بعد أن تحدثنا و تناقشنا في كل شيء و لا شيء، تناولنا الطعام و خرجنا لمشاهدة الألعاب النارية عندها لاحظت أن معطفها لم يكن كافيا ليقيها صقيع هذه الليلة. كانت ترتجف و كانت يداها باردتان كذلك. أعرتها معطفي الثقيل و وضعته برفق حول كتفيها ثم أمسكت يدها و أخذت أنفخ عليهما و أفركهما كي يدفئا. كانت الألعاب النارية ممتعة و رائعة لدرجة جعلتنا ننسى كل ما حولنا. و في لحظة مناسبة إغتنمت الفرصة و سحبت القلادة من جيب سترتي الداخلي.
"أغمضي عينيك لدي مفاجأة"
أغمضت عينيها و قمت بإلباسها القلادة التي اشتريت.لقد كانت ملائمة لها بشكل لا يصدق. و لم أكن أظن أنها قد تزيد جمالها و أناقتها بهذا الشكل، لكنها فعلت.عندما فتحت عينيها و تفقدت عنقها ثم رأت النجمة التي بالقلادة تلألأت عيناها فرحا و قامت بعناقي فضممتها بشدة كأنها ستختفي بعد وهلة و لن أراها بعد اليوم، و هذا إحساس غريب راودني في هذه اللحظة.
كانت رحلتنا مدهشة لا يمكن وصفها بالكلمات، كان هذا أفضل أسبوع قضيته في حياتي. شعرت لأول مرة أني تجاوزت ذاك الطفل المسجون في غرفة مظلمة، فذاك الطفل قد وجد منفذا صغيرا أضاء له حياته و أخرجه من المعاناة و الظلمة. هو لن يحتاج للبقاء وحيدا لأنه وجد الآن من يمسك يده و يسير معه للأمام تاركا خلفه كل آلامه.
عند عودتنا من الرحلة كنا نمشي و نتجول في الحديقة، ثم توجهنا لمدينة الملاهي. عند بلوغنا البوابة الرئيسية سمعنا شخصا ما ينادي على هاروكا. فعبرت إلى الجانب الآخر من الشارع حيث كانت زميلتها في العمل "ميكي". بقيت أنتظرها أمام البوابة قليلا ثم حين كانت تودع صديقتها و تهم بالعودة. لاحظت أن هناك سيارة غريبة تتجه نحوها..لم تنطلق إلى عندما كانت هاروكا تودع زميلتها. في البداية لم أعر الأمر أي اهتمام لكن السيارة بدأت في الإسراع أكثر فأكثر و بعد أن نظرت للسائق اكتشفت أنه ذاك الرجل الذي كان يحدق بنا ذاك اليوم أمام المشفى.أخرجت يدي من جيبي و بدأت أركض نحوها، عندها لاحظت هي كذلك السيارة القادمة في اتجاهها مصدرة صوتا مدويا نتيجة احتكاك عجلاتها بالأرض إضافة إلى صوت المحرك الذي بدى كأنه وحش هائج.
بكل سرعتي و قوتي دفعت هاروكا إلى أن سقطت بعيدا عن السيارة لكن الوقت داهمني و لم يمنحني فرصة لأبتعد عن مسارها كذلك. لكن مجرد رؤية هاروكا أمنة و بعيدة عن الخطر. لم يهمني شيء بعد.. عندها ابتسمت لها ابتسامة دافئة لم تدم ثانية بسبب الإصطدام. كان الألم ينتشر في كل جسدي بينما كنت أتدحرج فوق سطح السيارة، و لحظت ارتطامي بالأرض أحسست أن كل عظامي تحطمت، كل جسمي يصرخ ألما إلا جزئا واحدا هو قلبي. لم يكن يتألم لأن الشخص الوحيد الذي أدفأه و أحبه و عالج جراحه لا يتألم في هذه اللحظة و هذا هو الأهم.
سمعت صوت السيارة يبتعد شيئا فشيئا.. لكني دون حراك ظللت مسطحا على الأرض أنظر للسماء الغايمة من فوقي و أحسست بشيء بارد على جبيني إنها نثرات الثلج.. لقد بدأت تثلج و بدأت دمائي تمتزج بنصاعة الثلج في كل مكان.حينها جاءت هاروكا إلى جانبي، كانت تبكي بحرقة و تصرخ *اتصلوا بالإسعاف* أمسكت بيدي و أنا أنظر لعينيها اللتان تدمعان لآلئ تتساقط على وجهي المدرج بالدماء.. شيئا فشيئا أحسست أن دموعي بدأت تنهمر كذلك دون إرادتي.. حين استجمعت كل الطاقة التي أوتيت بها و كل ذرة من قوتي، و قمت برفع يدي نحو وجه هاروكا مربتا على خدها المبلل بالدموع و البارد كالصقيع.. و أخيرا نجحت في التلفظ بكلمة هي آخر ما استطعت قوله للشخص الذي غير حياتي و جعلني أعيش لحظات سعيدة. -أحبك- هذا آخر ما قلته قبل أن تسقط يدي على الأرض تبدأ الظلمة بالإحاطة بعيني إلى أن يختفي كل شيء، لا صوت لا ضوء لا شيء.
لم أظن يوما أن الحياة ستطعنني من الخلف في أسعد فترات حياتي.. ظننت حقا أن ذكريات طفولتي إختفت و أن معاناتي توقفت و أني سأعيش في هناء مع حبيبتي التي كانت لتكون أجمل عروس على الإطلاق شهدتها الأعين.. كان زفافنا سيكون الربيع القادم، لكن، لا أسف على ما كتبه القدر. كنت بائسا وحيدا أعيش بين الأحياء ميتا، لكني في هذه اللحظة أشعر أني حي رغم أنني أقف بعيدا و أرى الناس يتجمعون حول موقع الحادث و هاروكا التي ظلت ممسكة بيدي و هي تبكي بحرقة. نظرت لملابسي فإذا هي ملابس فضفاضة بيضاء، قميص و سروال و لا نعل.. لا حاجة له على أي حال فلم أكن أحس بالألم حين أمشي، لا دم على وجهي و لا كدمات. كنت أرى الجميع و لا أحد يراني. لكن ما أسعد قلبي هو أني استطعت مراقبة هاروكا حتى و لو من بعيد. هكذا هي الحياة تصرعك أرضا بعدما أوهمتك أنك على وشك الإنتصار عليها.
"هاروكا، كنت و ستظلين النجمة التي أنارت حياتي"
______________________________________
هكذا انتهت حكاية ريو تاتشيبانا الذي لم يكن له من السعادة الحظ الأوفر.
آمل أن القصة نالت إعجابكم شاركوني بتعاليقكم و صوتوا إن راقتكم.
***missdreamer15***
أنت تقرأ
نجمة على الأرض
Romanceتنير النجوم طريق المسافر و تهديه إلى وجهته. فهل تنير له حياته أيضا؟ حياة بائس ذاق من الحياة كل المر و العلقم..فيا نجمتي بددي ظلمة الليل القاتم و اجعلي لي مخرجا من هذا الألم القاتل.
