كانت ليلةً سوداء مظلمة لا قمرَ فيها
و كان الضيقُ في قلبي أشدُ أسوداداً و أحلكُ ظلاماً
تحتَ حبالِ المطرِ أمشي مهزوزَ الكيان و مبعثر الوجدان
حاولت بكلِّ الوسائل أن أجدَ طريق النسيان
نسيان ذلك الماضي و التاريخ المرتبطُ بعهدِ زنوبيا
ماضٍ كان قد فرضَ عليَّ الحصار بقوقعةِ الذكريات
قوقعةٌ تطير بها فراشاتُ الماضي على مزابلِ الحاضر
أردتُ أن أنحرَ جدار القوقعة
أن أقتلَ التشتت و الضياع و اليأس و الحرمان
أقفُ عند حافة الهاوية أحاولُ أن أعزمَ القرار
في الخلف تتأجج نيرانُ الماضي و تزحفُ محيطة بحاضري
و أمامي هاوية المستقبل
و كان القرار إنتحاري
بعد محاولاتِ النسيان الفاشلة
كانتِ الفكرةُ في المُخيلة براقة
لنسيانِ ماضٍ يتغلغلُ في خلاياك
عليك إستئصالُ تلك الخلايا
لإضاعة تلك الذكرايات الممتزجة بكيانك
عليك إضاعةُ ذاك الكيان
دخلتُ ذاك الملهى الليلي لأول مرة
بمحاولةٍ لإضاعة المبادئ و الأفكار
لإضاعةِ الكيانِ و إضاعةِ الذات
علّها تُضيعُ بِجُعبتها الذكريات
كانت المرةُ الأولى و كان الكأسُ الأول
كانت المرةُ الأولى و كان الكأسُ العاشر
كانت المرة الأولى و كان الضياعُ يلوح في الأفق
خطوةٌ تبتعدُ فيها ذاتي
و خطوةٌ تقتربُ فيها كينونة جديدة
كتبادل الأسرى و كصفقات المافيا
تمتْ صفقةُ الضياع
في لحظةٍ معينة
عند إلتقاءِ ذاتي بالشخصِ الجديد في منتصفِ الطريق
توقفَ الزمن و أنعدمتْ الحواس
تلاشى الملهى و تلاشت الكأس
أختفى جميعُ من حولي حتى تلكَ الراقصات من النساء
بدأ السوادُ يعمُّ المكان و أصبحت الرؤيا عمياء
و كأنما الدنيا تعلنُ الحداد و لروحي الإنتهاء
و بعد برهةٍ مبهمةٍ من الزمان
أخذَ ضوءٌ خافتٌ ينيرُ المكان
ضوءُ شموعٍ كأنها مراسمٌ و طقوسٌ للجان
و لمحتُ نفسي بمكانٍ غريب و مضجعٍ غريب
أراقبُ من بعيد
كينونةٌ القديمة و نفسٌ مشؤومة
و كانت الذاتُ مربوطةَ الأطراف
تشدها الحبالُ لأركانِ السرير
و صوتُ خنوعها يضجُ كالصرير
أشاهدها بصمتٍ كأخرسٍ قدير
قد جائت الشمطاء ساحرةٌ حدباء
تبتهلُ للضحية للنذرِ للقربان
و تعلنُ الطغيان
و ترفعُ الخنجر بالروحِ لينام
و تطفءُ الشموع و يرحلُ الشهود
يتوقفُ الزمان و يختفي المكان
تتبخرُ الأرض و أبدأ السقوط
بسرعةِ البرق أطيح بالفضاء
تتبخرُ الأحلام و يختفي الكيان
و ترتطم بالأرضِ بعضُ البقايا من هيكلِ الإنسان
أطيحُ فوق الماء في حارةٍ عمياء
و أنظرُ لانعكاس الصورة على سطحِ الماء
مجموعةُ أشلاء يغمُّها العياء
تكوينٌ جديد و قالبٌ جديد
أنظرُ بابتهال و بقوةِ المنصور
من كانَ قد تخلصَ من أزمةِ العبور
بعضٌ من التركيز في مُقلةِ الجديد
في البؤبؤ الحالكِ السواد
تقفُ شامخةً زنوبيا الزمان
بكلِّ اتزان
قد ضاعَ كلُّ ما أملكُ من قوةٍ و إرادة
ضاعت الذاتُ و الكينونةُ في إبادة
وقفتُ كالمَصدوم
بحبي القَديم
و قلبي المَشؤوم
إن كان ذاك قدري فموتي مَحتوم
مشيتُ بإقتدار لسكةِ القطار
إحتضنتُ زنوبيا و متٌّ بإفتخار
أنت تقرأ
الضياع
Short Storyبعد محاولات النسيان الفاشلة كانت الفكرة في المخيلة براقة لنسيان ماضٍ يتغلغل في خلاياك عليك إستئصال تلك الخلايا لإضاعة تلك الذكرايات الممتزجة بكيانك عليك إضاعة ذاك الكيان