هل يبدو ذلك غريبا؟ دعوني أشرح. إن كل عبارة تدلي بها لشخص ما يتم تنقيحها من خلال الأطر المرجعية والتحيزات والأفكار المسبقة للمتلقي. وما يتبقى في النهاية هو الرسالة التي يفهمها. ولأسباب عديدة مختلفة، يمكنه تفسير ما تريد نقله إليه بطريقة مختلفة تماما عما كنت تقصده. بطبيعة الحال، سوف يختلف الأمر المفهوم اعتمادا على من تتحدث إليه، ولكن من النادر جدا أن تنتقل إليه الرسالة بأكملها تماما كما تصورتها في ذهنك.
إن مسألة علمك بأنك لا تملك سوى القليل من السيطرة على ما يفهمه مستمعك قد تكون محبطة. فبغض النظر عن مدى ما تحاول تصحيح الأمر به، فليس هناك الكثير مما يمكنك فعله حيال ذلك. وهذا هو أحد صعوبات التواصل العديدة. إذ لا يمكنك ببساطة تغيير كيفية تصرف وتفكير المستمع. ومع ذلك، فإن معظم الناس يدركون ويكونون حساسين للغاية، للطريقة التي يريدون أن تتم معاملتهم بها. ومن خلال التكيف وضبط نفسك مع الطريقة التي يريد الأشخاص الآخرون أن يتم التعامل معهم بها، تصبح أكثر فاعلية في تواصلك.لماذا يعد ذلك مهما للغاية؟
فأنت تساعد الآخرين على فهمك عن طريق إنشاء ساحة آمنة للتواصل وفقا لشروطهم. ثم يمكن للمستمع حينها استخدام طاقته للفهم بدلا من التفاعل بوعي أو دون وعي مع طريقة تواصلك.
فنحن نحتاج جميعا إلى تطوير مرونتنا حتى نتمكن من تغيير أسلوب التواصل لدينا، وتعديله عندما نتحدث إلى أشخاص مختلفين عنا. وهنا نجد حقيقة أخرى: فبغض النظر عن الطريقة التي تختار أن تتواصل بها، كفرد، فستكون دائما في موضع أقلية. إذ بغض النظر عن نوع سلوكك، فإن غالبية الأشخاص من حولك سيتصرفون بشكل مختلف عنك. فلا يمكنك تأسيس طريقة تواصلك بناء على تفضيلاتك الخاصة. حيث إن المرونة والقدرة على تفسير احتياجات الآخرين هي ما يميز التواصل الجيد.
إن معرفة وفهم أسلوب الشخص الآخر في التصرف وطريقة التواصل سوف تؤدي إلى مزيد من التوقعات الدقيقة حول كيفية تفاعله في المواقف المختلفة، كما سيزيد هذا الفهم أيضا من قدرتك على الوصول إلى الشخص المعني بشكل كبير.
لا يوجد نظام مثالي
اسمحوا لي أن أكون واضحا بشأن نقطة واحدة مهمة: لا يدعي هذا الكتاب أنه شامل كليا في ما يتعلق بكيفية تواصلنا، كأشخاص، بعضنا مع بعض. لا يوجد كتاب يمكن أن يفعل ذلك، لأن عدد الإشارات التي ننقلها باستمرار إلى من حولنا لا يتناسب مع حجم أي كتاب. وحتى لو تمكنا من إدراج لغة الجسد، والاختلافات في الحوار بين الذكور والإناث، والاختلافات الثقافية، وجميع الطرق الأخرى لتحديد الاختلافات في التواصل، فلن نتمكن من كتابة كل شيء. إذ يمكننا إضافة الجوانب النفسية، وعلم الخط، والعمر، والتنجيم، ولن نحصل على صورة كاملة بنسبة 100%. ووفقا للمجلة الأمريكية لتعليم إدارة الأعمال (يوليو / أغسطس 2013)، تم إجراء أكثر من 50 مليون تقييم باستخدام أداة ديسا DISA. و مع ذلك، و مع كل هذه المعلومات، يبقى التواصل موضوعا محيرا ومشوقا. فالناس ليسوا جداول بيانات. لا يمكننا حساب كل شيء. فنحن معقدون للغاية بحيث لا يمكن وصفنا بالكامل. وحتى أصغر طفل هو أكثر تعقيدا بكثير من أي شيء يمكن وصفه في كتاب. ومع ذلك، يمكننا تجنب الأخطاء الفادحة عن طريق فهم أساسيات التواصل البشري.
هذه هي الحال منذ فترة
"نحن نرى ما نفعله، لكننا لا نرى لماذا نفعل ما نفعله. وبالتالي، فإننا نقيم بعضنا بعضا من خلال ما نرى أننا نفعله ".
أنت تقرأ
محاط بالحمقى
Non-Fictionكتاب "محاط بالحمقى" بقلم توماس إريكسون للأنماط الأربعة للسلوك البشري و بترجمة عمر فتحي.