زواج مرتجل

18 3 3
                                    


  ما كادت بليلوت تعود الي محل الازياء في صباح  اليوم التالي، وتستوي جالسة علي مقعدها أمام منضدة العمل،  حتي فتح الباب الداخلي للمحل، و أطل منه جان بقامته المديدة ووجهه الوسيم البسام.

    لم يكن يتقلد سيفه كالمعتاد، ولكن بليلوت أدركت من بريق عينيه عزمه الاكيد علي القيام بهجومه بلا ابطاء.
   وبادر الفتاة بالتحية قائلا:
ـ صباح الخير يا بليلوت... ان عمتي خرجت لقضاء أمر ما.. فنحن الآن وحدنا... وقد اغتنمت هذه الفرصة و جئت لاداعبك..!
    قال هذا و هو يخطو نحوها مطمئنـًا حتي بلغ المنضدة التي تجلس اليها، فاتكأ عليها بذراعيه، وراح يركز نظراته في عينيها. فاختلج قلبها، لكنها تماسكت وردت عليها قائلة:
ـ صباح الخير أيها المواطن فوريس! …داعبني كما شئت مادامهذا يسليك …ولكنني أطلب منك الآن شيئا واحدا، وهو أن تدعني أعمل فلابد من انجاز هذه القبعة التي في يدي قبل أن ترجع عمتك.
  
قالت هذه الكلمة بلهجة كلها تعقل و اتزان، ولكن الابتسامة التي ارتسمت علي ثغرها، و اضطراب أهداب عينيها، كان فيهما شئ من الاغراء لم يفت الشاب ادراك معناه. فاستطرد قائلا بلهجة مرحة:
ـ اعملي ما شئت يا بليلوت! … ان هذا لن يمنعك من الاستماع لما سأقوله لك، وهو لا يختلف عما قلته لك من قبل و كررته مرة بعد مرة. ان العالم كله علي سعته لا تعجبني فيه الا  فتاة واحدة. وهذه الفتاة هي أنت يا بليلوت!  انتِ «الورده الفضية». نعم، انك تشبهين وردة أنبتتها معجزة في هذا المحل …وردة أود أن أقطفها، اذا سمحت أنت بذلك!

    فتشاغلت بليلوت باعداد ابرتها للعمل و قالت دون أن ترفع نظرها اليه:
ـ يالها من عبارات شذية عاطرة!... لكنها غريبة حقا اذ ينطق بها ضابط في الجيش، انها جديرة بأن ينطق بها يستأني أو بائع أزهار!
  
   ثم أطلقت من حنجرتها ضحكة مغردة ساحرة، وعكفت علي عملها متظاهرة بالانهماك فيه، فضحك جان بدوره وقال:
  ـ أهكذا رأيك؟.. لكنني سأثبت لك الآن الي أي حد أنت مخطئة، وسترين كيف نصنع جميعـًا، في فرقة الفرسان!
    وفي قفزة رشيقة واحدة، تخطى المنضدة التي تفصل بينهما. واحتضنها بين ذراعيه، ثم انهال على شفتيها بالقبلات. ولم تبد بليلوت مقاومة تذكر اول الامر، ثم دفعته عنها بعـد قليل في تلطف ملحوظ، وهي تقول له:
ـ لا …لا.. لا أسمح لك بهذا!..

فسألها و ذراعه مازالت حول خصرها:
ـ ولماذا لا تســمحين يا زهرتي الجميلة!

    فنظرت اليه متنهدة، ثم أطرقت وقالت:
ـ أنت تعلم الجواب يا جان.. ان هذا الذي تريده لاحق فيه لغير شخص واحد هو زوجي في المستقبل!

    وبغت جان، وبقي هنـيهة يحدق في وجهها وهي مطرقة، ثم وضع يديه كلتيـهما علي كتفيها مترفقا، وأخذ يضحك، كأنه ســمع ملاحظة طريفة تفوهت بها صبية صغيرة، فلما رآها تحدق النظر في عينيه مسـتنكرة معاتبة، كف عن الضحك فجأة وقال لها:
ـ اذن، انت تعتقدين يا بليلوت أن الزواج هو أعظم برهان علي الحب؟

غرام نابليون في مصر للكاتب " روجيه ريجيس"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن