" البداية "

61 14 13
                                    

( طارق ) :

نفس الحلم يتكرّر منذ قرّرت السّفر إلى كندا لتلقّي دراستي الجامعية هناك - في كليّة العلوم الإنسانية- .
كنت أمشي في صحراء واسعة حتّى وصلت إلى شاطئٍ أسود لزج !
دقّقت النّظر حتّى رأيت سفينةً تغرق من بعيد و ركّابها يرمون أنفسهم في البحر ضاحكين ، - و كالعادة - بدأت أصرخ عليهم ليخرجوا لكن دون جدوى ... استمرّوا بالنّزول و المناداة عليّ لأنزل معهم و هم يسمحون ببساطة لذلك البحر الغريب أن يغرقهم و يفتتهم دون أدنى مقاومة ! .
استيقظت على صوت المنبه ، السّاعة السادسة صباحاً و قد بقي ساعتان لانطلاق السفينة ... أعشق الرّحلات البحرية ! قمت من مكاني ولكن كعادتي عند استيقاظي من هذه الكوابيس المزعجة شعرت بالإعياء و المرض فانتظرت حتى خفَّ الدّوار قليلاً .
سمعت صوت طرق الباب و قد تبعه فتحه و دخول أختي ( سحر ) للغرفة بمرحها المعتاد :
- ما بك ؟ أهناك أحدٌ يحزن في يوم سفره ؟
- لست حزيناً أنا فقط متعب
- فيلسوفٌ كعادتك يا فيلسوف العرب !
- بربّك ألن تتوقّفي بمناداتي بذلك اللّقب !
- يليق بك .. هيّا الآن أمّي تحضّر الإفطار لنفطر سويّاً قبل أن تسافر .
-حسناً سأغتسل و أحضّر نفسي ثمّ أنزل

خرجت ( سحر ) فقمت و حضّرت نفسي ثمَّ نزلت للمطبخ لأفطر مع عائلتي المكوّنة من أمّي و أبي ، أنا و قبلي ( سحر ) بأربع سنوات

جلست على الطاولة و أسندت رأسي عليها فقالت لي أمي و هي تضع صحن البيض المقلي في وسط الطاولة :
- هل عدت لترى نفس الكوابيس ؟
- يا بني أنصحك أن تلغي الرّحلة هذه الأحلام رسالة لك -قال لي أبي و هو يمضغ اللقمة في فمه- .
- سأذهب مهما حصل ، إنّها مجرّد أضغاث أحلام أنا متأكّد

قالت لي أمّي بحزم :
- لقد قلت لك أن تسافر بالطائرة ولكنّك أصررت على السّفر بالسّفينة
- أمّي تعرفين أنّ هذا هو حلمي منذ أن كنت صغيراً

قالت ( سحر ) ضاحكة :
- أحلامك ستدمّرنا !

ألقيت نظرة سريعة على هاتفي و قمت بسرعة و أنا أشرب آخر رشفة من كأس الشاي :
- حسناً أنا ذاهب .

ودّعتهم بعناقٍ جماعيٍّ سريع و قبّلت يدي أمّي و أبي ثمَّ خرجت من المنزل و ركبت سيّارتي بينما ساعدني أبي بوضع حقائب السّفر في الصندوق ، و انطلقت .

.                .                .

لم تكد الرّحلة أن تبلغ الخمسة أيّام حتّى تحصل عاصفة في وسط البحر !
استيقظت فزعاً عندما سمعت صوت ارتطام بالسفينة لأخرج للسطح و تشلَّ حركتي تماماً !
وجدت المياه تملأ المكان و الناس يصرخون هنا و هناك و ينزلون على قوارب النجاة ، حسنا ربّما سأفكّر بالاستماع لكلام والدي في المرّة القادمة - إن كان هناك ! - .
نظرت حولي لأجد شاطئاً واسعاً ليس ببعيد ، قلّبت نظري بين القوارب و ذاك الشّاطئ ... العاصفة شديدة و لن تتحمّل قوارب النجاة ولكن أنا أيضاً لن أتحمّل قوّة الأمواج !
نظرت إلى رجل كان يناديني للركوب بالقارب الأخير لكنّني أعدتّ نظري نحو الشاطئ و صوت في داخلي يقول ( اقفز ! ) .
وقفت على السور و تنفست بعمق - و أنا أعرف أنني سأندم - و قفزت لأشعر أن اليابسة تقترب منّي عشوائياً فسبحت نحوها محاولاً عدم الغرق و لكن لم تكد قدماي أن تمسَّ اليابسة و أنا أتنفّس بسرعة غير مصدّق أنّني نجوت حتى شعرت برأسي يصطدم بالأرض و دائرة الظلام تتوسّع أمام عيني !

ما يظهر على الجبينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن