الفصل 1: حياة بائسة

355 27 17
                                    

لا تبتسم الحياة في وجه الجميع..و في هذا العالم الواسع لا يتساوى الغني و الفقير. المظاهر خداعة، توهمك بلمعان الأشياء من بعيد. لكن ما أن تمعن النظر عن كثب حتى تجد أنها مجرد قطعة معدن صدئة لا تساوي الشيء الكثير.
هذا ما علمتني إياه الحياة خلال سنين حياتي.. رغم أن الدروس كانت قاسية فمدرسة الحياة صقلت شخصيتي و غيرت نظرتي إلى العالم من حولي. عالم الحقيقة حيث لا وجود للقصص الخرافية ذات النهايات السعيدة، فالقدر هنا هو سيد الموقف.
بعد خروجي من حجيرة الحمام، لففت منشفة بيضاء حول خصري و مسحت المرآة التي أمامي من البخار، و أنا أمرر يدي اليسرى بين خصلات شعري المبلل. لتقع عيناي على الندوب التي على جسدي.. ندوب حفرت عميقا في صدري. فهي لم تكن سطحية يوما ما بل أصبحت كذلك بعد أن مزقت روحي و اخترقتها إلى جسدي، لترتسم على بشرته الشاحبة. أو على الأقل هذا ما شعرت به.
عانيت و تألمت لكني مضيت قدما فالحياة لا تتوقف و لا تنتظر.. كان علي مداواة جروحي حتى أستطيع الصمود. دخلت غرفة النوم و فتحت الدولاب، لكن كل ما وقعت عليه عيناي هي ملابس رسمية في الأبيض و الأسود.. كلها ملابس عمل، يبدو أن حياتي تدور حوله، لا عائلة لا أصدقاء، لا حب و لا شيء.
عندما خرجت من الغرفة، جلت ببصري في الفضاء الفسيح الأصم من حولي. لا أحد يودعني لا أحد يتناول معي الطعام و لا أحد يضمني إلى صدره.. بيت كبير، أثاث مجهز، و كل شيء مرتب في مكانه و لكن السؤال الأهم هو.. ما الفائدة؟؟
أقفلت باب المنزل و رفعت عيناي إلى السماء الزرقاء الصافية، و أخذت نفسا عميقا من عبير النسيم العليل. هكذا يبدأ يومي كل صباح. كنت أمشي ببطئ إلى أن اقتربت من محل البقالة في أسفل الشارع..رأيت السيدة هان تتوجه نحوي بابتسامتها الدافئة.
"ريو، لم أرك منذ فترة كيف حالك؟"
"أنا بخير يا جدتي..لا تقلقي"
هذه العجوز الطيبة هي مالكة محل البقالة الذي أمامي.. رؤية ابتسامتها الدافئة تعطيني أملا للمتابعة. صوتها يدخل الدفئ إلى صدري كأنه أرض قاحلة ارتوت.
"سأزورك بعد عودتي من العمل إلى اللقاء"
"إعتني بنفسك يا بني"
حاولت الإبتسام لكن حنانها و تلفظها بكلمة "بني" دفعني لرغبة شديدة في البكاء..لكن الرجال لا يبكون. كيف نجد أناس طيبين لا يقربوننا شيئا في حين أن أقرب الناس إلينا هم من أذونا أكثر و كانوا الأسوء.
توجهت إلى محطة القطار و جلست في مكان شاغر. حين لمحت فتاة جميلة تجلس في هدوء على أحد المقاعد و تقرأ كتابا ما. جعلتني رؤيتها أبتسم ابتسامة صغيرة و لم أكن أرى أحدا سواها كأننا الوحيدان في مقصورة القطار هذه. وصلت لمحطتي فقاطعت تخيلاتي و نزلت في الحي الذي أعمل به "حي كايدو الصناعي" عملي ينحصر في تصميم الأبنية و العمران.. أجل أنا المهندس المعماري "ريو تاتشيبانا" أعمل في شركة كبيرة لكن هذا لا يشكل فرقا. بعد يوم شاق من العمل، عدت كالعادة في نفس القطار، نفس الوجوه المألوفة التي تستقله دوما و نفس المكان الذي أجلس فيه دوما. شعرت بنوع من خيبة الأمل لأن الفتاة التي رأيتها صباحا ليست هنا. يبدو أن الأشياء الجميلة لا تتكرر أو على الأقل هذا ما سمعته.
مررت في طريق عودتي على محل الجدة هان، توجهت إلى الثلاجة مباشرة و سحبت منها علبة حليب و قنينة صودا. و توجهت إلى حيث تكون الجدة عادة لأدفع ثمن المشتريات. لكني فوجئت بفتاة ذات شعر طويل يصل إلى أسفل ظهرها تحاول إلتقاط شيء من الرف العلوي خلفها، لم أرى وجهها لأنها كانت توالي ظهرها في اتجاهي.. أخذت المبادرة و أنزلت الصندوق الذي كانت تحاول بيأس إنزاله عن الرف.. عندها توقفت عن مد يدها للأعلى و إلتفتت نحوي، و بخجل شديد تلفظة بكلمة "شكرا". عندما لمحت وجهها علمت أنه مألوف، إنها الفتاة التي كانت في القطار صباح اليوم..إنها تبدو أجمل بكثير عن قرب. كنت أهم بسؤالها عن اسمها حين سمعت صوت الجدة هان تحدثني فإلتفت يمينا لأجدها تتجه نحونا.
"بني هل هذا أنت.. يبدو أنك قابلت حفيدتي هاروكا إنها تساعدني في المحل اليوم لأني كنت متعبة قليلا"
"هل أنت بخير يا جدتي؟" سألتها و أنا أتقدم خطوة نحوها
"لا عليك أنا على ما يرام.-تنظر إلى حفيدتها- هاروكا، هذا ريو تاتشيبانا إنه مثل حفيدي"
"سررت بمعرفتك سيد ريو"
"و أنا كذلك أنسة هاروكا"
إرتسمت ابتسامة صغيرة على شفاهها بلون الفراولة و هي تعدل شعرها و تضعه وراء أذنها بخجل.. هل هي الحياة تبتسم لي أم أن هذا مجرد وهم و خيال..؟!!
_________________________________
ماذا سيحدث لريو بعد أن تعرف على هاروكا؟
هل حقا بدأت الحياة بالإبتسام له؟
تابعو الفصل القادم لمعرفة المزيد..
***missdreamer15***

نجمة على الأرضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن