الوردية الفضية

72 7 1
                                    

  .
.
  قد لا تجذبك الرواية في الفصول الأولى
ولكن أگد لكم انها ستكون افضل رواية تقرأها علي الإطلاق
.
.

     فتح باب الحَانوتِ ببطء ، فقد دفعته يد مترددة كَيدْ الانسان الخجول . و دُهشت الفتاه 'بليلوت' لذلك التردد ، وكانت مٌنحنِيه علي منضدة العمل ، تثبت شريط حريريًا في لون الفجر فوق معطف اسود علي طراز المعاطف الانجليزية . فرفعت رأسها ، متجهة بنظراتها إلي الباب ، و إناملها مازلت ممسكة بإبرتها و خيوطها معلق في الهوا .

إن اليد التي تدفع الباب بمثل هذا الحذر ، ليست بلا شك يد المواطنة 'فوريس' صاحبة الحانوت النشيطة ، التي ذهبت الي السوق منذ لحظات .

و هي أيضا ليست يد عميلة من عميلاتها ، فقد ظهر بالباب رجل طويل القامه ، نحيل الجسم ، يتشح بالسواد من رأسه إلي قدميه ، ما عدا ربطة عنقه البيضاء ، و الكآبه مرتسمة علي محياه كأنه يلبس الحِداد علي نفسه !

وبعد أن اجتاز الرجل عتبة الباب ، تردد مره أخرى قبل أن يغلقه . ثم ألقي تحيه بحركة مشبعة بالتكلف ، و قال بلهجة من يدبر مؤامرة : أقدم لك إحترامتي ايتها الشابة الحسناء ! .. ولعلي لم أكن متطفلا .. هل المواطنة فوريس غائبة؟
   وكانت الفتاه قد أستأنفت العمل بإبرتها . فأحنت رأسها وراحت تسترق النظرات إلي الرجل من خلال أجفانها المرخاء ، و أجابت قائله :
  - ان المواطنة فوريس ليست هنا الان ، ولكنها لن تتأخر و عما قريب تعود علي ما أظن . وإذا راق لك أن تنتظرها ،  أيها المواطن فأرجو منك ان تتكرم وتجلس .

كان في عبارات الترحيب هذه وفي الابتسامه التي رافقتها ، اعاد الطمأنينة إلي نفس القادم الغريب ، فانبسطت أسراير وجهه . وإبتسم إبتسامة الارتياح ، ثم تناول مقعدًا جلس عليه امام منضدة الفتاة العاملة ، وقال في صوت هامس راعش النبرات :
- هذا ما كنت آمله!... آه، ايتها اللطيفه بليلوت ..إعذريني ايتها اللطيف، انكِ لا تستطيعين ان تتصوري مبلغ سعادتي بأن وجدتك وحدك بين هذه الجدران ، وبأن استطيع الافضاء إليكِ بالشعور الذي قادني إلي هنا ..!

   ودهشت الفتاه اكثر مما اضطربت لسماعها هذه العبارات ، فرفعت رأسها وألقت نظرة استفهام علي ذلك الخجول الذي انتابته الجرأة فجأة
وفطن الرجل إلي السؤال الذي لم تفه به شفتاها بعد ، فإستطرد قائلا  :
-كيف ؟ .. ألا تعرفينني ..انني امر امام هذا الباب منذ ثلاث عشريات علي الاقل . ورغم برد هذا الشتاء اللعين ، كنت الصق انفي بالواجهة ، محاولا ان اراكِ من خلال الزجاج ، انتِ الفتاة المحتشمة التي يصعب اكتشاف مخبئها ، ولكنها مع ذلك من الجمال والرزانة بحيث لا يسع كل رجل شريف الا ان يضطرب لرؤيتها !

فقاطعته الفتاه برقه قائله :
  - كفي ايها المواطن .. ان هذا لا يفيدني من انت ؟
فبدأت الدهشة في وجهه و قال :
- من أنا ؟ .لا شك في انكِ الوحيده ، في مدينه «كركاسون» كلها ، التي لا تعرف وجهي ، و تجهل إسمي .. انا المواطن «ديسال» .. المحامي لدي المحاكم .

وظلت الفتاه محتفظة بهدوئها ومنظرها الساذج ، وقالت :
- انني اشكرك علي زيارتك ، لكني في الوقت الحاضر ، ليس عندي دعوي او قضية تتطلب الدفاع عنها ..

- حقا ، انني اسف لذلك . فلشد ما يهمني أقدم لكِ برهاناً علي اخلاصي . غير انني ما جئت اليوم الا لكي ادافع امامك عن قضيتي الخاصه!

- قضيتك الخاصة

- نعم ، ايتها الصبية الجميلة. انني احبك .. هذا هو الواقع! وهانذا قلت كل شئ في كلمه واحدة. انني احبك و ارغب في إقناعك بأن ليس هناك شخص آخر في وسعه ان يحبك اكثر مني !

- آه ، ايها المواطن ، يخيل إلي انك وصلت بسرعه إلي ختام الحديث !

- بليلوت

    كان إسم 'بليلوت' ينطبق تمامًا علي 'مارغريت بولين بليل ' العاملة في محل الازياء ، في مدينة كركاسون، في شهر فريمير من العام السادس للجمهورية « ديسمبر سنه 1797»

      وقد ولدت الفتاة قبل ذلك التاريخ بعشرين سنه ، اي في 15 فبراير سنه 1778 ، فممن ورثت اللطف والجمال ؟ امن أمها الطاهية في بيت رجل من الاشراف القدماء ؟ أم من أبيها الذي يقول بعض الناس : انه مجهول ويقول آخرين : انه ساعاتي في بلده بامبير ؟

    ان  الغموض يكتنف مولد الفتاة ، و الشئ الوحيد الاكيد هو ان بليلوت كانت في ذلك العام السادس للجمهورية اجمل العاملات و اوفرهن حسناً في كركاسون

انها قصيرة القامة ، ممتلئة الجسم ، شقراء الشعر ، زرقاء العينين ، ناصعة البشرة ، تميل إلي ارتداء أزياء العهد الملكي البائد. و ليست غبية ، ولا تتصنع الحشمة ، و لا يعلم احد كيف أصبحت علي جانب من الاطلاع والمعرفة ، فهي تتجاذب الاحاديث مع عملاء المحل في كثير من اللباقة والذوق السليم. أما ضحكتها الرنانة ، المغردة ، فهي وحدها آية من آيات الفتنة!
 
فأية غرابة اذن في أن يقع في هواها جميع شبان كركاسون ؟!
ولكن بليلوت فتاة ذكية فطنة. فهي تعرف ما يهدف إليه كل من أولئك الشبان المغازلين.

    انها رحلت عن بلد بامبير و أقامت مع أمها في مدينة كركاسون القديمة ، حيث عملت في حانوت الأزياء الذي تملكه المواطنة فوريس ، و أسمه
" الوردية الفضية "

وقد مضي عليها في عملها هذا ستة أعوام ، رأت خلالها أشياء كثيرة ، و سمعت أشياء كثيرة. فعركتها التجارب ، و عرفت كيف تتخلص من اولئك المعجبين واحد بعد واحد. فهي رغم انها كانت تبحث عن الحب و تتوق إليه ، كانت تعرف كذلك ما ينطوي عليه الحب من خيبة في أكثر الأحيان. و لهذا آثرت الإنتظار، و أخذت تعد عدتها في هدوء للسنوات التي تلي عهد الشباب

غرام نابليون في مصر للكاتب " روجيه ريجيس"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن