعلوا ويرتفع .. مرافق لصوت جبل الذي قال:
-ده چزاء اللي يجف جدام چبل ..  زمان اتهمتوني زور بجتل رموز .. وانا كنت برئ من دمها ومن الغدر اللي حُصل لها .. وكنت طول السنين اللي فاتت بدوجكم من الكاس .. كاس الغدر والخساره .. وخليكم تعرفوا ريحه الدم كويس واملا بيها صدوركم .. يا بلد جادره تجتل بكلمه وتخسر بكلمه وتحيي بكلمه
كانت رقيه تقف بجانب نصره تنظر لما يحدث بصدمه وذهول وبجانبهم هلال الذي ينظر لكل ما يحدث بتقزز .. في تلك اللحظه اوقف مجاهد سياره شامل أمام الجميع وأخرج منها عسران والقاه اسفل فرس جبل .. ليقول الاخير لرجاله:
-الخاين النار اولى بيه
ليحمل الرجال عسران وبكل ما لديهم من قوه .. القوا به في تلك النيران المشتعله لتعلوا الشهقات المصدومة .. وكان عسران بدء يستعيد وعيه من جديد والرعب كان يرتسم على عيونه وهو يحاول بكل طاقته ان يهرب من يديهم لكنهم كانوا كُثر فصرخ بصوت عالي حين القوا به وسط النار دون رحمه ورغم رفض مجاهد لذلك العنف الا ان ما رأه من عسران في حق رايه يجعله يستحق ذلك المصير
......................
صباح اليوم التالي كانت كل القريه في حاله خوف ورهبه مما حدث بالامس لم يزور النوم جفونهم  من هول ما رأوه ... وكأن الخوف لا يريد تركهم .. انتفضوا  جميعًا حين وصلهم صوت الغفير عويس في مكبر الصوت الخاص بالمسجد يطلب من كل اهل القريه التجمع أمام بيت العمدة ومن كثره الخوف  توجهوا جميعًا الي دوار العمده وكأنهم مساقين الي مصيرهم الاخير .. كان جابر يقف أعلى درج بيت العمدة جواره والده يجلس على كرسي هزيل الجسد وعيونه غائمه بحزن لم يختفي منذ ما حدث قديمًا
وبجاوره يجلس الحج سليمان الذي يحاول ان يكون هادئًا ولكن بداخله غضب كبير وهو يتذكر ما حدث من ابنه حين علم من مجاهد ما حدث وذهب اليه في المستشفى
وصل الحج سليمان الي المستشفى ودون أن يسأل وجد وحيده يقف أمام إحدى الغرف يستند على الحائط عيونه شديده الحمره بسبب حبسه لتلك الدمعات من مغادره عينيه .. في محاوله بائسه منه أن يظل متماسك .... أقترب سليمان من ولده وقال بغضب حين وقف أمامه بعد أن أمسك ذراعه بقوه:
-أنت بتعمل ايه اهنه يا شامل؟ أنت عايز أهل البلد يجولوا ان انت اللي عملت فيها أكده؟
كان شامل ينظر اليه ويرى أمامه أب لم يشعر يومًا بقلب أبنه الذي يتألم منذ سنوات .. ولا يفكر الا فيما سيقوله اهل القريه .. ولم يفكر فيما يحتاج اليه ابنه او ماذا يريد.. فلم يشعر بنفسه وهو يبعد يد والده عنه وقال بغضب يفوق غضب والده :
-اهل البلد هيجولوا ايه .. وانت عايز الناس تجول علينا ايه .. طيب واني مفكرتش فيا اني عايز ايه .. مفكرتش جلبي موجوع جد ايه مفكرتش ولدك محتاج أيه أو نفسه في  أيه ... كل حاجه فارجه معاك هي الناس ومنظرنا جدام الناس
وضرب على صدره بقوه وهو يكمل بحصره:
-البت الوحيده اللي حابيتها شوفتها وواحد بياحول يعتدي على شرافها وأنت جاي تجولي الناس
أبتعد خطوه للوراء وقال بأصرار وهو ينظر لوالده بتحدي
-أني هتچوز رايه يا حچ سليمان .. ومفيش حد على وچه الارض هيجدر يمنعني .. حتى لو أنت.
كاد سليمان ان يرفع يديه حتى يصفع ولده لكن خروج الطبيب من الغرفه المواجهه لهم اوقف يده في الهواء والذي ظل ينظر اليها شامل طويلا ثم تحرك  يقف أمام الطبيب وهو يقول:
-كيفها يا دكتور .. طمني
كان ينظر اليهم لا يعرف يظهر لهم غضبه الكبير مما حدث لتلك المسكينه بالداخل .. أم يشعر بالشفقه على حاله ذلك الشاب الذي يشعر انه سيفقد وعيه في اي لحظه
-هي كويسه دلوقتي .. محلصش أعتداء جنسي ..لكن في بعض الخدوش في جسمها وللأسف عندها أنهيار عصبي
تراجع شامل خطوه الي الخلفه وهو يقول بصوت مرتعش:
-ممكن ادخل أشوفها
شفقتًا بحاله أومأ الطبيب بنعم .. ليتحرك شامل سريعًا ويدخل الغرفه تاركًا والده بالخارج يكاد يموت قهرًا
عاد سليمان من أفكاره على صوت جبل وهو يقول:
-أمبارح كانت نهايه عهد قديم ... ومن النهارده عهد جديد البلد كلها دفعت تمن موت رموز وأولهم أنا .. ومن النهاردة البلد دي هيحصل فيها حاجات كتير وتغيرات كتير.
صمت لثوان وأكمل بنفس الصوت العالي والقوي:
-الكل هيعيش بأمان والكل هيشتغل .. ومن النهارده مجاهد وشامل أيدي اليمن وإيدهم في إيدي وإيدكم نبني بلدنا ونطورها

يُتبع

قصة وجع البعاد بقلمي سارة مجدي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن