"حلِّق يا حزني حلِّق، اذهب يا ألمي اذهب ، اختفي يا بأسي اختفي، حلقوا واذهبوا واختفوا، اتركوني اتركوني~ لأكون بلا حزن وألمٍ وبئس، لا خير يأتي من المشاعر السيئة ولا شر يأتي من هيامي ووئامي، اجتاحني ايها الحب اجتاحني، خذني بين يديك واسعدني، لا اهم منك ومني، فأنني احبك اكثر مني، واختارك على نفسي، لا تأتيني غاضبًا ولا ترهقني، امسكني من بين يدي وفضلني ، فضلني كما فضلتك على نفسي ~~"
هذا ما ترددهُ تلك المرأة البائسة ، تُردد هذه الاغنية البسيطة التي أنشأتها منذ صغرها، تغرد بها أمام نافذتها الكبيرة والتي تطل على البحر ذو الامواج الساكنة من جمال صوتها، تغرد بها أمام القمر الكامل المنير كنور وكمال جمالها، تشكي بها أمام النجوم المتلألأة كتلألأ لمعان بندقيتها الصحراوية...ابتسمت ابتسامة كئيبة مريرة، لإنها تعلم ، تعلم انهُ لم يُحلق ويذهب ويختفي ، بل سيكون ملتصقًا بها طيلة حياتها ، بالرغم من أنها في الخامسة والعشرون، في ريعان شبابها، في زهرة حياتها، إلا أنها تشعر كما لو أنها مسنةٌ على مشارفِ الموت، أجل.. هذا صحيح ، كان يجب عليها الموت في مهدها ، لو ماتت فقط..وقتها لن ترى وتشعر هذا الالم، الالم الذي يزداد ألمًا... من بحق الجحيم قال أنَ الحب جميل !
من بحق الجحيم غرد عن الحب وغنّى، من بحق الجحيم رفرف عن جناحي الحب وحلق، تنهدت تنهيدةٌ عميقةٌ، تحكي عن مقدار الآلام التي واجهتها وخاصمتها، لكن لم يكن الفوز من نصيبها، بل الالم وحدهُ من تسلق على سنين عشرتها، اجل ...اجل ... هذا الالم عاد ، الذي يستولي على دواخلها عاد...
أرخت رأسها على الكرسي المتحرك، ليرجع للخلف قليلًا وكأنه يواسي حزنها، كانت تريد ان تغوص أكثر في حزنها، ان توليه اهتمامًا حتى لا يغدر بها، لكن سرعان ما شعرت بأحدهم يفتح باب جحرها ويتقدم لتتضح هوية الداخل، امرأة بزي لباس الخاص بالخدم ، تنحني معتذرةً بعدما تقدمت : اعذريني على وقاحتي سيدتي، لقد طرقتُ الباب لكن لم أسمع ردكِ فخشيتُ أنَ مكروهًا أصابكِ...
ابتسمت الأخرى التي أنعكس نور القمر على عيناها الصحراوية وعلى هالتها البنفسجية الليلية ، لتظهر هالةٌ وحضورًا ملكيًا يليق بمكانتها السمية، وتحدثت بعدما ابتلعت غصتها ، كي لا تشعر احدًا بحزنها ، كي تتستر على الآلامها التي فتكتها : رولا، لا بأس عزيزتي، واعذريني لم أسمع طرقات الباب..
اهه ماهذه السيدة الحنونة؟ كيف للمرء أن يكون له جمال دافئ كهذا الجمال، شعرت رولا وكأنها ستبكي ، ستفديها روحها إن تطلب الامر ..، شهقت رولا باندفاع: ارجوكِ سيدتي!! لا حاجة للاعتذار، كيف لخادمة مثلي ان تعتذري لها !
ازدادت ابتسامة الجالسة، لكن سرعان ما هذه الابتسامة تتصلب شيئا فشيئ عندما قرأت ما تحت عينان خادمتها لتتكلم : ماذا حصل..؟
نظرت رولا للأسفل بحزن، كما هو من المتوقع، سيدتها تملك حدسًا وقراءةً للأفكار بشكل مخيف، ابتلعت ريقها لتتحدث عندما طال صمتها : ا. العشاء جاهز على المائدة ...وأيضًا ا.السيد وصل ويناديكِ
أنت تقرأ
الهيّام والوئام
Romanceلطالما كان الهيّام وحدهُ لا يفيد، مهما كان الهيّام ثمينًا وقويًا مادام أنهُ وحيد سيكون بلا قيمة، الهيّام الذي يبحث عن الوئام الخاص به، كي يعود اليه، ليكون الملائم والتوأم له... فماذا إن كان المكان الملائم الذي تعتقده هيّام ليالي هو وئام خاطئ، جاهلتً...